طريق الإسلام

منسيون في السجون

منذ 2022-09-11

رسالة أبعثها لكل من أدخل ظلماً وعدواناً دهاليز سجون الظلمة فطمسوا هويته من الوجود وحجبوا عنه النور وعموه عن الأنظار...

منسيون في السجون


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الآمين، وبعد

فهذه المقالة هي رسالة أبعثها لكل من أدخل ظلماً وعدواناً دهاليز سجون الظلمة فطمسوا هويته من الوجود وحجبوا عنه النور وعموه عن الأنظار فهو يقضي ليلة شاكياً إلى الله ونهاره باكياً من ظلم الطواغيت يتذكر إذا خلد إلى زنزانته بناته وزوجته وأمه وأهله يعيش سعيداً بذكرياته ينام فيلقى من يشاء ويحلم وكم يحرص الظلمة على مسح خصومهم من الوجود ظناً منهم أن في وأدهم وأداً للحق ولكن {الله متم نوره ولو كره الكافرون} إن بقاء أفكار كثير من المظلومين وانتشارها بين الأمة لدليل على انتصارهم ولو بعد موتهم كحال سيد قطب - رحمه الله - لكن ثمة عشر وقفات من المنسيين في السجون: -

 

الوقفة الأولى: الله يسمع ويرى

فلا يساورك شك ولو للحظة واحدة أن الله كالبشر فينسى ويجهل أو يغفل - تعالى -الله عن ذلك علواً كبيراً فلا تختلط عليه الأصوات ولا تشكل عليه اللغات ولا اللهجات ولا يشغله عبد عن عبد ولا سائل عن سائل وقد أشار إلى ذلك في كتاب العزيز فقال {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يربد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} فالله يرى ويسمع ويبصر ويدبر الأمور - سبحانه -.

ثانياً: لا تعتقد بأن المدبر المرتب القاضي الآمر الناهي هو الإنسان بمحض إرادته دون تدبير وترتيب إلهي سبق في علم الله وتقديره أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون فالبرم والتدبير في السماء والتقدير عند الله ونحن أسباب ونعمل بما جف به القلم وسبق تقديره قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال - تعالى - {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} فإياك أن يتخللك الشك أن الله غافلاً وأن للخلق التصرف في ملكه - عز وجل - دون علمه وتقديره.

ثالثاً: لا شك أن تقدير الله لعبده كله خير فالله من أسمائه الرحمن ومن صفاته الرحيم فهو لا يريد العذاب لعبده ولا التذليل ولا السجن والبكاء ولا الحزن لكن يريد بذلك رفع مكانته وقدره عنده وتميزه عن غيره بإظهار صبره على البلاء وشكره على النعماء كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن البلاء لا يزال في المؤمن في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة» «وإنه لتكون للعبد منزلة عند الله لا يبلغها بعمله فيبتليه ويبتليه حتى يبلغه إياها» إنه ليس لصبرك على ما أصابك من بلاء وحدة قياسية تجازا بها بالحسنات إنه نهر مفتوح من الأجور إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

رابعاً: لا تقنط إن القنوط من الفرج واليأس من رحمة الله صفة الكفار {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} واعلم أن قدر الله لك كله خير إن أصابتك ضراء صبرت فكان خيراً لك وإن أصابتك سراء شكرت فكان خيراً لك وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.

 

خامساً: تعلق بالمسبب ثم ابذل الأسباب

كثيراً ما يضع المرء أمله بمعرفته وعلاقاته بالبشر من قضاة ودعاة ومسؤولين ومحامين ليتخلص من محنته والحق يجب أن يتعلق الإنسان بالله أولاً فيطلب منه - سبحانه - العفو والمسامحة أن يكون ما أصابه بسبب ذنب أو تقصير ثم يسأله العفو والعافية والفرج والخلاص وأن يكتب له الخير ويصرف عنه السوء معتقداً اعتقاداًَ جازماً أن الأمور بيده وحده - سبحانه - {ولقد نادنا نوح فلنعم المجيبون} {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده} {قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب} {وإذا مرضت فهو يشفين} «وله ما سكن في الليل والنهار» {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطعماً إن رحمة الله قريب من المحسنين} واجعل همك رضاء الله عنك ثم ابذل الأسباب المشروعة لا الممنوعة واترك النتائج على الله فإن نسيك الناس في السجون فالله غير ناس لك بل هو يراك ويسمع شكواك ويبصر أحوالك.

