مقتطفات من( فتنة التكفير) للعلامة الألباني رحمه الله

منذ 2023-01-16

مقتطفات من( الجواب المفيد الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصرالدين الألباني وفقه الله المنشور في صحيفة المسلمون، الذي أجاب به فضيلته مَن سأله عن: " تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ")

مما ابتلي به المسلمين طرفان حادا عن الصراط المستقيم، أحدهما انحدر في التفريط والآخر انغمس في التشدد والإفراط، وهذه مقتطفات من( الجواب المفيد الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصرالدين الألباني وفقه الله المنشور في صحيفة المسلمون، الذي أجاب به فضيلته مَن سأله عن: " تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ")[1]

  • ومع الأسف الشديد فإن البعض من الدعاة أو المتحمسين قد يقع في الخروج عن الكتاب والسنة ولكن باسم الكتاب والسنة، والسبب في هذا يعود إلى أمرين اثنين: أحدهما هو: ضحالة العلم، والأمر الآخر - وهو مهم جدا -: أنهم لم يتفقهوا بالقواعد الشرعية والتي هي أساس الدعوة الإسلامية.
  • لابد للمسلم أن يجمع بين أمرين اثنين: صدق الإخلاص في النية لله عز وجل، وحسن الاتباع لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
  • فلا يكفي - إذا - أن يكون المسلم مخلصا وجادا فيما هو في صدده من العمل بالكتاب والسنة والدعوة إليهما بل لا بد - بالإضافة إلى ذلك - من أن يكون منهجه منهجا سويا سليما وصحيحا مستقيما ولا يتم ذلك على وجهه إلا باتباع ما كان عليه سلف الأمة الصالحون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
  • فمن تمام رأفته وكمال رحمته بأصحابه وأتباعه أن أوضح لهم صلوات الله وسلامه عليه أن علامة الفرقة الناجية: أن يكون أبناؤها وأصحابها على ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى ما كان عليه أصحابه من بعده.
  • لا يجوز أن يقتصر المسلمون عامة والدعاة خاصة في فهم الكتاب والسنة على الوسائل المعروفة للفهم كمعرفة اللغة العربية والناسخ والمنسوخ وغير ذلك بل لا بد من أن يرجع قبل ذلك كله إلى ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم - كما تبين من آثارهم ومن سيرتهم - أنهم كانوا أخلص لله عز وجل في العبادة وأفقه منا في الكتاب والسنة إلى غير ذلك من الخصال الحميدة التي تخلقوا بها وتأدبوا بآدابها.
  • فأن أصل فتنة التكفير في هذا الزمان - بل منذ أزمان - هو آية يدندنون دائما حولها ألا وهي قوله تعالى:( {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ) (44 - المائدة) فيأخذونها من غير فهوم عميقة ويوردونها بلا معرفة دقيقة.
  • الواجب على كل من يتصدى لإصدار الأحكام على المسلمين - سواء كانوا حكاما أم محكومين - أن يكون على علم واسع بالكتاب والسنة وعلى ضوء منهج السلف الصالح.
  • ثم إن كلمة (الكفر) ذكرت في كثير من النصوص القرآنية والحديثية ولا يمكن أن تحمل - فيها جميعا - على أنها تساوي الخروج من الملة، من ذلك مثلا الحديث المعروف في الصحيحين ... ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ). فالكفر هنا هو المعصية التي هي الخروج عن الطاعة، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام - وهو أفصح الناس بيانا - بالغ في الزجر قائلا:( وقتاله كفر).
  • فأي حاكم يحكم بغير ما أنزل الله وهو يرى ويعتقد أن هذا هو الحكم اللائق تبنيه في هذا العصر وأنه لا يليق به تبنيه للحكم الشرعي المنصوص في الكتاب والسنة فلا شك أن هذا الحاكم يكون كفره كفرا اعتقاديا وليس كفرا عمليا فقط ومن رضي ارتضاءه واعتقاده: فإنه يلحق به.
  • وخلاصة الكلام: لا بد من معرفة أن الكفر - كالفسق والظلم - ينقسم إلى قسمين: كفر وفسق وظلم يخرج من الملة وكل ذلك يعود إلى الاستحلال القلبي، وآخر لا يخرج من الملة يعود إلى الاستحلال العملي.
