كيف أستيقظ لصلاة الفجر؟
فأقلُّ ما ينبغي القيام به طول نهارك هو البعد عن المعاصي، وإلا كيف تتوقعين أن يُعينك الله على الاستيقاظ لصلاة الفجر، وأنت مفرِّطة في حقه على مدار اليوم
لصلاة الفجر وسُنَّتها وقرآنِها فضلٌ كبير، ومكانة عظيمة، ومع ذلك تكثر الشكوى من صعوبة الاستيقاظ لأدائها.
وكثيرًا ما يُقال:
• لقد نمتُ مبكرًا.
• وضبطت المنبه على وقت الصلاة.
• وكلَّفتُ من الأهل والأصدقاء من يُعينني على الاستيقاظ.
• ومع كل ذلك لا أستيقظ لصلاة الفجر!
ثم يبدأ الخوف والقلق يتسرب للقلب حين قراءة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْوًا»؛ (رواه البخاري ومسلم).
ومن هنا تبدأ الحيرة والتساؤل: لماذا لا أستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر؟!
والجواب في كلمات ذكَرَها ابنُ تيمية رحمه الله موضِّحًا مصدر الخلل، حيث قال:
(وطائفة أخرى قد يقصدون طاعة الله ورسوله، لكن لا يحقِّقون التوكل عليه والاستعانة به، فهؤلاء يُثابون على حسن نيَّتهم وعلى طاعتهم؛ لكنهم مخذولون فيما يقصدونه؛ إذ لم يحققوا الاستعانة بالله والتوكل عليه؛ ولهذا يُبتلى الواحد من هؤلاء بالضعف والجزع تارةً، وبالإعجاب أخرى، فإن لم يحصل مراده من الخير كان لضعفه، وربما حصل له جزَع، فإن حصل مراده، نظر إلى نفسه وقوَّته؛ فحصل له إعجاب، وقد يُعجب بحاله فيظن حصول مراده فيُخذَل، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25].
إلى قوله: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 27])؛ مجموع فتاوى ابن تيمية.
وهذا واقع ومُشاهَدٌ في حياتنا؛ فكل مَن قام بعمل أو طاعة، ولم يستعِن بالله، يجد نفسَه:
• إذا لم يتحقق مراده، يصيبُه الهم والحزن.
• وإذا تحقَّق، أصابه العُجب، وربما الغرور؛ لظنِّه أن تحقُّق مرادِه كان بفضله هو وقوته، وهنا يخذلُه الله؛ ليُهذِّبه.
وبالتالي كانت الاستعانة بالله بالدعاء واللجوء إليه سبحانه وتعالى، والافتقار بين يديه - هي من أهمِّ ما يعين الإنسانَ على الطاعات، بالإضافة إلى الأَخْذ بالأسباب الدُّنيوية؛ من النوم مبكرًا، وضبط المنبه، وغيرها.
لذلك؛ أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام معاذَ بن جبل رضي الله عنه وقال: «يا معاذ، أوصيك ألا تدعَنَّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنِّي على ذِكرِك، وشكرك، وحسنِ عبادتك»؛ (صحيح ابن حبان).
ودبر الصلاة هو: نهايتُها؛ أي: قبل التسليم، كما قال بعض أهل العلم.
والاستعانة بالله تستلزم الشعورَ بعظمة الله وقدرته، ومعرفة أسمائه وصفاته، والتيقُّن أنه لا حول لك ولا قوة إلا به سبحانه.
يقول ابن رجب رحمه الله:
(مَن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره، وَكَلَه الله إلى من استعان به، فصار مخذولًا، وهو كذلك في أمور الدنيا؛ لأنه عاجزٌ عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضارِّه، ولا معينَ له على مصالح دينه ودنياه جميعًا إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المُعان، ومن خذله الله فهو المخذول.
وهذا هو تحقيق معنى قول العبد: لا حول ولا قوة إلا بالله، والمعنى: أن العبد لا يتحوَّل حاله من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك - إلا بالله عز وجل)؛ جامع العلوم والحكم.
لكِنْ هناك أمرٌ هام لمن يرغب في الاستعانة بالله، وهو تذكر اللهِ في الرخاء (طَوال اليوم)؛ ليتذكَّرك الله في الشدة (وقت الفجر).
فأقلُّ ما ينبغي القيام به طول نهارك هو البعد عن المعاصي - قدرَ المستطاع - من غيبة ونميمة، وتضييع الأوقات، وإطلاق البصر، وتأخير الصلوات وغيرها.
وإلا كيف تتوقعين أن يُعينك الله على الاستيقاظ لصلاة الفجر، وأنت مفرِّطة في حقه على مدار اليوم، ومقصرة في العمل الصالح والطاعات؟
والاستعانة بالله هي كمالُ الذلِّ والخضوع له سبحانه، مع الثقة الكاملة بالله والاعتماد عليه.
فأساسها اللجوءُ إلى الله، والتضرع إليه، والذل والانكسار بين يديه سبحانه، وهذا أمر لا يستطيع تحقيقَه من كان مفرِّطًا في حق الله عاصيًا له.
لذلك؛ لِتكن البداية بالتقرب إلى الله في يومك، والبعد عن المعاصي والذنوب قدر المستطاع، مع ملازمة الاستغفار والتوبة، لتكوني أهلًا لإعانة الله لك.
وفي كل مرة تردِّدين سورة الفاتحة في كل صلاة، حاولي أن تستشعري قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
وتذكَّري "إذا رأيت ثباتَ الإنسان في الفتن - مع كثرة المغريات، وقِلة الناصر - فاعلمي أن لهذا ثمنًا أيام الرخاء، وهو حسن الصلة بالله، والصدق معه"؛ دكتور عمر بن عبدالله المقبل، بتصرف يسير.
أسأله سبحانه أن يثبِّت قلبي وإياكن على دينه، وألا يزيغ قلوبنا بعد أن هدانا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
سوزان بنت مصطفى بخيت
كاتبة مصرية
- التصنيف: