مستقبل الإسلام في الغرب

منذ 2022-11-29

ليس مِن العجيب أن تطلع شمسُ الإسلام من الغرب، فإنَّنا نشاهد الكثيرَ منَ الأوروبيِّين الذين يعتنقون الإسلامَ كلَّ يوم

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿  {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}  ﴾ [النصر: 1 - 3].

 

لقدْ نشأتْ حركةُ المهاجرين واللاجئين والعمالة المهاجِرة والمنفيين من جميعِ أنحاء العالَم الإسلامي قاصدين الأُمم الغربيَّة بعدَ الحرْب العالميَّة الثانية، إضافةً إلى العدد الكبيرِ من الأوروبيِّين والأمريكيِّين الذي يَدخُلون الإسلام، كل هؤلاء غيَّروا العَلاقة القديمة بيْن "الإسلام" و"الغرب"، وأنشؤوا علاقةً جديدة فعَّالة، "الإسلام والمسلِمون ليسوا محصورين فقط هناك، أو محصورين في أيِّ مكان آخر، فقد أصْبحوا جزءًا لا يتجزَّأ من الغرْب، لم يكنِ الإسلام في مطلعِ القرن الحادي والعشرين فقط هو ثانيَ أكبرِ الدِّيانات في العالَم، وإنما أصبح أيضًا ثاني أو ثالث أكبر الدِّيانات في أوروبا وأمريكا الشمالية.

 

إنَّ المسلمين في الغرْب يستحقُّون المساندةَ العاطفيَّة من الأمَّة المسلِمة جمعاء، وهؤلاء الذين يشعرون بالقلقِ تُجاهَ مسلِمي الغرْب يجب أن يفهموا أنَّهم لن يفعلوا إلا ما يَضرُّهم، لو كانتْ دوافعهم تسير نحوَ دفْع المسلمين في الغرْب إلى العيش في بُقْعة معيَّنة من الكُرة الأرضيَّة.

 

وأدلُّ مثال لدَيْنا على ذلك: أئمَّة القَرْية الذين جاؤُوا مِن باكستان وبنجلادش إلى المجتمعاتِ البِريطانية، فهم لم يُقدِّموا أيَّ مساعدة من أجلِ اتِّحاد المسلمين، الإسلام الذي يُقدِّمونه لمَن يُريد أن يتعرَّفَ على الإسلام ليس هو العقيدةَ الإسلامية التي يَعرِفها ويمارسها المسلمون في الغرْب.

 

يجب على كلِّ شخص ألاَّ يخوضَ في مِثل هذه القضايا، إلا إذا كان قادرًا على تبنِّي وجهة نظر إيمانيَّة سمْحة وواسعة جدًّا، أو إلا إذا كان على درايةٍ ببعض التجاوُزات الشرعيَّة؛ نتيجةَ صعوبة اتِّباع الشريعة كليًّا في مِثل هذا المجتمع الغريب، إنَّ ما نحتاجه حقًّا هو الوَحْدَة بين الجاليات الإسلامية مِن المهاجرين المختلفين، والوحدة أيضًا بين ذَراريهم.

 

إنَّ الشيءَ الأساسي الذي غلَب على اهتمامِ المسلمين في الغرب هو الاتفاقُ على الاختلاف، ليس مِن المعقول أن نتوقَّع أن تمارسَ جمهرةُ المسلمين في أوروبا وفي الغرب الإسلامَ كما يُطبَّق في بلدِهم الأصلي تمامًا، والإصرار على ذلك يعدُّ طريقًا أكيدًا لطردِ الشباب إلى البرية. (المصدر: المسلمون في الغرب، كتَبه: تشارلز جي إيتون (حسان عبد الحكيم).

 

أمَّا عن مستقبلِ الإسلام في الغرْب، فهي قضيةٌ اختَلف حولَها العلماءُ المسلمون، فالكثرةُ تعتقد أنَّ شمس الإسلام ستبزُغ من الغرْب، وأنَّ العالَم الغربي سيعتنق الإسلام، لكن هناك طائفة أخرى لا تتَّفق مع هذا الرأي، فتعتقد أنَّ الغرب عاشَ الحياة العلمانية، وسيظلُّ يعيش هذه الحياةَ، وأنَّ الإسلام لن يستطيعَ التغلبَ على العقبات التي تُوضَع في طريقه.

 

يقول د. الفاروقي - أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكيَّة: "إنَّ أعظم انتصار إسلامي سيكون فتْحَ أمريكا عن طريقِ اعتناق شعبِها للإسلام، ولكن هل هذا مُمكن؟ هل ستصبح أمريكا المنغمِسة في عالَم الماديات دولةً إسلامية؟

 

إنَّنا نرجو اليومَ الذي نرى فيه الكثيرَ والكثيرَ من الغربيِّين الذين يدخُلون دِينَ الإسلام.

 

يقول د. الفاروقي: إنَّ أمريكا ستُصبح بالتأكيدِ يومًا ما مسلمة؛ لأنَّ فشل المسيحية والرأسمالية قد يؤدِّي إلى تحقيقِ هذه الغاية، إنَّ الغرب سيبحَثُ - على حدِّ قوله - عن بديل آخَر لطريقة الحياة التي يعيشونها.

 

يُمكن أيضًا أن ننظرَ بعين الاعتبار إلى العلماءِ الغربيِّين الذين يعتنقون الإسلامَ، ويقدمونه إلى الغرْب، فها هو الدكتور مراد هوفمان - السفير الألماني السابق لدَى المغرِب - كتَب كتابًا وأسماه "الإسلام هو الحل"، كتب يقول: "أعتقدُ أنَّ حركة الصحوة الإسلاميَّة ستأتي مِن أوروبا في القرن الحادي والعشرين"، أيضًا الفيلسوف الفَرَنسي روجيه جارودي اعتَنَق الإسلام، وقد أصيبتْ أوروبا يومَها بصدمةٍ كبيرة؛ لأنَّ المفكر الشيوعي والمادي اعتنَق الإسلام.

 

أما الدكتور كمال عبدالحميد النمر - أستاذ آخر في الأكاديمية السعودية بواشنطن - فيختلِف مع الدكتور الفاروقي، ويقول: "لقد أخطأ كلُّ مَن يحلُم بأنْ تُشرق شمسُ الدولة الإسلامية من أمريكا؛ لأن الحرية الدِّينيَّة التي تُمارَس في أمريكا، والتي منعوا منها في أوطانهم تقودهم إلى الضَّلال، فبُزوغُ الإسلام من أمريكا ما هو إلا مجرَّد حُلمٍ جميل"، كما أنَّه يقول: مِن المستحيل أن تُؤسَّس الدولة الإسلامية في مِثل هذا المجتمع الأناني والمادي بدرجةٍ كبيرة جدًّا.

 

وأضاف أنَّ الغرْب سيبقَى كما هو عليه - عدوَّ الإسلام - والذي دفعَه إلى هذا الاستنتاج هو ما أصبح عليه الغرْبُ الآن مِن ضياع للأخلاق، وكُفْر بالله، ورفْض للإيمان، وهي ملامحُ بارزةٌ في الغرب، كما يرى الدكتور مراد: أنَّ تأثيرَ الحضارة الغربية والكم الهائل مِنَ المفاهيم الخاطئة عن الإسلام ستكون عائقًا في سبيل تلبية دعوة الإسلام.

 

لكن على أيِّ حال يجب أن نتفاءَل، وننظر إلى عددِ الأشخاص الذين يدخُلون كلَّ يوم في الإسلام مِنَ الدول الغربية، كما يجب أنْ نثقَ بالله - سبحانه وتعالى - فهو لا يَخذل عبادَه، أو يتركهم دون مساعدةٍ، شريطةَ أن يَبذُلوا جهدًا مُتواضعًا يُؤهِّلهم لنَيلِ هذه المساعَدة - إنْ شاء الله.

♦♦♦♦

 

• تعليق المترجم:

إنَّ قضيةَ مُستقبل الإسلام في الغرْب قضيةٌ تَحكُمها سُننُ الله الكونيَّة، التي يَحكُم بها هذا العالَم، وليس مِن العجيب أن تطلع شمسُ الإسلام من الغرب، فإنَّنا نشاهد الكثيرَ منَ الأوروبيِّين الذين يعتنقون الإسلامَ كلَّ يوم، وهم في الحقيقة يكونون أشدَّ التزامًا وأكثرَ تديُّنًا مِن غيرهم، حتى إنَّ بعضهم قد يسأل في أقلِّ الأمور: أَفَعَلَ النبيُّ محمد - صلى الله عليه وسلم - كذا أم لا؟ فإنْ كان فعَل اتَّبعه، وإلا ترَك هذا الأمر، ولو كان فيه رغبتُه، وهذا - على حدِّ تَجرِبتي - حالُ الكثير منهم.

 

أمَّا عنِ الفساد المستشري في الغرْب، فلن يكونَ - إنْ شاء الله - عائقًا في سبيلِ هذا الدِّين، والدليل على ذلك هو حالُ هذه الأمَّة زَمنَ بعثة نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فقد كان المسلِمون في مَكَّةَ قِلةً مستضعفة، والمشرِكون هم أصحاب الحَوْل والطَّوْل، والجاه والسلطان، فكان القرآن الكريم ينزل ليضعَ الموازين الحقيقيَّة للقُوى والقِيَم؛ ليُقرِّر أنَّ هناك قوةً واحدةً في هذا الوجود، هي قوة الله، وأنَّ هناك قيمةً واحدة في هذا الكون، هي قيمة الإيمان، فمن كانتْ قوة الله معه فلا خوفَ عليه، ولو كان مجرَّدًا من كلِّ مظاهر القوة، ومَن كانتْ قوَّة الله عليه فلا أمْنَ له ولا طُمأنينة، ولو ساندتْه جميعُ القُوى، ومن كانتْ له قيمة الإيمان فله الخيرُ كلُّه، ومَن فقَدَ هذه القيمةَ فليس بنافعِه شيءٌ أصلاً، بل هذه السُّنَّة كائنةٌ منذ خَلَق اللهُ الخَلْقَ.

 

فهذا فرعون رغمَ جبروته وقوته وطغيانه، رغمَ تذبيح الأبناء وتقتيل النِّساء، لم يستطعِ الوقوفَ في وجه طِفل صغير لا يملك لنفسِه حولاً ولا قُوَّة، فيُربَّى في حجْرِه، فيَخرُج نورُ التوحيد من بيته! وهي هي السُّنة التي أعادتْ نفسها يومَ أن تربَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في بيت عمِّه أبي طالب، وهو على كُفْر، ثم يعود ليقول لكبراءِ المشركين: «ما تظنُّون أني فاعل بكم؟... اذهبوا أنتم الطلقاء».

______________________________________

ترجمة: جمعة مهدي فتح الله