تحقيق الإسلام لأمن المجتمع
أن الله عز وجل ألقى الرعب في قلوب الكافرين بشركهم وجعل الأمن والسكينة في قلوب المؤمنين بتوحيدهم! وبهذا نصل إلى الحقيقة الكبرى التي تقول: "التوحيد مصدر الأمن، والشرك مصدر الخوف"
الحمد لله وحده، وصلاة وسلامًا على رسوله المصطفى، وخليله المجتبى وبعد:
فإن الأمن والرزق نعمتان من أكبر نعم الله على عباده المؤمنين الموحدين، ولذلك اقترن كل منهما بالآخر في كتاب الله.
ففي دعاء إبراهيم عليه السلام {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126] وفى دعائه الآخر {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] ومن هذا نتبين أن هناك ثلاثة محاور أو ركائز تقوم عليها حياة الإنسان كلها!
الركيزة الأولى: التوحيد {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}.
الركيزة الثانية: الأمن {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا}.
الركيزة الثالثة: الطعام {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}.
فإذا تدبرت هذه الركائز الثلاث ستجد أنها مصدر الحياة السعيدة المستقرة الآمنة التى يسعى لتحصيلها كل البشر مؤمنهم وكافرهم!!
لكن: ما هى العلاقة بين هذه المحاور؟؟ القرآن الكريم يعطيك الجواب، ويسوق البيان في هذه النماذج التى ذكرها لتكون عبرة لأولى الألباب:
ففي الحوار الذي دار بين إبراهيم عليه السلام وقومه يبدو لنا في وضوح وجلاء العلاقة القوية بين التوحيد والأمن فهو عليه السلام يقول لقومه: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؟ [الأنعام: 81].
ويأتي الجواب القاطع:
{الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
وهذه هي الحقيقة الأولى: "التوحيد مصدر الأمن" وكل مجتمع بشري لا يمكنه أن يصل إلى تحقيق أمنه حاكمًا ومحكومًا، أفرادًا وجماعات إلا من هذا الطريق!! والتوحيد إفراد الله بالعبادة..
والعبادة الصحيحة الخالصة طريقها الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
وعندما امتن الله على قريش، ودعاهم إلى توحيده، فإنه سبحانه وتعالى قال لهم ولنا معهم: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3-4].
فالله عز وجل أطعمهم من الجوع، وأمنهم من الخوف، وأمرهم بعبادته. فإن لم يفعلوا نزع منهم نعمة الطعام فجوعهم!! ونزع منهم نعمة الأمن فخوفهم!!.
وليس هذا خاصًا بقريش، بل هو سنة من سنن الله الكونية التى نبه عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
وحتى لا يغفل المسلمون عن هذه السنة الكونية، فإن الله قد ذكرها لنا واقعًا نراه!! وتطبيقًا نعيشه، وننظر فيه فيما حكاه القرآن عن سبأ!! ولو أن المسلمين أمعنوا النظر في هذه القصة لاستقاموا على الطريقة! وعادوا إلى الله من قريب. تدبر هذه الآيات:
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ ﴾ وسع الله لهم الرزق فقال: {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} وهو ما يسمى "الأمن الغذائ " ! وأمرهم بعبادته {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}.
فلما أعرضوا سلب الله منهم الأمن {لآفَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} وحرمهم رغد العيش {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ}.
وجعلهم الله أحاديث! ومزقهم كل ممزق!! إن الله قد فعل بهم ذلك جزاء كفرهم وجحودهم {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} ثم نبهنا إلى حقيقة هامة حتى لا نغفل عنها {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}؟!! ( [سبأ: 15-17] ).
وفى القرآن الكريم يبين الله سبحانه وتعالى عظيم نعمته على قريش في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67].
أى أن الله جعلهم في أمن وأمان، والأعراب من حولهم يقتل بعضهم بعضًا، وينهب بعضهم بعضًا، ومع هذه النعمة العظيمة قال كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57].
وهنا نحتاج إلى تدبر عميق لهذه السنة الكونية؟ فإن كفار قريش قد مكن الله لهم حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء، فلما عاندوا وأعرضوا وجحدوا وكذبوا أذاقهم الله الخزي والذل، وأبدلهم من بعد أمنهم خوفًا، وملأ قلوبهم رعبًا !! كما قال: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [آل عمران: 151].
فبين أن هذا الرعب سببه الشرك بالله !! وأما المؤمنون الموحدون فقد كانوا في مبدأ أمرهم خائفين بمكة فأبدلهم الله بعد خوفهم أمنًا، وبعد ذلهم عزًا !! وقال لهم: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123].
وذكرهم بنعمة الأمن بعد الخوف في قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].
وبهذه المقارنة يتبين لنا: أن الله عز وجل ألقى الرعب في قلوب الكافرين بشركهم وجعل الأمن والسكينة في قلوب المؤمنين بتوحيدهم ! وبهذا نصل إلى الحقيقة الكبرى التي تقول: "التوحيد مصدر الأمن، والشرك مصدر الخوف" وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
صفوت الشوادفي
كان رحمه الله نائب رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية ورئيس تحرير مجلة التوحيد
- التصنيف: