يا خُطباءَ الجمع ... ذكروا الناسَ بهذهِ الآيةِ العَظِيْمَةِ

منذ 2023-02-09

الزَّلْزَالُ الَّذِي حَصَلَ وَغَرِقَت بِسَبِبِهِ دُوَلٌ آيَة تَسْتَحِقُّ التَّذكيرَ، وَخَاصَّةً أَنَّهَا قَرِيْبَةٌ مِنَّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

الحَمْدُ للهِ وَبَعْدُ؛

آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ العَظِيْمَةِ حَصَلَتْ فِي الأَيَّامِ المَاضِيَةِ، لا يَنْبَغِي أَنْ تَمُرَّ عَلَى خُطَبَاءِ الجُمَعِ مُرورَ الكِرَامِ، فَقَدْ كَانَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغِلُّ مِثْلَهَا لِلتَّحذِيرِ وَالتَّذكيرِ، فَعِنْدَمَا ‏خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: [كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيم] ، فَبَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا بَاطِل لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَادَفَ مَوْت إِبْرَاهِيم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. ‏

وَالزَّلْزَالُ الَّذِي حَصَلَ وَغَرِقَت بِسَبِبِهِ دُوَلٌ آيَة تَسْتَحِقُّ التَّذكيرَ، وَخَاصَّةً أَنَّهَا قَرِيْبَةٌ مِنَّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وَقَوْله: {وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ}.

الآيَاتُ مِنَ القُرْآنِ:

1 - قَالَ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [ الإِسْرَاءُ: 59 ].

عَنْ قَتَادَة قَوْله: {وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} وَإِنَّ اللَّه يُخَوِّف النَّاس بِمَا شَاءَ مِنْ آيَة لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ، أَوْ يَذَّكَّرُونَ، أَوْ يَرْجِعُونَ.

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: {وَمَا نُرْسِل بِالْعِبَرِ وَالذِّكْر إِلَّا تَخْوِيفًا لِلْعِبَادِ}.

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (24/264): وَالزَّلَازِلُ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ كَمَا يُخَوِّفُهُمْ بِالْكُسُوفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْحَوَادِثُ لَهَا أَسْبَابٌ وَحِكَمٌ فَكَوْنُهَا آيَةً يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ هِيَ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ....ا.هـ.

2 - وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [ الأَحْقَافُ: 27 ].

3 - وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [ الزَّلْزَلَةُ: 1 - 2 ].

قَالَ عَطِيَّةُ سَالِم فِي تَتمتِهِ لأَضْواءِ البَيَانِ: ولذا فَإِنّ الزَّلْزَالَ أَشَدُّ مَا شَهِد العالمُ مِنْ حَرَكَةٍ، وَقَدْ شُوهِدت حَرَكَاتُ زِلْزَالٍ فِي أَقلمِنْ رُبعِ الثانِيةِ فَدمَّرَ مُدُناً وَحَطمَ قُصُوراً، ولذا فَقَدْ جَاءَ فِي وَصفِ هَذَا الزَّلْزَالِ بِكُونِهِ شَيْئاً عَظِيْماً فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيْمٌ} [ الحَجّ: 1 ]، وَيَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الشِّدَّةِ تِكرَارُ الكَلِمَةِ فِي زُلْزِلَتِ وَفِي زِلْزَالَهَا كَمَا تُشعرُ بِهِ هَذِهِ الإِضافَةُ.ا.هـ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي زَمنِ وُقُوْعِ الزَّلْزَالِ فِي الآيةِ:

مِنَ العُلَمَاءِ مَن ذَهَبَ إِلَى أَنّها فِي الدُّنْيَا، وَهِي مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‏تَقِيءُ الْأَرْضُ ‏‏أَفْلَاذَ كَبِدِهَا ‏‏أَمْثَالَ ‏‏الْأُسْطُوَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ ‏‏رَحِمِي،‏ ‏وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا».
(‏أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1013).

وَذَهَبَ آخَرُوْنَ أَنَّهَا زَلْزَلَةُ يَوْمِ القِيَامَةِ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ}.

الأَحَادِيْثُ مِنَ السُّنَّةِ:

التَّذكيرُ وَالوَعْظُ عِنْدَ وُقُوْعِ الْآيَاتِ:


1 - ‏عَنْ ‏أَبِي بَكْرَةَ ‏‏قَالَ: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:‏ «‏إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ».

أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَوِّفُ اللهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ.

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ: آيَتَانِ مِنْ آيَات اللَّه ‏أَيْ: الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه وَعَظِيم قُدْرَته أَوْ عَلَى تَخْوِيف الْعِبَاد مِنْ بَأْس اللَّه وَسَطَوْته، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}.

وَقَالَ أَيضاً: وَلَكِنْ يُخَوِّف اللَّه بِهَا عِبَاده ‏مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}.

2 - عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَت: زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى اصْطَفَقَتْ السُّرَرُ، فَوَافَقَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَدْرِ، قَالَ فَخَطَبَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَقَدْ عَجِلْتُمْ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ: لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيكُمْ.

أَخْرَجَهُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَهِ (2/473)، وَالبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ (3/342) بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ.

كَثْرَةُ الزَّلاَزِلِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ:

3 - ‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏قَالَ: ‏قَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:‏ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ -وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ».

‏أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ: مَا قِيلَ فِي الزَّلاَزِلِ وَالْآيَاتِ.

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ: ‏قَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشَّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولهَا وَدَوَامهَا.ا.هـ.

وَالوَاقعُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَهِي مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى.

4 - ‏عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ ‏‏قَالَ: ‏كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا.... (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ).

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ: ‏الَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدّ جَمِيع الْخَوَارِق تَخْوِيفًا، وَإِلَّا فَلَيْسَ جَمِيع الْخَوَارِق بَرَكَة، فَإِنَّ التَّحْقِيق يَقْتَضِي عَدّ بَعْضهَا بَرَكَة مِنْ اللَّه كَشِبَعِ الْخَلْق الْكَثِير مِنْ الطَّعَام الْقَلِيل وَبَعْضهَا بِتَخْوِيفٍ مِنْ اللَّه كَكُسُوفِ الشَّمْس وَالْقَمَر، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر آيَتَانِ مِنْ آيَات اللَّه يُخَوِّف اللَّه بِهِمَا عِبَاده» وَكَأَنَّ الْقَوْم الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}، وَوَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق الْوَلِيد بْن الْقَاسِم عَنْ إِسْرَائِيل فِي أَوَّل هَذَا الْحَدِيث سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بِخَسْفٍ فَقَالَ: كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد نَعُدّ الْآيَات بَرَكَة، الْحَدِيث.ا.هـ.

_________________________________________________________

الكاتب: عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـلط