افرح لهم تكن منهم!
جعل الله فرح المؤمنين واحدا وحزنهم واحدا فقال {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} لأن ولايتهم وعصبيتهم وحميتهم واحدة {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}..
جعل الله فرح المؤمنين واحدا وحزنهم واحدا فقال {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} لأن ولايتهم وعصبيتهم وحميتهم واحدة {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}..
وكذلك أخوتهم في الله واحدة {إنما المؤمنون إخوة} وليس هذا أمرا لهم بأن يكونوا إخوة! بل إخبار عنهم بأنهم كذلك، فلا يكونون بالإيمان إلا إخوة، وذلك أن الله جعل الإيمان نفسه رحما بينهم، وروحا منه تؤلف قلوبهم، بها يتعاطفون، ولأجلها يتراحمون، بلا تكلف منهم، كما يتعاطف أبناء الأب الواحد بالفطرة والطبيعة، وهي آية من آيات الله فيهم {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم}، ولهذا قال ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»..
فكما أن أعضاء الجسد لا تتكلف هذا التداعي للعضو المريض بالسهر والحمى؛ كذلك لا يتكلف المؤمنون هذا التداعي والتعاطف بينهم، بل يجدون أنفسهم مضطرين إليه اضطرارا لا يستطيعون دفعه عن أنفسهم، فيفرح المسلم لفرح عامة المسلمين في أي بلد، ويحزن لحزنهم، وذلك لأن أخوة الإيمان أشد أثرا وأعظم خطرا من أخوة الدم!
وإنما يفقد هذا الإحساس في الأمة طائفتان انفصمت عُرى الأخوة بينهم وبينها لاختلال مفهوم الإيمان عند هاتين الطائفتين:
الطائفة الأولى: المنافقون وذلك أنهم ليسوا من المسلمين في الحقيقة لانعدام الإيمان أصلا، فانعدمت الأخوة التي هي ثمرته تبعا، وإن تظاهروا بالإسلام نفاقا {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم}..
وكل من تولى أعداء الأمة فليس منها: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} ولهذا لا يفرح المنافقون أبدا لفرح المسلمين، ولا يحزنون لحزنهم، ولا يجاهدون معهم، بل على العكس {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها}!
والطائفة الثانية: الخارجون على الأمة وجماعتها وما عليه أكثرها وعامتها، سواء خرجوا عليها بسيف، أو فارقوها برأي، عصبية لأفكارهم وجماعاتهم، أو طوائفهم، أو قبائلهم، أو أحزابهم، أو دولهم، وملوكهم، أو شيوخهم، كما قال ﷺ: «ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم» ، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: «وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين، عباد الله»
وقال ﷺ: «من خرج على أمتي .. فليس مني»، وقال: «الزم جماعة المسلمين»..
وإنما الخروج على الأمة هو الخروج على جماعتها وأكثرها، وهم السواد الأعظم منها، وعامتها، كما قال عمر بن العزيز: (إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة)!
وهذا السر الذي يحول بين كثير من الجماعات ومشاركة الأمة وشعوبها فرحها حين تفرح، وحزنها حين تحزن، وجهادها حين تجاهد، حيث يرى أتباعها بأن جماعاتهم هي الجماعة الأم، وليس الأمة وشعوبها، أو يرونها الفرقة الناجية، أو الحزب الحق، فلا يفرحون إلا حين تظفر الجماعة والحزب، ولا يحزنون إلا حين تُنكب الجماعة والحزب، ولا يجاهدون إلا حين تجاهد جماعاتهم، فإن وافق ذلك فرح الأمة وشعوبها وجهادها فهو بالتبع لفرح جماعاتهم وجهادها، ولولاه لما فرحوا ولا جاهدوا!
وإنما هي أوهام استجرهم الشيطان بها، فأقام لهم من جماعاتهم وأحزابهم وفصائلهم أمة من دون الأمة، وسبيلا دون سبيلها، فهم خارجون عليها، مفارقون لجماعتها، من حيث يظنون أنهم منها وفي طليعتها: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء}!
حاكم المطيري
أستاذا مساعد بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت
- التصنيف: