أيها العامل! اتق الله، فإنك مسؤول

منذ 2022-09-03

أمر صلى الله عليه وسلم أن يكون كل فرد في المجتمع الإسلامي مسؤولا عن تصرفاته،  متفانيا في أداء واجبه، وبخاصة العمال والموظفين الذين تبوؤوا مسؤوليات العامة، ونصبتهم الدولة لقضاء مصالح الناس، والسعي في الوفاء بحاجاتهم.

أمر صلى الله عليه وسلم أن يكون كل فرد في المجتمع الإسلامي مسؤولا عن تصرفاته،  متفانيا في أداء واجبه، وبخاصة العمال والموظفين الذين تبوؤوا مسؤوليات العامة، ونصبتهم الدولة لقضاء مصالح الناس، والسعي في الوفاء بحاجاتهم.

قال الخاقاني: يراد بالمسؤولية الشعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل.

وكيف لا يراقب هذا العامل ربه، وهو سائله يوم القيامة عن عمله ووظيفته. قال تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

 

إن كل قائم على عمل من الأعمال الوظيفية، مسؤول عما تحت يده من أموال، وممتلكات، ولا يجوز له التصرف فيها إلا بما يخدم مصلحة العمل المُوْكَل إليه. ومن القواعد الفقهية المقررة عند العلماء: تَصَرُّفُ ذِي الْوِلاَيَةِ، مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ.

إن كل مسؤول فوضت له الدولة  قضاء مصالح الناس، صار وكيلا على الأمة في القيام بشؤونها، وإدارة مصالحها، من إحقاق الحقوق، وإقامة العدل، وصيانة الأخلاق، وتطهير المجتمع من الفساد، والحرص على الأموال العامة، ورعايتها من الهدر والتبذير.

 

قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}. قال ابن كثير: أي: إذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا، وهذه صفات المؤمنين، وضدها صفات المنافقين، كما ورد في الحديث الصحيح: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان» (متفق عليه).

 

يقول الشيخ المعمَّر بن علي البغدادي المتوفى سنة (507هـ) عن الموظف: هو في الحقيقة أجير، قد باع زمنه، وأخذ ثمنه، فلَم يبق له من نهاره ما يتصرَّف فيه على اختياره، ولا له أن يصلي نفلاً، ولا يدخل معتكَفاً... لأنَّ ذلك فضل، وهذا فرض لازم.

 

إن اختيار الموظف أو العامل منوط بمجموعة من الشروط، منها:

1- أن يكون قويًّا أميناً؛ لأنه بالقوة يستطيع القيام بالعمل المطلوب منه، وبالأمانة يُؤدِّيه على وجه تبرأ به ذمَّته.

وقد أخبر الله - عز وجل - عن إحدى ابنتي نبي الله شعيب - عليه السلام - أنَّها قالت لأبيها لَمَّا سقى لهما موسى - عليه السلام -: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}.

 

2- أن يكون خبيرا بعمله، ممتلكا للكفاءة المطلوبة. قال يوسف - عليه السلام - للملِك لما أراد ولاية اقتصاد مصر: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.

3- أن يتمتع بالقدرة البدنية والنفسية الكفيلة بأداء واجبه على أكمل وجه. ففي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! ألاَ تستعمِلُني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر،‍ إنَّك ضعيف، وإنَّها أمانة، وإنَّها يوم القيامة خزي وندامة، إلاَّ مَن أخذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها».

 

4- أن يكون منصفا في التعامل مع الناس، فلا يقدم بعضهم لجاه عنده، أو حسب، أو قرابة، بل يكون التقديم عنده على حسب السبق. يُستنتج ذلك من حديث  أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: بينما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يُحدِّث القوم، جاءه أعرابيٌّ فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّث، فقال بعضُ القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضُهم: بل لَم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: «أين أُراه السائل عن الساعة» ؟. قال: ها أنا يا رسول الله. قال: «فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة». قال: كيف إضاعتُها؟. قال: «إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة» (البخاري).

قال ابن حجر - رحمه الله -: ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق، وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها.

وقال النبي: من ولاه الله - عز وجل - شيئا من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره صحيح سنن أبي داود.

 

فكيف - بعد هذا - ترى طوابير الناس ينتظرون أمام بعض المصالح، والمكلف منشغل بما لا علاقة له بعمله، لا يلتفت إلى أَنَّات المنتظرين، ومنهم الكبار في السن، والنساء، وربما المرضى والعجائز، وهم أحوج إلى الرفق. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» (مسلم).

خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم في العمال فقال: إني استعملكم على أمة محمد لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتَقسموا بينهم بالعدل، ولا تجلدوا المسلمين فتذلوهم، ولا تضيعوا حقوقهم فتفتنوهم.

 

5- أن يكون عفيفا عن أخذ الرشاوى والهدايا، فـهدايا العمال غلول - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - صحيح الجامع، وهي من باب أكل أموال الناس بالباطل، الذي يحول دون استجابة الدعاء. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيُّها الناس! إنَّ الله طيبٌ لا يقبل إلاَّ طيباً» وفي آخره: ثم ذكَرَ الرجلَ يُطيل السفر أشعث أغبر، يَمدُّ يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك (مسلم).

ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّل ما ينتن من الإنسان بطنه، فمَن استطاع أن لا يأكل إلاَّ طيباً فليفعل» (البخاري).

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينتبهون إلى مصدر أموالهم، ولا يتحرون الحلال فيها، فقال: «ليأتيَنَّ على الناس زمان، لا يُبالي المرء بما أخذ المال، أمِنْ حلال أم من حرام» (البخاري).

 

ومما ورد في منع العمال من هذه الإتاوات الزائدة عن مرتباتهم التي يتقاضونها مقابل وظائفهم، ما رواه أبو حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد، يُقال له: ابنُ اللُّتبيَّة على الصدقة، فلمَّا قدم قال: هذا لكم، وهذا أُهدي لي. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أُهدِيَ لي؟ أفلاَ قعدَ في بيت أبيه أو في بيت أمِّه حتى ينظرَ أيُهدَى إليه أم لا؟ والذي نفسُ محمد بيده، لا يَنال أحدٌ منكم منها شيئاً، إلاَّ جاء به يوم القيامة يحمله على عُنُقه، بعير له رُغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعَر». ثم رفع يديه حتى رأينا عَفرتَي إبطيه، ثم قال: «اللَّهمَّ هل بلَّغت» ؟ مرَّتين. (البخاري).

وأوضحُ منه قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» (صحيح سنن أبي داود).

 

وقال عياض بن غنم رضي الله عنه - وكان واليا لعمر بن الخطاب على حمص: فوالله، لأن أُشقَّ بالمنشار، أحبُّ إليَّ من أن أخون فلساً أو أتعدَّى.

إذا قيل أنتم قد علمتم فما الــذي   ***   عملتم وكل في الكتاب مرتــب 

وماذا كسبتم في شباب وصحـــة   ***   وفي عمرٍ أنفاسكم فيه تكتــب 

فيا ليت شعري ما نقول وما الذي   ***   نجيب به إذ ذاك والأمر أصعب

________________________________________________________

الكاتب: د. محمد ويلالي