احذروا التساهل بالدين

منذ 2022-10-29

احْرِصُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى أَدَاءِ حُقُوقِ الْآخَرِينَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَأَوْفُوا بِمَا عَاهَدْتُمُ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَلَا تَنْسَوْا فَضْلَ مَنْ أَقْرَضَكُمْ وَمَدَّ يَدَ الْعَوْنِ لَكُمْ، أَكْثِرُوا لَهُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَأَثْنُوا عَلَيْهِ بِطَيِّبِ الْكَلَامِ.

عِبَادَ اللَّهِ؛ في المجتمع فئة تَسَاهَلَتْ فِي أَمْوَالِ الْآخَرِينَ وحُقُوقِهِمْ، بَلْ لَرُبَّمَا وَصَلَ الْأَمْرُ عِنْدَ البَعْضِ أَنْ يَسْتَدِينَ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى عَدَمِ السَّدَادِ وَالْوَفَاءِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْدُقَ مَعَ الْآخَرِينَ، وَيَرُدَّ مَا أَخَذَ كَمَا وَعَدَ، وَأَنْ يَحْذَرَ مِنَ الْمُمَاطَلَةِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ؛ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّاهَا اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا، أَتْلَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ».

 

فَيَا مَنِ اسْتَدَنْتَ وَأَخَذْتَ أَمْوَالَ النَّاسِ، أَدِّ مَا فِي ذِمَّتِكَ مِنْ مَالٍ، وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا قَدْ تَرَاهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَإِنَّ مِيزَانَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُحْصِي مَثَاقِيلَ الذَّرِّ، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنَّمَا هِيَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَاعْلَمْ أَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَقَطْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا إِلَى أَهْلِهَا، وَأَنْتَ مَسْؤُولٌ عَنْ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَلَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا.

 

أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ؛ الدَّيْنُ أَمْرُهُ عَظِيمٌ، وَقَدْ شَدَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِ الدَّيْنِ، وَحَثَّ أُمَّتَهُ عَلَى الْإِسْرَاعِ فِي أَدَائِهِ، فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ» ؟! فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟! فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ»، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ»، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرَ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ».

 

عِبَادَ اللَّهِ؛ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى الدَّيْنِ لِأَمْرٍ مُهِمٍّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ مَا يَلِي: أَوَّلًا: عَلَى الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ أَنْ يَكْتُبَا مَا تَمَّ بَيْنَهُمَا مِنْ قَرْضٍ، وَأَنْ يُحَدِّدَا الْأَجَلَ وَكَيْفِيَّةَ السَّدَادِ؛ وَذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، وَلَا يَتَحَرَّجُ أَحَدٌ مِنْ كِتَابَةِ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا قَلِيلًا؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة: 282]،وَالْحِكْمَةُ مِنْ ذَلِكَ تَوْثِيقُ الْحُقُوقِ حَتَّى لَا تَكُونَ عُرْضَةً لِلضَّيَاعِ، وَحَتَّى لَا يَقَعَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ لِكَثْرَةِ النِّسْيَانِ وَاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ.

 

ثَانِيًا: يَنْبَغِي الْإِشْهَادُ عَلَى الدَّيْنِ، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لِقَوْلِ الْحَقِّ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282].

 

ثَالِثًا: مَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ فِي حِينِهِ، فَلْيَسْتَأْذِنْ مَنِ اسْتَدَانَ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ لِخَاطِرِهِ وَأَهْنَأُ لِبَالِهِ، وَيَنْبَغِي أَلَّا يَبِيتَ أَحَدٌ مِنَّا وَفِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، إِلَّا كَتَبَهُ فِي وَصِيَّتِهِ؛ لِقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ».

 

فَاحْرِصُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى أَدَاءِ حُقُوقِ الْآخَرِينَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَأَوْفُوا بِمَا عَاهَدْتُمُ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَلَا تَنْسَوْا فَضْلَ مَنْ أَقْرَضَكُمْ وَمَدَّ يَدَ الْعَوْنِ لَكُمْ، أَكْثِرُوا لَهُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَأَثْنُوا عَلَيْهِ بِطَيِّبِ الْكَلَامِ. وَاسْأَلُوا اللَّهَ دَوْمًا أَنْ يُغْنِيَكُمْ عَمَّنْ أَغْنَاهُ عَنْكُمْ......

أما بعد: فعِبَادَ اللَّهِ، إن في قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ، وَاحْتِسَابِ الْأَجْرِ فِي إِقْرَاضِهِمْ، وَالتَّيْسيْرِ عَلَى الْمُعْسِرِ وَإِنْظَارِهِ، فضل وأجر عظيم قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُظِلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ فَلْيُنْظِرْ مُعْسِرًا، أَوْ لِيَضَعْ عَنْهُ».

 

وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»،قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ»،قُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»،ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ»، قَالَ لَهُ: «بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ».

__________________________________________________________

الكاتب: خالد سعد الشهري