عريس الشام

منذ 2011-09-03

جلست "أم فراس" في شرفة مَنْزلها، تشرب القهوة وحدها على مَهل، تتعجَّب من الخبر المفاجئ لخطوبة غادة الحيِّ، جميلة الشَّام...



جلست "أم فراس" في شرفة مَنْزلها، تشرب القهوة وحدها على مَهل، تتعجَّب من الخبر المفاجئ لخطوبة غادة الحيِّ، جميلة الشَّام، بنت جيرانها في نفس العمارة، "سهام" التي شهدت السنواتِ الأخيرةَ - منذ أن تفتَّحَتْ كوردةٍ يانعة - طابورًا طويلاً من الخاطبين، يصعدون السلالم مع أهلهم، يحملون الزهور والحلوى، وأملَ القبول، ويَنْزلون حزانى مرفوضين؛ الطبيب، المهندس، المحاضر الجامعي، رجل الأعمال، وآخرهم قريب "أم فراس" الحزبي الصاعد.

حمل الصِّبيةُ اللاعبون بين شقق البيت خبر الخِطْبة، فأسرعت تُعِدُّ قهوتها، غاضبة من هذا التكتُّم الذي فرضَتْه "أم سهام"، فلم تعرف "أم فراس" العريس، ولم تشهد على شيءٍ من الأحداث الاجتماعيَّة التي سبقت هذه الخِطبة المباغتة، حتى قرَّرت ألاَّ تهتم بالأمر طالما أنها لن تعرف به إلاَّ بعد إتمامه، ومن الأطفال، وليس من "سهام" أو أمِّها.

رسخت قليلاً على كرسيِّها في الشرفة، تُغالِب فضولَها، إلاَّ أن صبيًّا دخل إليها من باب شقتها المفتوح دائمًا وأخبرها هاتفًا بعينين صاخبتين: "العريس نازل".

فهرعت إلى باب شقتها المفتوح، ووضعت (الطرحة) على نصف وجهها المكشوف، تبادر إلى تحية شاب نازل ووجهه للأرض، ليس الأوسم، ولا يبدو عليه أنه الأغنى.
- مبارك يا خالتي عليك.
- الله يبارك فيكِ يا خالة.

أخذت تحدِّق في هذا الشاب الحيي الرجولي الملامح، الذي تعلوه سعادةٌ خجولة مقتصدة، سعادة كبتها ما تمر به بلده سوريا على يد النِّظام المستبد، كلما نزل خطوةً زاد تعاطفُها معه، حتى ما عادت تعرف لِمَ وضع الله على هذا الشاب كل ذاك القبول؟!

اندفعت تصعد السلالم يدفعها فضولها، تستند على عكازتها، حتى وصلت للباب، وطرقت بعكازتها على الباب، تفتح لها "سهام" مسرورةً بخدين متورِّدَين، راضية ومرضيَّة، وقبَّلت جارتها بسعادة غامرة، كأنه خطبها الليلةَ فارسُ الأحلام.
- رفضتِ الحزبي والشرطي وغيرهم، وغيرهم.. فمن يكون هذا الذي لم يُرفَض؟!

تبتسم فخورة: ومن تكون هذه التي ترفض منشقًّا عن الجيش؟!



أ. محمود توفيق حسين
موقع الألوكة