الإنسان والانفجار التقني

منذ 2023-03-30

ما الذي انعكس على حياة الإنسان حينما أصيب بتخمة اللذة، وسرعة الوصول، وتوافر المغريات، للحد الذي أصبحت فيه المغريات موجودة على أرفف المحلات الافتراضية وبأبخس الأثمان.

لا شك أن حاضرنا اليوم يعادل عقودًا من البحث والتصنيع، ولا شك أن إنسان اليوم يتمتع بحاضر متصاعد بالعلم والنبوغ الصناعي التقني، هذه التقدمات التقنية التي جعلت الإنسان متمرسًا في صنع الرفاهية والراحة، ونشر أساليب التسارع شيئًا فشيئا، حتى غدت الحياة سويعات، لا تكاد تسجّل في دفتر الأيام، حتى تطوى مع سجلات التاريخ. “تسارع الزمان” هذا هو المصطلح الذي نبحث عنه، وسيشرح الوضع والحالة، حتى وإن كان ذا مدلول مختلف لا يستوجب استعماله هنا. الحياة أصبحت أسرع والوصول إلى أي مَطلب أسهل.

لكن ما الذي انعكس على حياة الإنسان حينما أصيب بتخمة اللذة، وسرعة الوصول، وتوافر المغريات، للحد الذي أصبحت فيه المغريات موجودة على أرفف المحلات الافتراضية وبأبخس الأثمان. ما الذي يسعى إليه الإنسان المعاصر؟ وهل تغيرت القناعة العامة عن تعريف السعادة؟ أذكر أنّي سمعت أحد ضيوفِ لقاءٍ تلفزيونيّ يشير إلى السعادة بأنها “لحظات” لحظات فحسب، ولم يزدني الأمر قبلها قناعة مطلقًا، فإن كانت السعادة لحظات فهل كثرتها في زمن التكنولوجيا سيؤدي مؤخرًا لإبادة معناها؟ خصوصًا مع توالد اللحظات وإنتاج الدوبامين بإسراف لحظة فلحظة. 

ربما الإجابة عن التساؤلات حتمًا ستكون منطقية في حضرة ولادة مصطلح جديد وعلاج نفسي جديد وفقًا للدكتور كاميرون سيمبا، حيث يصف “صيام الدوبامين” بأنه الوصفة الجديدة لتهذيب وجود هذا الهرمون؛ فقط لتقليل الاعتمادية على الشعور بالمكافأة المستمر، وتكرار الشعور بالبهجة الوهمية، أو ربما ليس لدي الحق باستيهامها، ولكن على الأصعدة البشرية الطبيعية لن تعتبر بهجةً ذات ديمومة، وهذا السبب هو الأصل في كونها خطرة إلى حد الإدمان.

جرعات تتلو جرعات من التهام أفكار ومشاعر الآخرين على الإنترنت، قد تجعل الإنسان مسخًا أدنى لا يستطيع استيعاب وضعه في كل تلك المعادلات -الذي هو خارجها- كمؤثر لا حاجة له، مجرد متلقي ومستمع، وبلا أي تردد نستطيع الجَزم بأن هذا الشعور المستمر بالتنكير و التهزيل الذاتي سيجعل الإنسان يدخل في دواماتٍ لا يريدها، يقرر خلالها مكانته الحق فلا يجد ما يعرف به نفسه، ولا ما يشكرها عليه فتتغير و تتشوه نظرته لذاته وقد نصل إلى مرحلة لا يحمد عقباها. 

تتزايد أزمة الإنسان المعاصر وفوق حدودها التحمل حينما يشعر أنه يهاجم في كيف يقضي جل يومه، ويبعث الأمر في أعين الكثير اضطرابًا واضحًا حينما يشعر أن حياة الآلة تسلبه حياته الواقعية، وأزعم أن جميع الإسقاطات على إنسان اليوم -وإن كثُرت- ما دامت لا تستجلب حلولًا واضحة تأخذ مأخذ الإصلاح، أو التعامل مع حياة جديدة بأطيافها الجيدة والسيئة؛ ستبقى إسقاطات جوفاء، لن تبني ولن تهدم، فلذلك نشجع المرء على البحث عن تقنيات للعلاج والتوسّط والاعتدال، لا إلى القطع والنزع والانعزال، وأستحث القارئ على التزود في فهم سيكلوجيته في ظل وجود مفهوم الآلة، وأن يتوقف عن إنكار فضل الفولاذية هذه أو السحابية بشكل أدق على حياة البشرية، وعليه أن يتزود في معرفة ذاته وكيف يتكيف عقله متأثرًا بنسب عالية من الدوبامين وإلى حفنة دوبامين أخرى تجترنا على الكتابة. 


بقلم: آزادة

تدقيق: غدي العصيلي