معالم بناء المجتمع الصالح
معاشر المؤمنين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صِمام أمان الإصلاح والأمن الاجتماعي، وعنوان الخيرية والفلاح؛ بشهادة ربنا جل وعلا الذي قال في محكم كتابه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ...}
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، في وقت أحوج ما نكون لبناء معالم مستقبل مشرق وآمن لبلادنا بتوفيق الله وهدايته؛ لنتأمل عباد الله قول ربنا جل وعلا:
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج: 41].
إن أول معالم ذلك المجتمع الصالح هو اليقين بأن التمكين والولاية والسلطة إنما هي بتوفيق من الله تعالى؛ فهو القابض الباسط، وهو المعطي المانع، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، فإذا عُلم هذا، فعلى كل من تولى المسؤولية أن يدرك أنها موقع اختبار، وموطن ابتلاء وامتحان، وأنها أمانة ومسؤولية قبل أن تكون سلطةً ووجاهةً وتكسبًا، وأنه سيُسأل عنها أمام الله جل وعلا؛ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق: 9، 10]؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه، أحفِظ أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»؛ (ابن حبان في صحيحه).
لو شاع هذا الشعور بالمسؤولية - عباد الله - وارتقى كل مسؤول لمستوى الأمانة التي أُوكِلَتْ إليه، لوجد الإصلاح في بلادنا الأبوابَ له مشرعةً، والطرقَ له ممهدة.
قدِم الأحنف بن قيس على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وفد من العراق، في يوم صائف شديد الحر، وعمر محتجز بعباءة، يحاول إدراك بعير من إبل الصدقة شَرَدَ، فقال: "يا أحنف، ضَعْ ثيابك، وهلُمَّ فأعِنْ أمير المؤمنين على هذا البعير؛ فإنه من إبل الصدقة، فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة يكفيك هذا، قال عمر: ثكلتك أمك، وأي عبد هو أعبد مني ومن الأحنف؟".
معاشر المؤمنين، ومن معالم بناء المجتمع الصالح التي أشارت لها الآية: إقامة الصلاة؛ التي هي شعار لإقامة الدين، وتوقير الشريعة، وعنوان لرسوخ الإيمان، وقاعدة للصلاح والإصلاح، فمجتمع بغير توقير لأحكام الشرع وثوابت الدين، لا يُرتجى منه صلاح، وسلطة لا تعظم الشرع ولا تقيم أركانه، لا يتأمل منها فلاح ولا نجاح، وإن إضاعة الصلاة التي هي علامة على تضييع الدين وشرائعه، عنوان التردي والتخلف؛ قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].
ثم ثالث تلك المعالم - عباد الله - إيتاء الزكاة؛ شعار التكافل الاجتماعي والتضامن المجتمعي، وقاعدة التعاون والتوادِّ بين أفراد المجتمع ومكوناته؛ فبها تتزكى النفوس من الشح، الذي هو داء الأمم؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والشح؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا»؛ (صحيح أبي داود).
واليوم أحوج ما نكون إلى تعزيز الإخاء والتعاون الصادق بين مكونات المجتمع وسلطاته ومؤسساته، أما الاختلاف والتباغض والتفرق، فقد نهانا ربنا جل وعلا عنه؛ فقال سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
معاشر المؤمنين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صِمام أمان الإصلاح والأمن الاجتماعي، وعنوان الخيرية والفلاح؛ بشهادة ربنا جل وعلا الذي قال في محكم كتابه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].
وقد صوَّر النبي صلى الله عليه وسلم صورة المجتمع في تعامله مع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أجمل صورة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا»؛ (صحيح البخاري).
معاشر المؤمنين، إذا أدى الجميع واجب الإصلاح بإخلاص وحكمة، وكان للإصلاح آذان مصغية، وقلوب واعية، ونوايا صادقة، وعزائم راسخة لتحقيقه، ونبذ الفساد والمفسدين، فذلك إيذان بالرشاد والفلاح، وعلامة للتقدم والنجاح، ولنا في خطة الترشيد الاقتصادي لنبي الله يوسف عليه السلام خير شاهد على دور الإصلاح والمصلحين في رخاء المجتمعات، وتجاوز الأزمات، وكيف مكَّن له المَلِكُ السلطةَ لتحقيق خطته الاقتصادية وإصلاحاته، بعد أن استمع لتأويل رؤياه وأُعجب به: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: 50]، نعم - عباد الله - ما رضيَ عليه السلام أن يتولى المنصب والمسؤولية إلا بعد ثبوت براءته وإعلان طهارته، وهذا هو عنوان من يتولى المسؤولية والسلطة نظافة اليد، ونقاء السريرة، وطيب السيرة؛ قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116].
_______________________________________________________
الكاتب: يحيى سليمان العقيلي