من أقوال السلف عن العلماء وحقوقهم -1
للسلف أقوال عن العلماء يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالعلماء أكثر الناس خشية لله, قال سبحانه وتعالى: {﴿إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾} [فاطر:28]
والعلماء هم ورثة الأنبياء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء » , وهم أفضل من العباد قال عليه الصلاة والسلام: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب»
للسلف أقوال عن العلماء يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها
- العلماء أولياء الله:
قال أبو حنيفة: إن لم يكن أولياء الله في الدنيا والآخرة الفقهاء والعلماء فليس لله ولي
- العلماء العاملين لا يصيبهم خرف:
قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي, رحمه الله, قال الله عز وجل: {﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾} ([النحل:70]
قوله: {﴿ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ } أي: يرد إلى أرذل العمر, لأجل أن يزول ما كان يعلم من العلم أيام الشباب, ويبقي لا يدري شيئاً, لذهاب إدراكه بسبب الخرف, ولله في ذلك حكمه.
قال بعض العلماء: إن العلماء العاملين لا ينالهم هذا الخرف, وضياع العلم والعقل من شدة الكبر, ويستروح لهذا المعنى من بعض التفسيرات في قوله تعالى: {﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ } [التين:5-6]
- العالم أشدّ على الشيطان من ألف عابد:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال إبليس: لعالم واحد أشد عليَّ من ألف عابد إن العابد يعبد الله وحده وإن العالم يُعلّم الناس حتى يكونوا علماء.
- العلماء أرفع الناس منزلة عند الله:
** قال ابن عيينة: أرفع الناس عند الله منزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء.
** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:...أقرب الخلق من الله العلماء
- حاجة الناس إلى العلماء عظيمة:
** قال ربيعة بن عبدالرحمن: الناس في حجور علمائهم كالصبيان في حجور آبائهم
** قال الشيخ سعد ناصر الشثري الحاجة إلى العلماء تتزايد وذلك لعدد من الأمور
الأمر الأول: كثرة أعداد المسلمين, حيث وصلوا إلى آلاف الملاين, أو أكثر, وكلّ من هؤلاء يحتاج إلى من يرشده, ويحتاج إلى من يفقه, ويحتاج إلى من يفتيه.
الأمر الثاني: كثرة الواردات التي ترد إلى الناس من أنواع الشبهات والشهوات حتى وصلت إلى الناس في بيوتهم بل وصلت إليهم في جيوبهم فتجده يُخرج جواله ويفتح الشبكة ويبدأ بالشبهات فتحتاج إلى علماء ليكشفوا هذه الشبهات التي تلقيها الشياطين والفقيه الواحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد لأنه يزيل شبهات الشياطين
الأمر الثالث: ومما يبرز حاجة الأمة إلى كثرة العلماء ورود الفتن على الناس في وقت وراء وقت, فدماء تُسفك, وأرواح تُزهق, وأموال تُنهب, وأعراض تغتصب, ولا يحرك الناس للخلاص من مثل أحد مثل علماء الشريعة.
الأمر الرابع: أن العلم يُنسى, فإذا لم يكن له تذكير دائم نُسي, وهذا لا يقوم به إلا العدد من العلماء.
الأمر الخامس: أن أجيال الناس تتوالى, فكلما حدَث جيل, فهم لا يعرفون, ولا يعلمون فيحتاجون إلى من يعلمهم.
- الحاجة إلى التمييز بين العلماء الصادقين وبين غيرهم ممن يتزيا بزيهم:
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: في زماننا هذا اشتدت الحاجة إلى معرفة العلماء والتمييز بينهم وبين غيرهم, ممن يُغتر به, ويتزيّا بزيهم, ويلبس لبسهم, واشتدت هذه الحاجة لأمور:
الأمر الأول: قلة العلماء, فالعلماء اليوم قليل نادرون.
الأمر الثاني: تصديق من ليس من أهل العلم, وخصوصاً في وسائل الإعلام لأن أكثر وسائل الإعلام يملكها أصحاب أغراض وأهداف, فمن حقق أغراضهم, وأهدافهم صدّروه, إما لكونه يجلب لهم كثرة مشاهدين, أو لأنه يجلب لهم إعلانات, أو لأنه لا يوقعهم في إحراج مع الحكومات, أو لأنه يُمالي في بعض أموره, ولذلك يصدِّرونه.
الأمر الثالث: أن الجهل قد عمّ حتى أصبح الناس لا يميزون بين العالم وغير العالم
** قال وهب بن منبه رحمه الله: كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم, فكانوا لا يلتفتون إلى دنيا غيرهم, وكان أهل الدنيا يبذلون لهم دنياهم رغبة في علمهم, فأصبح أهل العلم اليوم فينا يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في دنياهم, وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم.
** قال بشر الحارث الحافي: رأيت مشايخ طلبوا العلم للدنيا, فافتضحوا, وآخرين طلبوه فوضعوه مواضعه وعملوا به وقاموا به, فأولئك سلموا فنفعهم الله تعالى.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: العلماء....ولا يريدون ثناء دنيوياً, ولا يريدون مكانة, ولا منزلة, وإنما يريدون ما عند الله سبحانه وليس همُّ أحد نصرة مذهب أو عصبية لجنس أو انتصاراً لحزب, بل همهم دعوة الخلق إلى الله عز وجل.
- العالم من يخشى الله جل جلاله:
** قال مجاهد ومالك بن أنس والشعبي ويحيى بن أبي كثير: العالم: من يخشى الله.
** عن الربيع بن أنس عن بعض أصحابه قال: علامة العالم: خشية الله عز وجل.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: في قوله تعالى: {﴿إنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾} [فاطر:28] دلت هذه الآية على إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق.
وذكر ابن أبي الدنيا عن عطاءٍ الخراساني في هذه الآية: العلماء بالله الذين يخافونه
- العالم يجمع بين العلم والعمل والتربية:
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالماً معلماً متعلماً.
** قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الربانيُّون هم الذين جمعوا بين العلم والتربية، وأنه مأخوذ من التربية؛ قال الله تعالى: ﴿ {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } ﴾ [آل عمران: 79]؛ لأن من العلماء من يُعلم ولا يُربي، وهذا وإن كان فيه خير؛ لكن العالم هو الذي يُعلِّم ويُربِّي بقوله وتوجيهه وإرشاده، ويُربِّي أيضًا بفعله وسلوكه، وكم من طالب تأثر بشيخه في سلوكه أكثر مما لو أملى عليه الكلام أيامًا! وهذا شيء مشاهد مُجرَّب.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: من الربانيين أي: العلماء العاملين المعلمين, الذين يربون الناس بأحسن تربية, ويسلكون معهم مسلك الأنبياء المشفقين
فائدة: & قال الزهري: لا يثق الناس بعلم عالم لا يعمل.
& قال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا.
- خصال متفرقة للعلماء:
** عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يكون الرجلُ عالماً حتى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه, ولا يبتغي بعلمه ثمناً.
** قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إن الله يحب العالم المتواضع, ويبغض العالم الجبار
** قال سلمة بن دينار: لا تكن عالماً حتى يكون فيك ثلاث خصال: لا تبغي على من فوقك, ولا تحقر من دونك, ولا تأخذ على علمك دنيا.
** سئل عبدالله بن المبارك: ما ينبغي للعالم أن يتكرم عنه ؟ قال: ينبغي أن يتكرم عما حرم الله تعالى عليه, ويرفع نفسه عن الدنيا فلا تكون منه على بال.
** قال سفيان بن عيينة: العالم الذي يعرف الخير فيتبعه, ويعرف الشر فيجتنبه.
** قال إبراهيم بن أدهم: ليس شيء أشدّ على إبليس من العالم الحليم, إن تكلم تكلم بعلم, وإن سكت سكت بحلم.
** قال الشافعي: لا يجمُل العالم إلا بثلاث خلال: تقوى الله وإصابة السنة, والخشية
** قيل لأبن المبارك: كيف تعرف العالم الصادق ؟ قال الذي يزهد في الدنيا ويقبل على آخرته.
** قال الإمام البربهاري رحمه الله: العالم من اتبع العلم والسنن.
** قال الشعبي: بهاء العالم...السكينة, إذا علّم لا يعنف, وإذا عُلِم لا يأنف.
** قال يزيد بن ميسرة: كان العلماء إذا علموا عملوا, فإذا عملوا شغلوا, فإذا شغلوا فقدوا, فإذا فقدوا طلبوا, فإذا طلبوا هربوا. قال يزيد هذا الكلام لعطاء عندما أراد الدخول على الخليفة هشام بن عبدالملك, فرجع عطاء, ولم يدخل على هشام.
- علامات علماء الآخرة:
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: علماء الآخرة لهم علامات:
فمنها: أن لا يخالف فعله قوله, بل لا يأمر بالشيء ما لم يكن هو أول عامل به. قال الله تعالى: {﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ } [البقرة:44]
ومنها: أن تكون عنايته بتحصيل العلم النافع في الآخرة المرغب في الطاعات مجتنباً للعلوم التي يقل نفعها.
ومنها: أن يكون مستقصياً عن السلاطين فلا يدخل عليهم ألبته مادام يجد إلى الفرار عنهم سبيلاً. بل ينبغي أن يحترز من مخالطتهم وإن جاءوا إليه, فإن الدنيا حلوة خضرة وزمانها بأيدي السلاطين.
ومنها: لا يكون مسارعاً إلى الفتيا بل يكون متوقفاً ومحترزاً ما وجد إلى الخلاص سبيلاً ومنها: أن يكون غير مائل إلى الترفه والتنعم. والتجمل بل يؤثر الاقتصاد
ومنها: أن يظهر أثر الخشية على هيئته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه وسكوته, فعلماء الآخرة يعرفون بسيماهم في السكينة والتواضع.
ومنها: أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور, وليكن حريصاً على التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم.
ومنها: أن لا يطلب الدنيا بعلمه.
سبب استغفار الحيوانات للعالم:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ( «إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء» ) قيل: إن ( من في السموات ومن في الأرض ) المستغفرين للعالم عام في الحيوانات, ناطقها وبهيمها, طيرها وغيره, ويؤكد هذا قوله: ( حتى الحيتان في الماء, وحتى النملة في جحرها )
فقيل: سبب هذا الاستغفار أن العالم يعلّم الخلق مراعاة هذه الحيوانات, ويعرفهم ما يحلُّ منها وما يحرُم, ويعرّفهم كيفية تناولها, واستخدامها, وركوبها, والانتفاع بها, وكيفية ذبحها على أحسن الوجوه وأرفقها بالحيوان, والعلمُ أشفق الناس على الحيوان, وأقومهم ببيان ما خُلِقَ له.
- تشبيه العلماء بالنجوم:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أما تشبيه العلماء بالنجوم, فلأن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر, وكذلك العلماء, والنجوم زينة للسماء, وكذلك العلماء زينة للأرض.
وهي رجوم للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع, لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحي الوارد إلى الرسل من الله على أيدي ملائكته, وكذلك العلماء رجوم لشياطين الإنس الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً, فالعلماء رجوم لهذا الصنف من الشياطين, ولولاهم لطُمست معالم الدين بتلبيس المضلين, ولكن الله سبحانه أقامهم حُراساً وحفظةً لدينه, ورجوماً لأعدائه وأعداء رسله.
- التصنيف: