ثلاثة أخطاء في الحلف يجب الحذر منها

منذ 2022-10-12

التحذير من الحلف بغير الله تعالى، وكذا كثرة الحلف التي درجَتْ على ألسنة كثيرٍ من الناس، والتحذير من الأيمان الكاذبة وبيان خطورتها.

مقدمة ومدخل للموضوع:

• أيها المسلمون، عباد الله، عنوان موعظتنا اليوم بإذن الله تعالى هو: "ثلاثة أخطاء في الحلف يجب الحذر منها"، وسيندرج الكلام تحت العناصر التالية:

١- الحلف بغير الله تعالى.

٢-كثرة الحلف بالله ولو صادقًا.

٣- الحلف بالله كاذبًا.

 

أولًا: ما هو تعريف الحلف:

قال العلماء هو: تَأكِيدُ الشَّيْءِ بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ بِصِيغَةٍ مَخصُوصَةٍ بِأَحَدِ حُروفِ القَسَمِ؛ وهي: الواو، أو الباء، أو التاء، ومن أمثلته قول الشخص: (والله لا أفعل كذا، أو والله لم أفعل كذا).

 

والحلف، والقسم، واليمين، أو الأيمان، كلها من المترادفات؛ فكلُّها بمعنًى واحدٍ.

 

الوقفة الأولى: التحذير من الحلف بغير الله تعالى وأنه من الشِّرْك:

• فمن الأمور التي اعتبرها الشرعُ شركًا: الحلفُ بغير الله تعالى؛ لأن الحلف كما ذكرنا لا يكون إلا بمعظَّم، وهذا لا يكون إلا لله تعالى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقد كفَرَ أو أشرَكَ»، وعن عبدالرحمن بن سَمُرَة رضي الله عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، مَن كان حالفًا فَلْيَحلف باللهِ أو ليصْمُتْ»؛ (رواه مسلم) ، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمِعَ رجلًا يحلِفُ بأبيه، فقال: ((لا تحلِفوا بآبائِكُم، مَن حلفَ باللَّهِ فليصدُقْ، ومَن حُلِفَ لَهُ باللَّهِ فَلْيَرضَ، ومَن لم يرْضَ باللَّهِ فليسَ منَ اللَّه))؛ (رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني) .

 

فمن أقسم بغير الله تعالى من المخلوقات فقد اتخذ ذلك المحلوف به شريكًا لله وكفر بالله؛ لأن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، فلا يُحلف إلا به أو بصفة من صفاته.


وعن بُرَيدةَ الأسلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ليس مِنَّا من حلَفَ بالأمانةِ»، قال ابن مسعود رضي الله عنه: لأنْ أحلِفَ بالله كاذبًا أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أحلِفَ بغيره صادقًا؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لأنَّ حسنةَ التوحيد أعظمُ من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهلُ من سيئة الشرك.


ومن صور الحلف بغير الله تعالى التي انتشرَتْ على ألسنة كثير من الناس:

• الحلف بالنبي، والكعبة.

• أو الحلف بالسيد أو بالوليِّ.

• أو بحياة فلانٍ أو رأسهِ أو تُربَتِه.

• أو الحلف بالشَّرَفِ أو العرض.
• أو الحلف بالأمانةِ أو الذِّمَّةِ.


• أو الحلف بحياتي، وبالطلاق، وباليمين، وعيوني، وعليَّ الحرام، وشرفي، وشرف أُمِّي، وغير ذلك من الأيمان التي درجَتْ على ألسنةِ كثيرٍ من الناس.

 

فهذا كله من الشرك الأصغر، فإن اعتُقِدَ أن المحلوفَ به، أعظمُ من الله تعالى، أو مساوٍ له، فهذا شرك أكبر والعياذ بالله، وقد أرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن أخطأ وحلف بغير الله تعالى أن يقول: "لا إلهَ إلَّا اللهُ"، فهذه كفَّارته؛ فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن قال في حلفه: واللات والعُزَّى فَلْيَقُل: لا إلهَ إلَّا اللهُ»؛ (رواه البخاري).

الوقفة الثانية: في التحذير من كثرة الحلف ولو كان صادقًا:
• وهذه من الظواهر المنتشرة بين المسلمين، فلو أنك دخلت الأسواق، وأماكن التجمُّعات، أو مواضع ومواطن الجدال لسمعتَ الحلف بالله على كل صغيرة وكبيرة؛ بل وربما على الأمور التافهة والحقيرة، فترى كثيرًا ممن يشاهدون المباريات مثلًا يقول: والله هذا هدف، والآخر يقول: والله ليس بهدفٍ، وهكذا في سائر المعاملات اليومية.


• وهناك كثيرٌ من التجَّار ممَّن يَجْعَلُون الحَلِف بالله بضاعةً لهم، ويُكْثِرُون مِن استعماله في البيع والشراء، فيَمْتَهِنُون اسم الله تعالى، ويَجْعَلُونه وسيلةً لاكتساب المال؛ لا سيَّما مع انتشار الكذب في كثيرٍ من أسواق المسلمين، وانعدام الثقة بين الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


• بوَّبَ الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: "باب ما جاء في كثرة الحلف"؛ أي: من الوعيد الشديد، وعلاقة كثرة الحلف بالله تعالى بأبواب التوحيد؛ لأنه دليل على نقص تعظيم الله تعالى في القلوب؛ فإن كثرة الحلف تُفضي إلى أمرين: التساهُل والاستهانة باسم الله تعالى، والوقوع في الكذب.


• ويكفى زجرًا ووعيدًا في التحذير من كثرة الحلف ما رواه الطبراني بسند صحيح عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: أُشَيْمِطٌ زانٍ، وعائلٌ مُستكبِرٌ، ورجُلٌ جعَلَ اللهَ بِضاعتَه؛ لا يَشْتَري إلَّا بيَمينِه، ولا يَبِيعُ إلَّا بيَمينِه»، ثلاثةٌ لَمَّا عَظُمَ ذنْبُهم عَظُمَت عقوبتهم، فعُوقِبوا بهذه الثلاث التي هي من أعظم العقوبات.


• قوله: «لا يُكلِّمُهم اللهُ»؛ أي: إنه لا يُكلِّمهم تكليمَ الرِّضا، والله تبارك وتعالى يتَّصف بصفة الكلام، فهو يتكلَّم متى شاء وكيف شاء سبحانه وتعالى.


• قوله: «..ورجُلٌ جعَلَ اللهَ بِضاعتَه؛ لا يَشْتَري إلَّا بيَمينِه، ولا يَبِيعُ إلَّا بيَمينِه»؛ أي: يجعل الحَلفَ بالله هو المروِّج لسلعته، أو الجالب للسلعة، وليس الصدق والأمانة؛ لأن الإنسان يتأثر إذا حُلِفَ له بالله، وقد يشتري وهو لا يريد، أو يبيع وهو لا يريد.

 

فينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن كثرة الحلف؛ فقد جاء الأمر من الله تعالى بحفظ الأيمان إلا لحاجة؛ قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]، وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224].


• والذين يكثرون الحلف في البيع والشراء ممن يبغضهم الله تعالى؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربعةٌ يبغضُهم اللهُ تعالى: البيَّاعُ الحلَّافُ، والفقيرُ المختالُ، والشيخُ الزاني، والإمامُ الجائرُ»؛ (رواه النسائي والبزار وابن حبان، وصحَّحه الألباني).


• وكثرة الحلف ممحقة لبركة البيع، في الصحيحين عن أبي هريرة قال: سمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «الحلف منفقةٌ للسلعة ممحقةٌ للكسب» (ممحقة للبركة)، وفي رواية: ((إيَّاكُمْ وكثرةَ الحَلِف في البيع؛ فإنه يُنَفِّقٌ ثم يَمْحَقُ)).


فإن الذي يكثر الحلِف لا بُدَّ أن يأثم؛ لأنه يحنث؛ أي: يفعل الشيء الذي حلف ألَّا يفعله، وهذا إثم، وكثرة الحلف غالبًا تدُلُّ على أن الذي يحلف ويُكثِر من ذلك لم يُقدِّر اللهَ حَقَّ قدْرِه، ولم يُعظِّمْه حقَّ تعظيمه.


• وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه ممَّا يكون آخر الزمان كثرة الحلف، في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ».


• ولقد أوجب الله تعالى على مَن حُلِفَ له بالله أن يرضى بذلك إذا كان الحالفُ صادقًا، ففي الحديث الصحيح: «.. ومَن حُلِفَ له باللهِ فلْيَرْضَ، ومَن لم يَرْضَ باللهِ فليس مِنَ اللهِ»، قال الشَّوْكانيُّ: هذا أمْرٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرِّضا لِمَن حُلِف له باللهِ، ووَعيدٌ لِمَن لم يَرْضَ بأنَّه ليس مِنَ اللهِ.


• ولقد كان سلف هذه الأمَّة يُعظِّمون الأيمان والشهادات؛ بل ويُعلِّمون صغارهم ذلك؛ قال إبراهيم التيمي رحمه الله: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار.

 

الوقفة الثالثة: في التحذير من الحلف بالله كاذبًا؛ وهذا هو اليمين الغموس والعياذ بالله:
• وقد جاء الوعيد الشديد فيمن لا يتحرَّى الصدق فى بيعه وشرائه، فقد روى مسلم عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ، ولا ينظر إليهم، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: المسْبِل إزاره، والمنَّان، والمُنَفِّقُ سلعتَه بالحَلِف الكاذب»؛ يعني: المروِّج سلعته.


وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاثةٌ لا ينظُرُ اللهُ إليهم يومَ القيامة، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ؛ رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايَعَ إمامًا، لا يُبايعه إلَّا لدُنْيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يُعطِه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدَّقَه رجل»، ثم قرأ هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77].


• وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصِّنْف من التجار بالفجور؛ فعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ»؛ (أخرجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح)، وجاء في السُّنَّة الصحيحة ما يدلُّ على سبب وصف التجار بالفجور؛ وهو ما يتلبَّسُونَ به من الحلِف الكاذب وإخلاف الوعود، عن عبدالرحمن بن شبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ؟ قَالَ: «بَلَى، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ، وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ»؛ (رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة)، فيقعون في جريمتين: الحلف الذي ينفق السلعة، والكذب الذي يجعل الناس يقتنعون بصحة كلامهم عن هذه السلعة.


• وقد حثَّ الشرع على الصدق في البيع والشراء وسائر المعاملات، وأنه سبب للخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ»؛ (رواه الترمذي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».


نسأل الله العظيم أن يرزقنا الصِّدْقَ في الأقوال والأفعال.