هل تريد بيتا في الجنة؟

منذ 2023-03-29

كم يسعى الإنسان ويشقى في هذه الحياة الدنيا؛ ليبني له بيتًا فيها، فيخسر من ماله وجهده وفكره ووقته ما لا يخطر على بال، ثم هذا البيت معرض للبِلى والزوال، والحرق والهدم، والتشقق والتصدع...

الحمد لله الغفور الذي ستر بستره وأجمل، الشكور الذي عم ببره وأجزَل، الرحيم الذي أتم إحسانه على المؤمنين وأكمل، الواحد الأحد القدوس الصمد الأول المنفرد بالعز والكمال، فلا ينتقص عزُّه ولا يتحول، الحي العليم القدير السميع البصير المتكلم بكلام قديم لا يتغير ولا يتبدل، أحمده على ما أنعم وأكرم وتفضل، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أوحى إليه الكتاب ونزَّل، ونهج للمتقين طريق الهداية وسهَّل.

 

كم يسعى الإنسان ويشقى في هذه الحياة الدنيا؛ ليبني له بيتًا فيها، فيخسر من ماله وجهده وفكره ووقته ما لا يخطر على بال، ثم هذا البيت معرض للبِلى والزوال، والحرق والهدم، والتشقق والتصدع، وإن سلم البيت من ذلك كله، فلن يسلم صاحبه من الموت، فكلٌّ مسافر مع قافلة الراحلين؛ كما قال الله عز وجل: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].

 

ويكون هذا الشخص قد تحمل الهموم والغموم والأرق والقلق، ولربما سكب ماء وجهه طلبًا للقرض والدَّين، وسائلًا الإمهال والتأجيل، وفي النهاية هو يعلم أن هذا كله عرضٌ زائل ومتاعٌ حقير، لذلك المؤمن تسموا نفسه ويتشوق ليبني له بيت وقصر في الجنة، وبيوت وقصور الجنة ليست كبيوتنا وقصورنا، وصف بيوت الجنة كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْجَنَّةُ ‌بناؤها ‌لَبِنَةٌ ‌من ‌فضة، ولبنةٌ من ذهب، ومِلاطُها المسكُ الأَذْفَرُ، وَحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتُرْبَتُهَا الزعفرانُ، من يدخلها يَنْعَمُ لا يَبْأسُ، ويَخْلُدُ لا يموتُ، لا تبلى ثيابهم، ولا يَفْنَى شَبَابُهُمْ» [1].

 

فإن سألت يا عبد الله: كيف أحصل على هذا البيت؟ وما الأفعال والأقوال التي بها تُنال الآمال، ببيوت وارفة الظلال في جنة جلَّت عن مثل ومثال، وتعالت عن حيز الفكر والخيال، بإذن الله الكبير المتعال؟ وإليك هذه الأعمال.

 

الإيمان بالله والعمل الصالح:

قال الله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37]؛ قال ابن كثير رحمه الله: «أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأسٍ وخوف وآذى ومن كل شر يُحذر منه»[2].

 

الحمد والاسترجاع حال وقوع المصيبة في الولد:

ومن موجبات القصور في الجنة أن تكون من أهل الحمد الذين يحمدون في السراء، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ الله لملائكته قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ‌قَبَضْتُمْ ‌ثَمَرَةَ ‌فُؤَادِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا قَالَ؟ قَالُوا: اسْتَرْجَعَ وَحَمِدَكَ، قَالَ: أَبَنُوا لَهُ بَيْتًا في الجنة وسموه بيت الحمد» [3].

 

تقوى الله:

قال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر: 20]؛ قال ابن كثير: «أي مساكن عالية طباق بعضها فوق بعض»[4].

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أَيْ هِيَ جَامِعَةٌ لِأَسْبَابِ النُّزْهَةِ.

 

الغدو إلى المسجد والرواح:

ومن أسباب الحصول على بيت في الجنة: المحافظة على صلاة الجماعة، فالله سبحانه كريم يكرم زائره، ويغدق عليه العطاء، عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ‌غَدَا ‌إِلَى ‌الْمَسْجِدِ ‌أَوْ ‌رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» [5].

 

• وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والنُّزُل (بضم النون والزاي): المكان الذي يُهيأ للنزول فيه، (وبسكون الزاي): ما يُهيأ للقادم من الضيافة ونحوها[6].

 

• وقال ابن عثيمين رحمه الله: «وظاهرُ الحديث أن من غدا إلى المسجد أو راح، سواء غدا للصلاة أو لطلب علم، أو لغير ذلك من مقاصد الخير - أن الله يكتب له في الجنة نزلًا»[7].

 

سدُّ فُرجة في الصلاة:

أحبتي في الله: من الأمور التي يستهين بها كثير من الأخيار، وقد رتَّب عليها النبي المختار صلى الله عليه وسلم الأجر العظيم والثواب الكريم، سد الفُرج في الصلاة، فمن سد فرجة بنى الله له بيتًا في الجنة؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ‌سَدَّ ‌فُرْجَه ‌بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا فِي الْجَنَّة، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَة»[8].

فكيف يزهد في هذا الأجر من الإخوان، وإن سد الفرجة ليستغرق نحو ثوان؟!

 

صلاة اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة:

ومن أسباب حصول القصور في الجنة أن يثابر ويواظب المسلم على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة، وهنَّ السننُ المؤكدة عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ‌ثَابَرَ ‌عَلَى ‌اثْنَتَيْ ‌عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ»[9].

 

صلاة الضحى أربعًا وقبل الظهر أربعًا:

إخوة الإسلام ومن موجبات الجنان صلاة الضحى، وصلاة أربع ركعات قبل الظهر؛ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى ‌الضُّحَى ‌أَرْبَعًا، ‌وَقَبْلَ ‌الْأُولَى أَرْبَعًا بُنِيَ لَهُ بِهَا بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ»[10].

قال الألباني: والمراد بالأولى: صلاة الظهر فيما يبدو لي، والله أعلم.

 

قراءة سورة الإخلاص عشر مرات:

وهذا أمر يسير وأجره عظيم أن تقرأ سورة الإخلاص عشر مرات، فيبني لك رب الأرض والسماوات بيتًا في الجنة: عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ‌حَتَّى ‌يَخْتِمَهَا ‌عَشْرَ ‌مَرَّاتٍ، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ»، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذًا نَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ» [11].


[1] أخرجه أحمد (2/ 445، رقم 9742)، وهناد في الزهد (1/ 106، رقم 130)، والترمذي (4/ 672، رقم 2526) قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3116 في صحيح الجامع

[2] تفسير ابن كثير (3/ 714).

[3] أخرجه: الترمذي (1021) وقال: «حديث حسن غريب» صَحِيح الْجَامِع: 795، الصَّحِيحَة.

[4] تفسيره (4/ 64).

[5] أخرجه البخاري (662)، ومسلم (669).

[6] الفتح (2/ 183).

[7] شرح رياض الصالحين (3/ 202).

[8] أمالي المحاملي (36/ 2)، الصحيحة (1892)، تعليق الألباني هذا إسناد صحيح،

[9] أخرجه ابن أبى شيبة (2/ 19، رقم 5975)، والترمذي (2/ 273، رقم 414) [صحيح الجامع: 6183].

[10] المعجم الأوسط (4753)، تعليق الألباني حسن، صحيح الجامع (6340)، الصحيحة (2349).

[11] أحمد (15648)، تعليق الألباني حسن، صحيح الجامع (6472)، الصحيحة (589).

_______________________________________________________________
الكاتب: السيد مراد سلامة