خمس طرق لمواجهة العدو الأول

منذ 2022-12-18

هذا المخلوق "الشيطان" منسيٌّ عند أغلب المسلمين، رغم أنه العدوُّ الأول للإنسان، وهو ملازم له منذ ولادته

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي أُنزِل عليه القرآن العظيم، وأُمِرنا أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند تلاوته، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}  [النحل: 98].

 

فهذا المخلوق "الشيطان" منسيٌّ عند أغلب المسلمين، رغم أنه العدوُّ الأول للإنسان، وهو ملازم له منذ ولادته، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما مِن بني آدم مولود إلَّا يمسُّه الشيطانُ حين يُولَد، فيستهل صارِخًا من مسِّ الشيطان، غير مريم وابنها»؛ (صحيح مسلم: 2366).

 

وتُطلَق كلمة الشيطان على المفسدين، سواء من الجن أو الإنس بدليل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}  [الأنعام: 112]، وهؤلاء الشياطين كما أنهم أعداء للأنبياء كذلك أعداء للإنسان بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}  [الإسراء: 53]، وقد صرَّح الله عز وجل بأن الشياطين أعداء للإنسان في كثير من الآيات، ومن آثار هذا العداوة:

قتل هابيل أخاه، قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}  [المائدة: 30]، ورمى إخوة يوسف عليه السلام أخاهم في البئر بسبب نزغ الشيطان بينهم كما ذكر في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}  [يوسف: 100]، وقتل موسى القبطي، قال تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}  [القصص: 15]، وقبل هؤلاء جميعًا وسوسته لأبينا آدم وأُمِّنا حواء عليهما السلام؛ ممَّا أدَّى إلى خروجهم من الجنة، قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}  [البقرة: 36].

 

بِناءً على ذلك لا بُدَّ للإنسان المسلم أن يعرف الطُّرُق التي يواجه بها هذا العدوَّ، وهي كالتالي:

 

الطريقة الأولى:

الابتعاد عن خطوات الشيطان، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}  [النور: 21]، فإن من يتَّبع خطوات الشيطان لا يَلبث أن يُصبحَ شيطانًا، يأمر بالفحشاء والمنكر، ويقع في الذنوب والمعاصي؛ لذلك على الإنسان أن يبتعد عن كل عمل يؤدي إلى سيئة، ولا يستهين بأي معصية أو يستصغرها؛ لأن ذلك من خطوات الشيطان؛ إذ للشيطان منهج في التعامل مع الإنسان؛ حيث لا يبدأ مباشرة بالمعصية الكبيرة، فالفطرة السليمة لا تتقبلها؛ بل يبدأ بصغائر الأمور حتى يوصله للكبائر.

 

الطريقة الثانية:

الاستعاذة بالله من الشيطان دائمًا، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}  [الأعراف: 200]، وأيضًا قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}  [المؤمنون: 97]، فأمر تعالى أن تدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به؛ ولله المثل الأعلى، فلا يُستعاذ من الكلاب إلا برَبِّ الكلاب.

 

وقد حُكِي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوَّل لك الخطايا؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغَنَمٍ فنبحك كلبُها ومنعك من العبور، ما تصنع؟ قال: أكابده وأردُّه جهدي، قال: هذا يطول عليك؛ ولكن استغِثْ بصاحب الغَنَم يكفَّه عنك.

 

بِناءً على ذلك يجب على الإنسان أن يدعو في قنوته وسجوده وفي جميع أوقات الاستجابة ويقول: ربِّي أعوذُ بك من همزات الشياطين، وأيضًا على الوالدين أن يقولوا كل يوم: اللهُمَّ أعِذْ أبناءنا من الشيطان الرجيم، ولنا خير مثال أُمُّ مريم عليها السلام أثناء ولادتها بمريم قالت: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}  [آل عمران: 36].

 

الطريقة الثالثة:

اتخاذ الشيطان عدوًّا بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}  [فاطر: 6]؛ لذا كان واجبًا على الإنسان أن يجعل الشيطان عدوًّا له، فيُكثِر من الطاعات، قال قتادة: "فإنه لحَقٌّ على كل مسلم عداوته، وعداوته أن يُعاديَه بطاعة الله".

 

الطريقة الرابعة:

السعي للوصول إلى التقوى، فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}  [الأعراف: 201]، قال مجاهد: هو الرجل يهمُّ بالذنب فيذكر الله فيدعه، فالمتقي إذا هَمَّ أن يقع في ذنب أو وقع في الذنب تذكَّر الله فأبصر واستغفر، وتاب توبةً نصوحًا، واستكثر من الحسنات، فردَّ شيطانه خاسئًا حسيرًا.

 

الطريقة الخامسة:

الإكثار من ذكر الله عزوجل؛ لأن الله عز وجل قال: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}  [الزخرف: 36]، فالذي يبتعد عن ذكر الله يعيش معه الشيطان كما وصف ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث التي منها «إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء، وإذا دخل، فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء»؛ (رواه مسلم: 2018).

 

فالإكثار من ذكر الله يحفظ الإنسان من الشيطان ويحميه، ومن طُرُق ذكر الله أذكار الصباح والمساء، والنوم، وبعد الصلوات، والدخول والخروج من المنزل، وركوب السيارة، واللباس، والطعام...إلخ.

 

في الختام: ننوِّه أن هذا العدوَّ صراعه مع الإنسان مستمرٌّ، ولن ينتهي إلا بعد الموت؛ مما يجب عليك أيها الإنسان مواجهة عدوِّك الأول بالطرق السابقة حتى ينجيك الله منه.

 

______________________________________________________

المراجع:

1- صحيح مسلم.

 

2- الجزائري، جابر (1424)، أيسر التفاسير للجزائري (ومعه حاشية نهر الخير)، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، مكتبة العلوم والحكم.

 

3- القرطبي، محمد، (1384) الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، ط2، القاهرة، دار الكتب المصرية.

 

4- البغوي، محمد (1417) معالم التنزيل في تفسير القرآن، المحقق: حققه وخرج أحاديثه محمد عبدالله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش، ط4، دار طيبة للنشر والتوزيع.

 

5- الطبري، محمد (1422)، تفسير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: د عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ط1، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان.

 

6- السعدي، عبدالرحمن (1438)، تفسير السعدي، صيدا، بيروت، المكتبة العصرية.