عبادات تدفع البلاء (1)

منذ 2023-02-07

عند حلول النكبات، وتوالي الأزمات، وتزايُد المدلهمات، يتجلَّى لُطْف الله بأهل الإيمان ورعايته لأهل الإحسان، بالتخفيف عنهم وحفظهم من السوء، وتجنيبهم ما حلَّ بغيرهم، والتحلِّي بالصبر والرِّضا بقدر الله عند الشدائد..

الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ كلِّ ضائقةٍ وشدَّةٍ فَرَجًا، ويسَّرَ لِمَنِ اعتصمَ به مِنْ كلِّ نازلةٍ مَخْرجًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابه ما جادَ السَّحابُ بقطره، وطلَّ الربيعُ بزهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

أيها المسلمون عباد الله، عند حلول النكبات، وتوالي الأزمات، وتزايُد المدلهمات، يتجلَّى لُطْف الله بأهل الإيمان ورعايته لأهل الإحسان، بالتخفيف عنهم وحفظهم من السوء، وتجنيبهم ما حلَّ بغيرهم، والتحلِّي بالصبر والرِّضا بقدر الله عند الشدائد، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له».

 

ولولا لطف اللطيف الخبير لامتلأت القلوب وحشةً وفزعًا وخوفًا؛ يقول السعدي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يوسف: 100]، قال: يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها، ومن رحمته سبحانه أنه جعل لنا عبادات جاءتِ النصوصُ بأنها تدفَعُ البلاء؛ عَلَّمنا إيَّاها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه العبادات:

التضرُّع والدعاء يَدْفَعُ البلاء: أيُّها المسلمون، أحسنُ الكلام في الشكوَى سُؤال المولَى زوالَ البَلوى، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرم على الله عز وجل من الدعاء، وأعجزُ الناسِ من عجزَ عن الدعاء، ولا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاءُ، فأكثِروا من الدعاء والمُناجاة؛ فإن الله يسمعُ دعاءَ من دعاه، ويُبصِرُ تضرُّع من تضرَّع إليه وناداه، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، يقول الحسن: وَمِفْتَاحُ السَّمَاءِ الدُّعَاءُ.

 

وقال الله عز وجلَّ: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43].

 

قال ابن كثير: أَيْ فَهَلَّا إِذِ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِذَلِكَ تَضَرَّعُوا إِلَيْنَا وَتَمَسْكَنُوا إِلَيْنَا، وليس لنا إذا أحاطَت الحُتوف، ونزلَ الأمرُ المَخوفُ، واشتدَّ الكَربُ، وعظُمَ الخَطبُ إلا اللهُ، وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17].

 

ومَن سألَ اللهَ بصدقٍ وضراعةٍ كشفَ عنه بَلواه، وحماه ووقاه وكَفاه، وحقَّقَ له سُؤلَه ومُناه، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فُـتِـحَ له مِنـكُمْ بابُ الدُّعاءِ فُـتِحَتْ لـه أَبـوابُ الرَّحْمَةِ، وما سُئِـلَ اللَّهُ شَيْـئًا –يعني: أَحَبَّ إِليـهِ– مِن أَنْ يُسْأَلَ العافِـيَـةَ».

 

وقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدُّعاءَ يَـنْـفَعُ مِمَّا نَـزَلَ ومِمَّا لمْ يَنْزِلْ، فَـعَـلَـيكُم عِبادَ اللهِ بالدُّعاءِ»؛ (رواه الترمذي وغيره)، وقال صلى الله عليه وسلم: «وإن البلاء لينزل فيتلقَّاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة»؛ (صحيح الجامع).

 

ومن عجائب قوة تأثير الدعاء، أن عنوان الفساد يأجوج ومأجوج عند خروجهم في آخر الزمان، يحاصرون عيسى عليه السلام وأصحابه في جبل الطور ببيت المقدس، فيرغبون إلى الله بالدعاء، فيرسل الله عليهم نوعًا من الديدان يُسمَّى النغف، فيصبحون قتلى كموت نفس واحدة، ثم يرغبون إلى الله برفع زهمهم ونتنهم، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله؛ والحديث في صحيح مسلم.

 

ولما كان المرض والوباء من قدر الله فلا يرُدُّه إلا الدعاء، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي بسند حسن قوله: «لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ».

 

وقال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: يَنْزِلُ الْبَلَاءُ فَيُسْتَخْرَجُ بِهِ الدُّعَاءُ؛ (الإشراف في منازل الأشراف)، وقد ترجم البخاري بَاب الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالوَجَعِ، وبوَّب النَّسائي في سننه الكبرى باب الدُّعَاء بِنَقْلِ الْوَبَاءِ، ثم ذكر حديث دعاء نقل الحمى إلى الجحفة.

 

ومن الأدعية والتحصينات دعوةُ ذي النُّون؛ يقول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «دعوةُ ذي النُّون إِذْ دَعا بها وهو في بَطْنِ الحُوتِ؛ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمينَ؛ لَم يَـدْعُ بها رجلٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجابَ اللهُ له»؛ (أخرجه أحمد والترمذي).

 

قال الله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87، 88].

 

ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة؛ ما أخرجه أبو داود في سننه، وصحَّحه الألباني، عن عثمان رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيءٌ في الأَرْضِ وَلا في السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لم يَضُرَّهُ شَيْءٌ».

 

وفي رواية: «لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ»؛ قَالَ: فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ، فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ، وَلا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَني غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا، قال القرطبي: هذا خبرٌ صحيح، وقولٌ صادق، عَلِمنا دليله دليلًا وتجربة، فإني منذ سمعته عملت به فلم يضُرُّني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمدينة ليلًا فتفكَّرْت، فإذا أنا قد نسيت أن أتعوَّذ بتلك الكلمات؛ (الفتوحات الربانية).

 

ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية أيضًا التي تقيك الأسقام والآفات؛ أن تقول: «أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ من شرِّ ما خلق» ؛ لما ثبت في صحيح الترغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن قال حين يُمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلماتِ الله التامَّاتِ من شر ما خلق؛ لم تَضُرَّهُ حُمَةٌ تلك الليلة».

 

يقول ابن باز رحمه الله: ومما يحصل به الأمن والعافية والطمأنينة والسلامة من كل شر، أن يستعيذ الإنسان بكلمات الله التامَّات من شر ما خلق، ثلاث مرات صباحًا ومساءً.

 

ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية أيضًا، ما أخرجه ابن السُّنِّي في عمل اليوم والليلة، وصححه شعيب الأرناؤوط، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

 

ومن الأدعية المهمة الواقية الجامعة التي لم يكن صلى الله عليه وسلم يدعها حين يُمسي وحين يُصبح: «اللهُمَّ إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهم إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استرْ عوراتي وآمنْ روعاتي، اللهم احفظْني مِن بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي»؛ (أخرجه أبو داود في سننه وصحَّحه الألباني).

 

ومن الأدعية والتحصينات العظيمة النبوية المهمة التي تُقال في الصباح والمساء، ما أخرجه أبو داود في سننه وصحَّحه الألباني في صحيح الأدب المفرد، عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ، إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلَاثًا، حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي»، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِنَّ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ، (عافِني في بدني؛ أي: من الأمراض والأسقام والآفات والشرور).

 

وقد كان سيدُ الخلقِ نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم يدعُو عند الكَربِ بهذه الدعوات: «لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم».

 

ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية ما أخرجه أبو داود في سننه وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ»؛ أي: الأمراض الرديئة الخطيرة، ذات الأثر السيئ على المريض ومن حوله؛ كالأمراض المزمنة والسرطان ومرض الكورونا المنتشر هذه الأيام.

 

ومن الأدعية النبوية الجامعة والتحصينات النافعة، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ».

 

قال الطيبي في شرح المشكاة: «وتحول عافيتك»؛ أي: من تبدل ما رزقتني من العافية إلى البلاء، «وفجاءة نقمتك»؛ أي: بمصيبة أو بلية تأتي على غير ميعاد أو توقع أو استعداد.

 

ومن الأدعية المهمة ما أخرج الترمذي في جامعه وحسنه الألباني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «(مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ البَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ».

 

وفي رواية عند الترمذي وصححها الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلَاءُ».

 

وفي رواية أخرجها البزار في مسنده وحسَّنها الألباني في صحيح الجامع: «كَانَ شَكَرَ تِلْكَ النِّعْمَةِ»، وهذا توجيه نبوي عظيم ومُهِمٌّ لمن رأى مريضًا أو مبتلًى بلاءً دينيًّا أو دنيويًّا، أن يبادر بهذا الدعاء مع اليقين والإيمان بأثره، فإن الله سيُعافيه منه إن شاء الله.

 

ومن الأدعية المهمة والتحصينات العظيمة النبوية الدعاء عند الخروج من المنزل، فقد أخرج أبو داود في سننه وصحَّحه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ»؟.

 

قراءة القرآن تَدْفَعُ البلاء: أيها المسلمون، ومن العبادات التي تدفع البلاء القرآن الكريم، يقول الله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، ويقول الله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44].

 

فكتاب الله شفاء لجميع الأدواء والأمراض، قرأ الصحابيُّ فاتحة الكتاب على من لدغ بعقرب؛ فشفاه من السُّمِّ الناقع؛ فعجبًا من مريض لم يترك طبيبًا إلا وذهب إليه، ثم غفل عن أعظم دواء: التداوي بالقرآن.

 

قال ابن القيم: «ومن هَجْر القرآن: هجر التداوي والاستشفاء به» فما أعظم كلمات الله! «القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل، ولا يوفق للاستشفاء به؛ وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه؛ لم يقاومه الداء أبدًا، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها؛ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه، وسببه، والحمية منه، لمن رزقه الله فهمًا في كتابه»؛ (ابن القيم، كتاب الطب النبوي).

 

ومن التحصينات المؤثرة الفعَّالة قراءة سورة الإخلاص والمعوِّذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء تكفيك من كل شيء؛ فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتُمْ»؟، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ»، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُلْ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»؛ (أخرجه أبو داود، والترمذي، وحسنه الألباني).

 

ومن التحصينات الوقائية القرآنية المهمة قراءة الآيتين من أواخر سورة البقرة في الليل؛ لما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ».

 

ذكر بدر الدين العيني في عمدة القاري معنى كفتاه: قيل: مَا يكون من الْآفَات تِلْكَ اللَّيْلَة، وقيل: معناه كفتاه كل سوء، ووقتاه من كل مكروه، كما في مرقاة المفاتيح.

 

وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: قَوْلُهُ: «كَفَتَاهُ»؛ أَيْ: أَجْزَأَتَا عَنْهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: أَجْزَأَتَا عَنْهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا, سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَجْزَأَتَاهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ؛ لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ إِجْمَالًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ كُلَّ سُوءٍ، وَقِيلَ: كَفَتَاهُ شَرَّ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: دَفَعَتَا عَنْهُ شَرَّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وقال النووي رحمه الله: قِيلَ: مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: مِنَ الْآفَاتِ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الجَمِيعِ.

 

ومن التحصينات القرآنية الوقائية المهمة: قراءة آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك فإنه لَنْ يَزَالَ معك مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ، كما في قصة أبي هريرة مع الشيطان لما وَكَلَه النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان كما في صحيح البخاري.

 

الصلاة تَدْفَعُ البلاء: أيها المسلمون، الصَّلاةُ صِلةٌ بين العبدِ وربِّه، وهي عبادةٌ جليلةٌ، فيها تَصْفو الرُّوحُ مِن الكَدَرِ والمُنغِّصاتِ النَّفسيَّةِ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يدَيْ ربِّه ويَدْعوه لِتَفريجِ هُمومِه؛ فهو وحْدَه القادِرُ على إزالةِ الهمِّ والحزنِ وتسهيلِ الصِّعابِ؛ فعن أبي الدرداء، وأبي ذر رضي الله عنهما، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عن اللهِ عز وجل أنه قال: «ابنَ آدمَ، اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكْفِكَ آخِرَه»؛ (حسَّنه الذهبي في السير، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع).

 

وعَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ الْغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللهُ: يَا بْنَ آدَمَ، لَا تَعْجزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ»؛ (مسند أحمد، وأبو داود).

 

قال الإمام المناوي في فيض القدير: ومعنى: «أكْفِكَ آخِرَه»؛ أي: شر ما يُحدثه تعالى في آخر ذلك اليوم من المحن والبلايا، فأمره تعالى بفعل شيء أو تركه إنما هو لمصلحة تعود على العبد، وأمَّا هو فلا تنفعه الطاعة، ولا تضُرُّه المعصية.

 

وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الصلاة، فذهب بعضهم إلى أن المراد بها صلاة الضحى، منهم: أبو داود، والترمذي، والعراقي، وابن رجب الحنبلي، وغيرهم.

 

وذهب البعض الآخر إلى أن المراد بها صلاة الصبح وسنتها، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.

 

فالصلاة تَدفَعُ الكرب، وتنجي صاحبها المداوم عليها من العقبات والشدائد؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي، ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: لَأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ الرَّاعِي، قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ طِينٍ»؛ (صحيح البخاري).

 

فإذا داهمك الخَوْفُ وطوَّقك الحزنُ، وأخذ الهمُّ بتلابيبك، فقمْ حالًا إلى الصلاةِ، تثُبْ لك روحُك، وتطمئنَّ نفسُك، إن الصلاة كفيلةٌ بإذنِ اللهِ باجتياحِ مستعمراتِ الأحزانِ والغمومِ، ومطاردةِ فلولِ الاكتئابِ؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ قال: «أرِحْنا بالصلاةِ يا بلالُ»؛ فكانتْ قُرَّةَ عينِهِ وسعادتهُ وبهجتَهُ.

 

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث أنَّ المفزعَ في الأمور المُهمَّة إلى الله، يكون بالتوجُّه إليه في الصلاة، يقول حذيفة رضي الله تعالى عنه: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى؛ لأنَّ في الصَّلاة راحةً وقُرَّةَ عينٍ له، وهذا مِصداقُ قولِ الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45].

 

وهذا مِن تعليمِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمَّتِه، وحثهم على اللُّجوءِ إلى الصَّلاةِ عِندَ النَّوائبِ؛ بارك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيِّنات والآيات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.

 

أيها المسلمون، الصَّلاةُ صِلةٌ بين العبدِ وربِّه، وهي عبادةٌ جليلةٌ فيها تَصْفو الرُّوحُ مِن الكَدَرِ والمُنغِّصاتِ النَّفسيَّةِ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يدَيْ ربِّه، ويَدْعوه لِتَفريجِ هُمومِه؛ فهو وحْدَه القادِرُ على إزالةِ الهمِّ والحزنِ وتسهيلِ الصِّعابِ.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخل إبراهيمُ قريةً فيها جبارٌ مِن الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلًا معه امرأةٌ من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: مَن هذه؟ قال: أختي، فأتى سارةَ، وقال: يا سارةُ، ليس على وجه الأرض مؤمنٌ غيري وغيرُك، وإنَّ هذا سألني عنكِ، فأخبرتُه أنكِ أختي، فلا تكذِّبي حديثي، فأرسَل إليها، فلما دخلت إليه قام إليها، قال: فأقبَلَت تتوضَّأ وتصلِّي، وتقول: اللهم إن كنتَ تعلم أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنتُ فرجي إلا على زوجي، فلا تُسلِّط عليَّ هذا الكافر، قال: فغُطَّ حتى ركض الأرض برجلِه، فقال: ادعي الله ولا أضرك، فدَعَت الله، فأُطلِق، ثم تناولها ثانية، فأُخذ مثلها أو أشدَّ، فقال: ادعي الله ولا أضرك، فدَعَت، فأُطلق، فدعا بعض حجبتِه، وقال: إنكم لم تأتوني بإنسان؛ إنما أتيتموني بشيطانٍ! فأخدَمها هاجر، فأتت إبراهيم، فقالت: ردَّ اللهُ كيدَ الكافر -أو الفاجر- في نحرِه، وأخدَمَ هاجرَ»؛ (أخرجه البخاري).

 

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث... «أن مَن نابه أمرٌ مُهِمٌّ مِن الكرب ينبغي له أن يفزَع إلى الصلاة».

 

وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ، فصلَّى بالناس، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَخْسفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاةِ»، وَقَالَ أَيْضًا: «فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ»؛ (صحيح مسلم).

 

ومنها قِـيَـاُم اللَّـيْـلِ: فعن بِلالٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «عليكُمْ بِقيامِ اللَّـيْـلِ؛ فإِنَّـهُ دَأبُ الصَّالِحينَ قَبلكُم، وإِنَّ قِيامَ اللَّيلِ قُربَـةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عنِ الإِثْمِ، وتكفِيرٌ للسَّيِّـئاتِ، ومَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عنِ الجَسَدِ»؛ (رواه الترمذي وغيره، حسنه الألباني).

________________________________________________

الكاتب: الشيخ محمد عبدالتواب سويدان.