من كنوز حسنات اللسان

منذ 2022-09-08

ليعلم المسلم أن اللسان من أكبر نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان، وهو من أعظم آياته وأفضاله...

ليعلم المسلم أن اللسان من أكبر نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان، وهو من أعظم آياته وأفضاله؛ قال الله عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 8 - 10]، وقال ربنا سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22].

 

فدلت الآيات على أن اللسان منحة من الله عز وجل ونعمة تستوجب الشكر والعطاء العظيم.

وهو من أكبر مميزات الإنسان عن العجماوات التي خلقها الله في الكون، وسخرها لخدمة العبد.

ولقد جعل الله عز وجل عبادات كريمة ومتنوعة من شأنها أن ترتقي بالعبد إلى جنات النعيم، وهي من عمل هذا اللسان.

 

فباللسان نذكر الله ونشكُره، وندعوه ونحمَده، ونُصلح بين الناس، ونعلم القرآن ونتعلَّمه، وبه نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وبه أيضًا نبر والدينا.

 

ولنذكر بعض الفضائل والكنوز التي تتأتى من قبل اللسان:

1- مداومة الذكر: قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

والذكر من أفضل أعمال اللسان، وهو من أجلِّ العبادات وأكرمها عند الله تبارك وتعالى؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلي الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخيرِ أعمالِكُم وأزْكاهَا عند مليكِكُم، وأرفعُها في درجاتكُم، وخيرٌ من إعطاءِ الذهبِ والورقِ، وأن تلقَوا عدوكُم، فتضرِبوا أعناقهُم، ويضربوا أعناقكُم؟ قالوا: وما ذاكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ذكرُ اللهِ»؛ (شرح السنة رقم: 3/ 66).

 

فهنيئًا لمن أشغل لسانه بكثرة ذكر الله تعالى، وكان من وفد الذاكرين والذاكرات، الذين سبقوا غيرهم إلى الله جل وعز بدوام ذكره وحمده وشكره.

 

2- قراءة القرآن الكريم وتلاوته بالليل والنهار:

وهو من أجلِّ وأكرم العبادات عند المؤمن التي لا يستغني عنها أبدًا؛ قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 121]، وقال جل شأنه في مدح حالهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29].

 

ولقد منَّ الله علينا بتيسير تلاوة القرآن، وتيسير حفظه وفَهمه؛ قال سبحانه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].

 

ومن السنة ما رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق، له أجران»؛ البخاري حديث 4937، ومسلم ج1 حديث 798.

 

والقرآن منحة وكنز ثمين من كنوز الحسنات في الدنيا؛ روى الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف»؛ صحيح الترمذي، ج3 حديث 2327.

 

قال الحسن البصري: فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على عباده؛ شرح السنة للبغوي ج4 ص437.

 

ويقول أبو سليمان الخطابي: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة، فمن استوفى قراءة جميع آي القرآن، استولى على أقصى درج الجنة.

 

ومن فضائل القرآن أيضًا: أنه يشفع لأصحابه الذين انشغلوا به في الدنيا تلاوةً وتدبرًا وحفظًا،

روى مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»؛ (مسلم ج1 حديث 804).

 

3- تعلم القرآن وتعليمه: لا شك أن تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه من أشرف المهن والمنازل، وهو عمل الصالحين، وأهل الله وخاصته الذين هم أهل القرآن؛ قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: 49].

 

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه»؛ (البخاري حديث 5027).

 

والاجتماع على تلاوة القرآن تعلمًا وتدريسًا وتفسيرًا وتحفيظًا، مجلس تتنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة؛ روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزَلت عليهم السكينة وغشِيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكَرهم الله فيمن عنده»؛ (مسلم ج4 حديث 2699).

 

وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَالمُؤْمِنُ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ، أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ»؛ (متفق عليه).

 

يقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].

 

يكفي المؤمن في تعليمه للقرآن وتحفيظ وتفسيره أن يكون من أهل الله وخاصته، نسأل الله أن يجعلنا منهم.

_______________________________________

الكاتب: محمد عبدالعاطي محمد عطية

محمد عطية

كاتب مصري