  • فكل المعاصي - وبخاصة ما فشا في هذا الزمان من استحلال عملي للربا والزنى وشرب الخمر وغيرها - هي من الكفر العملي فلا يجوز أن نكفر العصاة المتلبسين بشيء من المعاصي لمجرد ارتكابهم لها واستحلالهم إياها عمليا إلا إذا ظهر - يقينا - لنا منهم - يقينا - ما يكشف لنا عما في قرارة نفوسهم أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله اعتقادا فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه المخالفة القلبية حكمنا حينئذ بأنهم كفروا كفر ردة.
  • إذا الكفر الاعتقادي ليس له علاقة أساسية بمجرد العمل إنما علاقته الكبرى بالقلب، ونحن لا نستطيع أن نعلم ما في قلب الفاسق والفاجر والسارق والزاني والمرابي. . . ومن شابههم إلا إذا عبر عما في قلبه بلسانه أما عمله فيبنئ أنه خالف الشرع مخالفة عملية.
  • ذكر هذا مرارا ونؤكده تكرارا: لا بد لكل جماعة مسلمة من العمل بحق لإعادة حكم الإسلام ليس فقط على أرض الإسلام بل على الأرض كلها وذلك تحقيقا لقوله تبارك وتعالى: {( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)} (9 - الصف).
  • فعلى المسلمين كافة - وبخاصة منهم من يهتم بإعادة الحكم الإسلامي - أن يبدؤوا من حيث بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما نوجزه نحن بكلمتين خفيفتين: (التصفية والتربية).
  • إذا أردنا أن نقيم حكم الله في الأرض - حقا لا ادعاء - هل نبدأ بتكفير الحكام ونحن لا نستطيع مواجهتهم فضلا عن أن نقاتلهم؟ أم نبدأ - وجوبا - بما بدأ به الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لاشك أن الجواب: {( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)} .
  • ولكن بماذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ من المتيقن عند كل من اشتم رائحة العلم أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعوة بين الأفراد الذين كان يظن فيهم الاستعداد لتقبل الحق، ثم استجاب له من استجاب من أفراد الصحابة ... ثم وقع بعد ذلك التعذيب والشدة التي أصابت المسلمين في مكة، ثم جاء الأمر بالهجرة الأولى والثانية حتى وطد الله عز وجل الإسلام في المدينة المنورة وبدأت هناك المناوشات والمواجهات وبدأ القتال بين المسلمين وبين الكفار من جهة ثم اليهود من جهة أخرى. . . هكذا.
  • لا بد أن نبدأ نحن بتعليم الناس الإسلام الحق كما بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن لا يجوز لنا الآن أن نقتصر على مجرد التعليم فقط فلقد دخل في الإسلام ما ليس منه وما لا يمت إليه بصلة من البدع والمحدثات مما كان سببا في تهدم الصرح الإسلامي الشامخ، فلذلك كان الواجب على الدعاة أن يبدؤوا بتصفية هذا الإسلام مما دخل فيه، هذا هو الأصل الأول: (التصفية) ،وأما الأصل الثاني: ... تربية الشباب المسلم الناشئ على هذا الإسلام المصفى.
  • ونحن إذا درسنا واقع الجماعات الإسلامية القائمة منذ نحو قرابة قرن من الزمان وأفكارها وممارساتها  لوجدنا الكثير منهم لم يستفيدوا - أو يفيدوا - شيئا يذكر برغم صياحهم وضجيجهم بأنهم يريدونها حكومة إسلامية، مما سبب سفك دماء أبرياء كثيرين بهذه الحجة الواهية دون أن يحققوا من ذلك شيئا، فلا نزال نسمع منهم العقائد المخالفة للكتاب والسنة، والأعمال المنافية للكتاب والسنة، فضلا عن تكرارهم تلك المحاولات الفاشلة المخالفة للشرع.
  • هناك كلمة لأحد الدعاة - كنت أتمنى من أتباعه أن يلتزموها وأن يحققوها - وهي: (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم) لأن المسلم إذا صحح عقيدته بناء على الكتاب والسنة فلا شك أنه بذلك ستصلح عبادته وستصلح أخلاقه وسيصلح سلوكه. . . الخ، لكن هذه الكلمة الطيبة - مع الأسف - لم يعمل بها هؤلاء الناس فظلوا يصيحون مطالبين بإقامة الدولة المسلمة. . . لكن دون جدوى.

 

 

[1] من تقريظ سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على جواب الشيخ الألباني رحمهما الله تعالى.