المؤمن كالنخلة

منذ 2023-04-27

"الذي يتصف بصفة الإيمان ينبغي أن يكون نافعًا أينما حَلَّ أو ارتحل، فالخيرُ في كلامه وسعيه، حتى في صمته"

الذي يتصف بصفة الإيمان ينبغي أن يكون نافعًا أينما حَلَّ أو ارتحل، فالخيرُ في كلامه وسعيه، حتى في صمته، مثله في ذلك مثل شجرة النخيل؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ مِن الشَّجَرِ شجرةً لا يسقُطُ ورقُها، وهي مثل المسلم» (وفي رواية: «المؤمن» «حدِّثوني ما هي»؟ فوقَعَ الناسُ في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبدالله: فاستحييتُ (وذلك لوجود أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما - في المجلس)، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة»، قال عبدالله: فحدَّثْتُ أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحَبُّ إليَّ مِنْ أن يكونَ لي كذا وكذا، وفي رواية أحَبُّ إليَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ.

 

هذه مسابقة عقَدَها النبي صلى الله عليه وسلم بين الحاضرين؛ حتى يُفكِّر الحاضرون في مقصد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم تأتِ الإجابةُ من أحد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله، ولماذا النخلة؟ قال العلماء: وشبَّه النخلة بالمؤمن أو المسلم في كثرة خيرها، ودوامِ ظِلِّها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها، لا يزال يُؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس، يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها، وورقها، وأغصانها، فيستعمل جذوعًا، وحطبًا، وعصِيًّا، وحصرًا، وحبالًا، وأواني، وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها، وينتفع به علفًا للإبل، ثم جمال نباتها، وحسن هيئة ثمرها، فهي منافع كلها، وخير وجمال، كما أن المؤمِنَ خيرٌ كُلُّه من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه، ويُواظِب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصَّدَقة والصِّلة، وسائر الطاعات، وغير ذلك، فبركةُ النخلةِ موجودةٌ في جميع أجزائها، مستمرةٌ في جميع أحوالها، وكذلك بركة المؤمن عامَّة في جميع الأحوال، ونفعُه مستمرٌّ له ولغيره حتى بعد موته، والعجيب من ذلك كله أن النخلة تُضرَب بالأحجار فتردُّ بأطيب الثَّمَر، وكلَّما اشتدَّ الضربُ اشتدَّ الردُّ بالثمر، والمؤمن كذلك، فهو لا يردُّ السيئة بمثلها؛ ولكن يعفو ويصفح، فهو مثالٌ للخير في كل سلوكه.

________________________________________________
الكاتب: كمال عبدالمنعم محمد خليل