سادساً: لا شك أن الشيطان يحرص على إيذاء السجين بالوساوس والأوهام والنفس تتوق للحرية والانطلاق وطبيعتها عجلة، فلذا كثيراً ما تهجم على السجين وأهله أفكار الحزن والظلام والنهاية ويظل هذا الهم ملازم للإنسان في سجنه بعد الغروب وعند حلول الظلام فيصيح ولا مجيب وفي المقابل يفعل الشيطان في أهل السجين كمثل فعله في السجين ليصل القلق والهم بهم إلى حد الأمراض العضوية التي هي نتيجة الهم والغم فيلتهب القولون العصبي ويصاب السجين وأهله بالقرحة وربما بأمراض أخرى وهذا ما يفرح الشيطان، لكن الحق أن تعلم أن الله أرأف بالمسلم من أهله وأمه وأبيه وهو أرحم الراحمين لكن له حكمة {إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} فليس السجن دليل غضب الله وليست الحرية والمال دليل حبه ورضاه {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن وأما إذا ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول رب أهان} قال الله كلا أي هذا الكلام خاطئ غير صحيح، ولذا ليكن معلوماً إنه عذب وسجن من هو خير منك إنهم الأنبياء فيوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي ابن نبي بن نبي بن نبي عليهم الصلاة والسلام قد رمي في الجب ثم بيع في السوق ثم عمل خادماًَ ثم أدخل إلى السجن زهاء (10) سنين، وأيوب ظل في مرضه (18) سنة، وزكريا نشر بالمنشار، ومريم اتهمت في عرضها وهكذا أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين.

سابعاً: عليك باستغلال وقتك وأيامك في طاعة الله فهي أيام محسوبة من عمرك فاحفظ فيها القرآن وتعلم فيها السنة ورتب لنفسك جدولاً صباحاً ومساءاً واعمل بصحبة الأخوة فإن مصاحبة الصالحين زين وأنس في الرخاء وصبر على البلاء وأكثر من الدعاء وسل الله أن يختار لك الخير - سبحانه - وليكن هذا البلاء الذي وقع فيه الإنسان مدرسة يراجع من خلالها أيام حياته وسنيه الماضية.

ثامناً: إنه مهما أصيب به السجين من هم وحزن وقلق وألم جسدي عبر التعذيب النفسي أو البدني أو الطبي فليعلم أنه رفعة لدرجته في عليين واختبار من الله له في ركب الصالحين «إن أشد الناس بلاءً الأنبياء فالأمثل والأمثل يبتلى المرء على قدر دينه فإن وجد في دينه شدة زيد له في البلاء»، إن الله ليربي العباد ويختبرهم، فأحدهم يختبره الله في السراء والآخر في الضراء ليظهر الله الشاكر من الكافر والصابر من الفاجر ولتتمايز الصفوف {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب}.

تاسعاً: إن كل انكسار وتنازل عن دينك إنما هو انتصار يحققه الشيطان في ميدان النزال والصراع معك، فالصبر الصبر والثبات والثبات وهذا لا يمنع من أن يراجع المرء نفسه ويحاسبها على ما صدر منها ويعرض عقله وتصرفاته على الكتاب والسنة ومن يثق بعلمه ويشهد لهم بالصلاح والتقوى.

 

وأخيراً:

إن كنتم منسيون عند الناس فلا شك أنكم غير منسيين عند الله فلا ولن يهمل الله خلقه أو يضيعهم بل في مثل هؤلاء المظلومين قال الله في الحديث القدسي «وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد الحين» بل أحد الثلاثة الذين لهم دعوة مجابة المظلوم «ثلاثة لا ترد دعوتهم بل ترفع فوق الغمام دعوة الوالد على ولده ودعوة المسافر ودعوة المظلوم» فلا يتسلل إلى قلبك الشك أن الله ناسيك أو لا يراك بل ربما أعد الله هؤلاء الألوف من المظلومين لخلافة راشدة وأمة جديدة تولد من رحم المصائب والأزمات أو لربما أبقاهم الله في السجون ليصرف عنهم فتن الدنيا وملذاتها التي زلت بها أقدام ونافقت فيها أقلام.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الله لا يعلمون

وصلـى اللـه علـى نبينــا محمـد وعلـى آلـه وصحبـه وسلـم،،،