لا تسبن أحدًا

منذ 2022-12-10

إنَّ مِن خُلُق المسلم العفو والصفح، فإن الله تعالى يحب العافين عن الناس ويثيبهم على ذلك، والإعراض عن الجاهل هو الخير وهو المصلحة والمنفعة.

جاء في الحديث عن جابر بن سليم رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اعهَد إليَّ، قالَ: «لا تَسبَّنَّ أحدًا» قال جابرٌ: "فما سبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا ولا عبدًا، ولا بعيرًا ولا شاةً"، وجاء في الحديث: «وإنِ امرؤٌ شتمَكَ وعيَّرَكَ بما يعلَمُ فيكَ، فلا تعيِّرهُ بما تعلَمُ فيهِ، فإنَّما وبالُ ذلِكَ علَيهِ»؛ (رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي).

 

قوله: "اعْهَدْ إليَّ"؛ أي: أَوْصِ إليَّ بوصيَّةٍ أَعْمَلُ بها.

 

فهذا الصحابي الجليل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعهد إليه ويوصيه، فعهد إليه بهذا الأمر العظيم، وهو ألا يسبَّ أحدًا؛ لا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا ذكرًا ولا أنثى، ولا قريبًا ولا بعيدًا؛ فإن المؤمن خلقه سلامة اللسان؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ»؛ (رواه الترمذي) ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السب فقال: «سبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقِتالُه كُفْرٌ»؛ (متفق عليه).

 

والإساءة لا تُقابَل بالإساءة، وإن كان يستحق المماثلة، فإن عاقبة ذلك عليه يوم القيامة، وقد يعجل بعضه في الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «وإنِ امرؤٌ شتمَكَ وعيَّرَكَ بما يعلَمُ فيكَ، فلا تعيِّرهُ بما تعلَمُ فيهِ، فإنَّما وبالُ ذلِكَ علَيهِ».

 

إنَّ مِن خُلُق المسلم العفو والصفح، فإن الله تعالى يحب العافين عن الناس ويثيبهم على ذلك، والإعراض عن الجاهل هو الخير وهو المصلحة والمنفعة؛ كما قال تعالى في صفات عباد الرحمن: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]، وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

 

وخُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق، قالت عائشة رضي الله عنها: "لم يكن فاحشًا ولا مُتَفَحِّشًا ولا صَخَّابًا في الأسواقِ، ولا يَجْزِي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يَعْفُو ويَصْفَحُ"؛ (رواه الترمذي) ، وسيرته الشريفة ترجمت ذلك واقعًا عمليًّا في مواقف عظيمة وعديدة منها ما رواه البخاري: "أنَّ اليَهُودَ أتَوُا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقالوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: «وعلَيْكُم»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ علَيْكُم، ولَعَنَكُمُ اللَّهُ وغَضِبَ علَيْكُم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بالرِّفْقِ، وإيَّاكِ والعُنْفَ، أوِ الفُحْشَ»، قَالَتْ: أوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟ قَالَ: «أوَلَمْ تَسْمَعِي ما قُلتُ؟ رَدَدْتُ عليهم، فيُسْتَجَابُ لي فيهم، ولَا يُسْتَجَابُ لهمْ فِيَّ».

 

فانظر إلى هذا الخُلُق العظيم والهدي النبوي القويم، فليس الأمر بالمسابَّة والمشاتمة؛ بل بالرِّفْق وعدم العنف، وقد قال صلى الله عليه وسلم في خُلُق الصائم: «فإنِ امرؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَه، فلْيَقُل: إنِّي صائِمٌ» ))؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

والصحابة رضي الله عنهم استجابوا للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يرشدهم إليه، فجابر بن سليم رضي الله عنه يقول: "فما سبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا ولا عبدًا، ولا بعيرًا ولا شاةً"، إشعارًا منه بامتثالِه وصيَّةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه كمال الاقتداء والتأسِّي، فما سبَّ أحدًا بعده حتى البهائم تسلم منه ومن لسانه.

 

وذكر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يملك نفسه ويضبطها عند خطأ خادمه وعبيده، وكان لا يلعن شيئًا، قيل: إنه مرة واحدة في عمره لعن خادمًا فأعتقه، وقيل: إن هذه المرة قال فيها: اللهم الع.. فلم يتمَّها، وقال: ما أحب أن أقول هذه الكلمة.

 

إن بعض الناس يستسهل سَبَّ ولده وخادمه إذا أخطأ في أي أمر يقع، وتجد لسانه قد تعوَّد على السَّبِّ واللعن، قال صلى الله عليه وسلم: «لَعْنُ المؤمنِ كقَتْلِه».

 

ومن فحش القول تعميم السَّبِّ ففي الحديث: "إنَّ أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلًا فهجا القبيلة بأسرها"؛ رواه ابن ماجه.

 

معشر الشباب، إن نبيَّكم صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ مِن أكبر الكبائر أن يلعن الرجلُ والدَيه»، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والدَيه؟ قال: «يسبُّ الرجل أبا الرجلِ، فيسب أباه، ويسب أُمَّه»؛ (رواه البخاري).

 

فاتقوا الله عباد الله وتأسَّوا بنبيِّكم صلى الله عليه وسلم في عِفَّة اللسان، وسلامة المنطق، فلا تَشْتموا أحدًا، وقولوا للناس حسنًا، واحْفَظُوا ألسنتكم عن أذى الآخرين.

 

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أن السباب معصية، وليس من صفات المؤمنين، فاجتنبوه، واحفظوا ألسنتكم من السوء، فإن من أكثر من شيء عُرِف به، وليس بين المرء والشر إلا الخطوة الأولى، والانحدار يسير وهين؛ ولكن الصعود صعب شديد، وحسبنا أن نجتهد في إصلاح أنفسنا ومَنْ تحت ولايتنا، وعلى الله التوكُّل وهو الهادي إلى سواء الصراط.

 

واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صَلِّ وسَلِّم على النبي المصطفى المختار، وصَلِّ على الآل الأطهار، وصَلِّ على المهاجرين والأنصار وجميع الصَّحْب الأخيار.

محمد بن إبراهيم السبر

إمام وخطيب جامع الأميرة موضي بنت أحمد السديري بالعريجاء من عام 1418هـ ، والمدير التنفيذي المكلف لمكتب الدعوة وتوعية الجاليات بالبديعة بالرياض، والمتحدث الرسمي لفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض