من أراد النور فليبحث عنه في كتاب الله

منذ 2023-02-16

فمَنْ أراد الاستخلاف والتمكين في الأرض والغلبة على الأعداء فعليه بالقرآن تلاوةً وتدبُّرًا وتحكيمًا

يا أهل القرآن، هنيئًا لكم شفاعة الرحمن؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافَّ تحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة»، والبطلة هم الشياطين والسحرة؛ (رواه مسلم).

 

من أراد السعادة فليلتمسها في القرآن، من أراد النور يقذف إلى قلبه فينشرح صدره، فعليه بتلاوة القرآن، قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123، 124].

 

كلام ودُرَر عن القرآن من كتاب الإيمان أولًا، فكيف نبدأ به؟ للدكتور مجدي الهلالي، يقول: "فهو النور الذي يُبدِّد للسالك ظلمات الشك، ويُنير له طريق الهدى؛ قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].

 

به يبصر العبد طريقه إلى الله:  {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 203].

من سار على نهجه فقد التزم الصراط المستقيم:  {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174].

إنه النعمة العظمى وكفى بها نعمة:  {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51].

 

خباب بن الأرتِّ يقول: تقرَّب إلى الله ما استطعت، فإنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحبَّ إليه من كلامه.

 

القرآن هو أفضل موعظة وأعظم تذكرة، لكن لمَنْ؟

{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى: 10]، ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103].

 

الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، فالقرآن الكريم هو أفضلُ وسيلةٍ لزيادة الإيمان؛ يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].

 

وهو العلاج الناجح لأمراض القلوب: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].

 

معاشر المسلمين الموحِّدين، من أراد الرفعة والشرف والذكر بين الأمم فعليه بالقرآن {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44]، وقال سبحانه: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10].

 

أي: فيه شرفكم، فمَنْ أراد الاستخلاف والتمكين في الأرض والغلبة على الأعداء فعليه بالقرآن تلاوةً وتدبُّرًا وتحكيمًا، إنها رفعة في الدنيا والآخرة، فما أعظمَها من كرامةٍ! فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ»؛ (رواه مسلم).

 

اللهُمَّ اجعلنا من أهل القرآن الذين يُعظِّمونه حقَّ التعظيم، فيؤمنون بمتشابهه، ويعملون بمحكمه، ويحلُّون حلالَه، ويُحرِّمون حرامَه، ويحكمونه في جميع أمورهم، إنه سميع مجيب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9].

 

فالقرآن التجارة الرابحة التي ليس فيها خسارة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29].

 

يخبر تعالى كما قال المُفسِّرون عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه، ويؤمنون به، ويعملون بما فيه، من إقام الصلاة، والإنفاق ممَّا رزقهم الله في الأوقات المشروعة ليلًا ونهارًا، سِرًّا وعلانيةً، يرجون ثوابًا عند الله لا بُدَّ من حصوله، يرجون تجارةً لن تكسد وتفسد؛ بل تجارة، هي أجَلُّ التجارات وأعلاها وأفضلها، ألا وهي رِضا ربِّهم، والفوز بجزيل ثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه، وهذا فيه أنهم يخلصون بأعمالهم، وأنهم لا يرجون بها من المقاصد السيئة والنيَّات الفاسدة شيئًا.

 

فهنيئًا لمن قرأ القرآن، وقام بالقرآن، ويا لسعادة من غشيته رحمةُ الله! ويا لفوز من كان من أهل الله وخاصَّتِه!

عباد الله، صلُّوا وسلِّمُوا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.

___________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري