سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه
إنه أبو عمارة، أسد الله، أسد رسول الله حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه وأرضاه..
أيها الإخوة الكرام: في سورة آل عمران آية يقول فيها رب العالمين سبحانه وتعالى {﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ ﴾}
هذه الآية عن الأنياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم، وتتكلم عن الحواريين والأصحاب الذين اختارهم الله لصحبة الأنبياء ومنهم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ} ﴾
هذه الآية تمتدح أهل الإيمان الذين يخلصون فيما بينهم وبين الله عز وجل، الذين يعضون على عقيدتهم بالنواجذ، ويبذلون في سبيلها أنفسهم وأموالهم، وهم في كل ذلك شجعان، ابطال، ولو قتلوا أو ماتوا في سبيل الله تعالى لا يضعفون ولا يستكينون..
واليوم موعدنا مع بطل من هؤلاء الأبطال، ومع شجيع من هؤلاء الشجعان الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه..
إنه أبو عمارة، أسد الله، أسد رسول الله حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه وأرضاه..
يسر الله له أمر إسلامه ف( أسلم) اول ما أسلم ( حمية) للنبي محمد صلى الله عليه وسلم سبه أو جهل وعنفه عند الصفا فلما بلغ الخبر حمزة أتاه في مجلس قومه فعلاه بقوسه فأدمى رأسه وقال ( أتسب محمداً وانا على دينه أقول ما يقول ردها علي ان استطعت) فثار بنو مخزوم نصرة لأبي جهل، وثار بنو هاشم نصرة لحمزة، فقال أبو جهل دعوه فإني سببت ابن أخيه سبا قبيحا..
( أتسب محمداً وانا على دينه أقول ما يقول ) قالها الأسد أول ما قالها حمية، فما لبث أن ثبت الله تعالى الإيمان في قلبه..
فأحياه الله بالإيمان بعد أن كان ميتا، وجعل له نورا يمشي به في الناس بعد أن كان يمشي في الظلمات..
وفيه أنزل الله هذه الآية ﴿ { أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُۥ نُورًا يَمْشِى بِهِۦ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ} ﴾
ومن يوم أن أسلم ( الأسد) والمسلمون أعزة، والمسلمون يخرجون فيصلون ويظهرون بعد أن كانوا يستترون ويتخفون، وكف المشركون أيديهم شيئا ما عن أذية رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقالوا قد عز محمد وامتنع..
أسد الله حمزة ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلّم بعامين، واجتمع هو والنبي صلى الله عليه وسلّم في الرضاعة من ( ثويبة) لذلك لما أُرِيدَ النبي صلى الله عليه وسلّم عَلَى فاطمة بِنْتِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ : " «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ".
أسلم أسد الله بعد ست سنوات من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقبلها كان على الشرك غير أنه لم يثبت عنه أنه آذى رسول الله في شيء، ولا آذى مستضعفا من المسلمين ..
كان رضى الله عنه قبل إسلامه، وبعد إسلامه شجاعا، مقداما، سمحا، كريما، وصولا للأرحام، فعولا للخيرات رضى الله عنه وأرضاه..
ولما كانت الهجرة هاجر ( أسد الله) بنفسه وماله مهاجرا ومجاهدا في سبيل الله عز وجل وآخى رسول الله بينه وبين زيد بن حارثة، وكان أول لواء عقده رسول الله ( لواء حمزة) عقده له رسول الله فخرج به فهدد عيرا لقريش قادمة من الشام، فلما التقى الجمعان حجز بينهما عمرو بن مجدي الجهني، فلم يقتتلوا..
ولما كان يوم بدر حضر المغوار ( حمزة) ينافح ويدافع بنفسه وماله في سبيل الله عز وجل فبارز في أول من خرج يبارز، وقاتل في سبيل الله في أو ل من قاتل، وعلى يديه وصحبه قضي المجرمون حتفهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وطعمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط وغيرهم وغيرهم كثير من رؤوس الكفر واكابر المجرمين، وقد بلغوا حد السبعين...
{﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ ۚ فَٱسْتَبْشِرُوا۟ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِۦ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ) } "
فعل حمزة بالمشركين الأفاعيل، نكل بهم، قصف أعمارهم، حتى لم تبق بطن من بطون مكة إلا وهي تحقد على حمزة، لم تبق بطن من بطون مكة إلا ولها عنده ثأر ..
فأحكموا المكيدة وبذلوا المال ورصدوا الهدايا لعبد أسود يقال له ( وحشي بن حرب) وكان راميا بالحراب لا يخطئ، وكان عبدا مملوكا ل ( جبير بن مطعم) فقال إن قتلت حمزة ب ( عمي طعمة بن عدي) فأنت حر..
وخرج ( وحشي بن حرب) مع من خرج من المشركين وقد أجمعوا أمرهم أن يكون الموعد يوم ( أحد)..
وشهدت أرض المعركة صولات وجولات لبطل يقاتل بسيفين بين يدي النبي محمد صلى الله عليه وسلّم يزأر في المشركين يقول ( أنا أسد الله) فيفزعهم ويضربهم بسيفين في يديه حتى أسقط منهم واحدا وثلاثين قتيلا، وكادت مأساة المشركين يوم ( بدر) أن تتكرر يوم ( أحد)..
لولا المكيدة والخديعة ..
خرج وحشي بن حرب يوم أحد ولم يكلف بشئ إلا ب( حمزة)، فلما التقى الجمعان جعل الغلام الأسود يترصده ويرمقه ويرقبه ويكمن له حتى رماه فأصابه وقتله غدرا..
فلما تأكد من موته أتاه فانتزع منه حربته، ثم هرب راجعا إلى مكة وقد أدى ما عليه..
وسقط سيد الأبطال، سيد الشهداء، وقضى أسد الله وأسد رسول الله نحبه وفيه في زمرة الأبطال انزل الله { ﴿ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا۟ مَا عَٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًا ﴾}
وتكالب المجرمون على الجسد الطاهر، فبقروا بطنه، واستخرجوا كبده، وقطعوا أذنه، وجدعوا أنفه، كل ذلك غيظا وتشفيا فيه رضى الله عنه وأرضاه..
فلما وضعت الحرب أوزارها قام رسول الله وقد أثخنته الجراح.. قام يلتمس حمزة..
فوجده ببطن الوادي، وقد فعل به ما فعل، فبكى رسول الله بكاء حارا إذ لم ير منظرا أفجع منه فقال أي عم رحمك الله قد كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات، سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب،
والله لولا ما أخشى من حزن ( صفية) لتركته حتى يحشر يوم القيامة في بطون السباع والطير..
ثم إنه أمر به فكفن في ثيابه مدرجا بدماءه من غير أن يغسل ومن غير أن يصلى عليه ليحشر يوم القيامة وجرحه يدمي اللون لون الدم والريح ريح المسك، حاله كحال شهداء المعارك أيام رسول الله وإلى يومنا هذا..
{ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ } {﴿ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾} {﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾}
نسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يبلغنا منازل الشهداء إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن: سيد الشهداء حمزة أن نقول:
وماذا عن الذي غدر به؟
وماذا عن الحربة التي اخترقت الجسد الطاهر؟
وماذا عن العبد الأسود؟
رجع العبد الأسود بعد أن غدر بالأسد إلى مكة فأخذ كتاب العتق، وتلقى هدايا القوم وبقى في مكة حتى فشا فيهم الإسلام، ثم هرب إلى الطائف فبقى بها ما شاء الله..
قال: فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا .. فَقِيلَ لِي : إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ. قَالَ : فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ : " آنْتَ وَحْشِيٌّ ؟ "
قُلْتُ : نَعَمْ يا رسول الله قَالَ : " أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ ؟ " قُلْتُ : قَدْ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا بَلَغَكَ يا رسول الله . قَالَ : " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي ".
قَالَ : فَخَرَجْتُ، وجعلت اتنكب رسول الله في المجالس وأمشي خلفه حتى لا يراني فيذكر حمزة، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ..
قُلْتُ : لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ. قَالَ : فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَإِذَا مسيلمة رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ .
قَالَ : فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فجعلتها بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ. قَالَ : وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ..
فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ : وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ..
وهكذا صحح وحشي خطيئته، فكما قتل بحربته خير الناس ( حمزة)، قتل بها شر الناس ( مسيلمة)، فكانت عدلا لا له ولا عليه..
في إشارة إلى أن الإنسان إن عمل شرا بوسعه أن يتوب منه وبوسعه ان يتبع السيئة الحسنة فيمحها ما دام في العمر بقية وما دمت صادقا مخلصا {﴿ قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا۟ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾}
رحم الله حمزة، وغفر الله لوحشي بن حرب، وألحقنا بهم على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: