حكم مشاركة النصارى في أعيادهم

منذ 2023-01-07

ما حكم مشاركة النصارى في أعيادهم؟ وما حكم تهنئتهم بها أو الإهداء إليهم أو التعطيل (الأجازات) في مناسباتهم...؟

ما حكم مشاركة النصارى في أعيادهم؟ وما حكم تهنئتهم بها أو الإهداء إليهم أو التعطيل (الأجازات) في مناسباتهم...؟
لقد وردت أدلة ودلائل تشير إلى عدم مشاركة النصارى في أعيادهم بأي نوع من أنواع المشاركة، فمن ذلك(1).
أولاً: قال الله تعالى:
{والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً} [الفرقان:72].
قال التابعي محمد بن سيرين في قوله: 
{والذين لا يشهدون الزور}.
قال: ((هو الشَّعاَّنين))(2). وقال مجاهد: ((هو أعياد المشركين)).وقال الربيع بن أنس((أعياد المشركين))، وقال الضحاك: (هو عيد المشركين). وقال عكرمة: (وهو لعب كان لهم في الجاهلية). وقال عمرو بن مرة: (لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم).


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد هذه الأقوال: [وقول: هؤلاء التابعين أنه ((أي الزور)) أعياد الكفار ليس مخالفاً لقول بعضهم: إنه الشرك أو صنم كان في الجاهلية. وقول بعضم إنه مجالس الخنا. وقول بعضهم: إنه الغناء. لأن عادة السلف في تفسيرهم هكذا، يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع إليه، أو لينبّه به على الجنس. كما لو قال العجمي: ما الخبز؟ فيعطى رغيفاً ويقال له: هذا. بالإشارة إلى الجنس، لا إلى عين الرغيف.

لكن قد قال قوم: إن المراد شهادة الزور التي هي الكذب. وهذا فيه نظر، فإنه تعالى قال: { {لا يشهدون الزور} ولم يقل: لا يشهدون بالزور. والعرب تقول: شهدت كذا إذا حضرته، كقول ابن عباس: (شهد العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقول عمر (الغنيمة لمن شهد الوقعة). وهذا كثير في كلامهم. وأما: شهدت بكذا، فمعناه: أخبرت به.


وهكذا سمى الله تعالى أعيادهم زوراً، ونهى عباد الرحمن عن حضوره وشهوده، فإذا كان حضور أعيادهم ومشاهدتها لا تنبغي فكيف بمشاركتهم فيها والموافقة عليها] أ.هـ كلامه.

ثانيا: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: «ما هذان اليومان» ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» (رواه أبو داود وصححه الألباني).


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلاَّ تركهم يلعبون فيها على العادة. بل قال: إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين. والإبدال من الشىء يقتضي تركَ المبدل منه. إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه ].


ثم قال رحمه الله: [وأيضا فإن ذينيك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عهد خلفائه. ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما، ونحوه مما كانوا يفعلونه لكانوا قد بقوا على العادة. فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكانت باقية ولو على وجه ضعيف. فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتاً، وكل ما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم منعاً قوياً كان محرماً إذ لا يعني بالمحرم إلا هذا ].


ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلة التي لا نقرهم عليها. فإن الأمة قد حُذّروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أنه سيفعل قوم منهم هذا المحذور. بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، عند اخترام أنفس المؤمنين عموماً، ولو لم يكن أشد منه، فإنه مثله على مالا يخفى إذ الشر الذي له فاعل موجود: يخاف على الناس أكثر من شر لا مقتضى له قوي]. أ.هـ كلامه.

ثالثا: عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ينحر إبلاً ببوانة(3) فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت، أن أنحر إبلاً ببوانة؟ فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد»؟ قالوا: لا ، قال: «فهل كان فيها عيد من أعيادهم»؟
قالوا: لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أَوْفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم». (رواه أبو داود.. وصححه الألباني).
 

قال ابن تيمية: [أصل هذا الحديث في الصحيحين، وهذا الإسناد على شرط الصحيحين وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة].
فوجه الدلالة في الحديث كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً، وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيداً بل يذبح فيه فقط (علماً بأن العيد لم يكن موجوداً وقت السؤال). فقد ظهر أن ذلك سد للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح هناك سبباً لإحياء أمر تلك البقعة ، وذريعة إلى اتخاذها عيداً مع أن ذلك العيد إنما كان يكون – والله أعلم – سُوقاً يتبايعون فيها ويلعبون ، كما قالت له الأنصار: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية.

لم تكن فيه أعياد الجاهلة عبادة لهم، ولهذا فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين كونها مكان وثنٍ، وكونها مكان عيد]. ثم قال رحمه الله: [وإذا كان الشارع قد حسم مادة أعياد أهل الأوثان خشية أن يتدنس المسلم بشيء من أمر الكفار، الذين قد يئس الشيطان أن يقيم أمرهم في جزيرة العرب، فالخشية من تدنسه بأوصاف الكتابيين الباقين أشد، والنهي عنه أوكد. كيف وقد تقدم الخبر الصادق بسلوك طائفة من هذه الأمة سبيلهم!!]. أ. هـ كلامه.

رابعاً: ومن حديث عائشة رضي الله عنها – كما في الصحيحين – قال صلى الله عليه وسلم: «إن لكل قوم عيداً ، وإن عيدنا هذا اليوم».


قال الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه: تشبه الخسيس بأهل الخميس: [فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم يوجب اختصاص كل قومٍ بعيدهم،
كما قال الله تعالى: 
{لكلٍّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً}. [المائدة: 48].
فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، مختصين بذلك، فلا يشاركهم فيه مسلم، كما لا يشاركهم في شرعتهم، ولا قبلتهم.


ومن المعلوم أن في شروط عمر رضي الله عنه: ((أن أهل الذمة لا يظهرون أعيادهم)). واتفق المسلمون على ذلك، فكيف يسوغ لمسلمٍ إظهار شعائرهم الملعونة؟!.
ثم قال: فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» (4). وقال صلى الله عليه وسلم «ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأمنع ممن يعملها، ثم لا يغيرون ذلك، إلا عمَّهم الله بعقاب منه» (5) ].
 

ثم قال: فوالله ما أدري ما تركْتَ من تعظيم النصرانية.. ووالله إنك إذا لم تنكر هذا، فلا شك أنك به راضٍ أو جاهل. نعوذ بالله من الجهل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم».
فإن قال قائل: أنا لا أقصد التشبه بهم؟. فيقال له: نفس الموافقة والمشاركة في أعيادهم ومواسمهم حرام، بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه «نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها».


وقال: «إنها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار». والمصلي لا يقصد ذلك. إذ لو قصده كفر، لكن نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام].


وفي مشابهتهم من المفاسد أيضا: أن أولاد المسلمين تنشأ على حب هذه الأعياد الكفرية لما يصنع لهم فيها من الراحات والكسوة والأطعمة وخبز الأقراص وغير ذلك.


فبئس المربي أنت أيها المسلم إذا لم تنه أهلك وأولادك عن ذلك، وتُعرِّفهم: أن ذلك عند النصارى، لا يحل لنا أن نشاركهم ونشابههم فيها.


وقد زين الشيطان ذلك لكثير من الجهلة، والعلماء الغافلين، ولو كان منسوباً للعلم، فإن علمه وبال عليه، كما قال: صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه» (6). وكل من علم شيئاً وعمل بخلافه عاقبه الله يوم القيامة.


ويجب على ولي الأمر القيام في ترك هذا بكل ممكن. فإن في بقائه تجرّياًَ لأهل الصليب على إظهار شعائرهم. فينبغي لكل مسلم أن يجتنب أعيادهم، ويصون نفسه وحريمه وأولاده من ذلك إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر].
ثم قال: [وقد زين الشيطان لكثير من الفاسقين الضالين من يسافر من بلد إلى بلد أو يرحل من قريته للفرجة على الفاسقين الضالين، وتكثير سوادهم. وفي الحديث:
«من كثَّر سواد قوم حشر معهم».
 

وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوالا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. [المائدة: 51]
 

وقال العلماء: ومن موالاتهم التشبه بهم، وإظهار أعيادهم، وهم مأمورون بإخفائه في بلاد المسلمين، فإذا فعلها المسلم معهم فقد أعانهم على إظهارها، وهذا منكر وبدعة في دين الإسلام، ولا يفعل ذلك إلا كل قليل الدين والإيمان. ويدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم».
ثم قال: [وأيُّ منكَرٍ أعظم من مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومواسمهم،.. وهم أذلة تحت أيدينا، ولايُشاركون، ويشابهوننا في أعيادنا، ولا يفعلون كما نفعل، فبأي وجه تلقى وجه نبيك غداً يوم القيامة؟!! وقد خالفت سنته، وفعلت فعل القوم الكافرين الضالين أعداء الدين]. أ. هـ. كلامه.

خامساً: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [إن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه وتعالى: {لكل أمةٍ جعلنا منسكاً هم ناسكوه}. [الحج: 67]. كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعة: موافقة في بعض شُعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر. فالموافقة فيها موافقة من أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولاريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه ] أ.هـ. كلامه.