أعيدوا للجمعة مكانتها

منذ 2023-06-02

يوم الجمعة يوم عظيم، جعله الله تعالى عيدًا للمسلمين، وهو أفضل عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر.

يوم الجمعة يوم عظيم، جعله الله تعالى عيدًا للمسلمين، وهو أفضل عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر.

 

روى الإمام مالك عن الزهري، عن ابن السباق، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يا معشر المسلمين، هذا يومٌ جعله الله تعالى عيدًا للمسلمين، فاغتسلوا، ومن كان عنده طِيبٌ، فلا يضره أن يمَسَّ منه، وعليكم بالسواك» [1].

 

وعن أبي لبابة بن عبدالمنذر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خِلال؛ خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفَّى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل اللهَ فيها العبدُ شيئًا إلا أعطاه، ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من مَلَكٍ مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهُنَّ يُشْفِقْنَ[2] من يوم الجمعة» [3].

 

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه أُدخِل الجنة، وفيه أُخرِج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» [4].

 

فضائل يوم الجمعة:

يوم الجمعة فضائله كثيرة، وفوائده وفيرة:

1- صلاة فجر الجمعة أفضل الصلوات عند الله:

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة» [5]، أفضل الصلوات على الإطلاق، وهذا لا يدل على شيء إلا على عظمة هذا اليوم العظيم.

 

٢ - يوم الجمعة يوم تحصيل الحسنات، وتعلية الدرجات:

عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة وغسَّل[6]، وبكَّر وابتكر،[7] ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة؛ صيامها وقيامها» [8].

 

قال بعضهم: لم نسمع في الشريعة حديثًا صحيحًا مشتملًا على مثل هذا الثواب.

 

٣- يوم الجمعة فيه ساعة، يُجاب فيها الداعى، ويُعطى فيها السائل:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يوم الجمعة، فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ، وهو قائم يصلي[9]، يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يُقلِّلها» [10].

 

وقد اختلف العلماء في تعيين هذه الساعة على أقوال؛ أرجحها أنها آخر ساعة بعد عصر يوم الجمعة، يعقبها غروب الشمس.

 

عن جابر بن عبدالله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوم الجمعة ثنتا عشرة، منها ساعة، لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئًا، إلا أتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر» [11].

 

فحرِيٌّ بكل مسلم إذا دخلت الساعة الأخيرة من هذا اليوم العظيم، أن يبدأ بذكر الله عز وجل، وأول ما يبدأ به أذكار المساء؛ كما قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]، ثم يسأل الله تعالى من فضله، ويدعوه بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، فإن الله تعالى معطيه سؤلَه، ومجيبٌ دعاءه.

 

4- من مات يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، وكان من أهل الإيمان، وقاه الله تعالى عذاب القبر:

عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله فتنة القبر» [12].

 

5- صلاة الجمعة كفَّارة لذنوب عشرة أيام:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غُفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، ومن مَسَّ الحصى فقد لغا» [13].

 

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات لِما بينهن إذا اجتُنب الكبائر» [14].

 

حقوق الجمعة وآدابها:

وللجمعة حقوق وآداب، وجب على من رام فضلها، ورجا ثوابها، أن يقوم بهذه الآداب، ويعتني بهذه الحقوق:

١- الاغتسال لها، والتطيب، ولُبْسُ أحسن الثياب:

عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة، ولَبِس من أحسن ثيابه، ومَسَّ من طِيبٍ إن كان عنده، ثم أتى الجمعة، فلم يتخطَّ أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له[15]، ثم أنصت إذا خرج إمامه، حتى يفرُغ من صلاته - كانت كفارةً لما بينها وبين جمعته التي قبلها» [16].

 

وعن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طُهْرٍ، ويدَّهن من دُهْنِهِ، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام، إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» [17].

 

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» [18]؛ أي: بلغ الحلم.

 

وعن أبي هريرة قال: ((بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة، إذ دخل عثمان بن عفان، فعرَّض به عمر، فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، ما زدت حين سمعت النداء أن توضَّأت، ثم أقبلت، فقال عمر: والوضوء أيضًا؟ ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل))[19].

 

وكان صلى الله عليه وسلم يدعو إلى اتخاذ ثياب خاصة بالجمعة.

 

فعن عبدالله بن سلام، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول على المنبر في يوم الجمعة: «ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوب مهنته» [20].

 

٢- الحرص على التبكير إلى الجمعة، والحذر من التأخر عنها:

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالتبكير إلى الرواح إلى المسجد يوم الجمعة، ويحذر من التأخر عنها، فالتبكير إليها واجب شرعًا، والتأخر عنها محرم شرعًا.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة[21] ثم راح، فكأنما قرب بَدَنَةً، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشًا أقرنَ، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمام[22]، حضرتِ الملائكة يستمعون الذكر» [23].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة، كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكةُ يكتبون الأولَّ فالأول، فإذا جلس الإمام[24]، طَوَوا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر» [25].

 

وعن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احضُروا الجمعة، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لَيتخلف عن الجمعة حتى إنه ليتخلف عن الجنة، وإنه لمن أهلها» [26].

 

وفي رواية عند الحاكم: «فإن الرجل لَيكون من أهل الجنة، فيتأخر عن الجمعة، فيُؤخَّر عن الجنة، وإنه لمن أهلها» [27].

 

وعن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرًا فقال: «تقدموا فَأْتَمُّوا بي، وليأتمَّ بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله» [28].

 

ومن تأخير الله لهم أن يحرمهم الله الجمعة مرة بعد مرة، ثم يطبع على قلوبهم، فتُكتب عليهم الغفلة، ويحل بهم الشقاء؛ فعن عبدالله بن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهما، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: «لينتهيَنَّ أقوام عن وَدْعِهِمُ الجمعات، أو ليختمَنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين» [29].

 

3- الحذر من اللغو، ومن تخطي الرقاب:

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لَغَوتَ» [30].

 

وفي رواية مسلم: «ومن مس الحصى فقد لغا».

 

وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يلغو يوم الجمعة ليس له نصيب إلا اللغو؛ فقال: «يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطَّ رقبةَ مسلم، ولم يؤذِ أحدًا، فهي كفارةٌ إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام؛ وذلك بأن الله عز وجل يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] [31].

 

ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يتخطى الرقاب يوم الجمعة، فقال له: «اجلس فقد آذيت وآنيت» [32].

 

٤- قراءة سورة الكهف يوم الجمعة:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين» [33].

 

5- الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام:

عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِقَ آدم، وفيه النفخة[34]، وفيه الصعقة[35]؛ فأكْثِرُوا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ، - فقال رجل: يا رسول الله، كيف تُعرَض صلاتنا عليك وقد أَرِمْتَ؟ - يعني بَلِيتَ - فقال: إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» [36].

 

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا عليَّ من الصلاة في كل يوم جمعة؛ فإن صلاة أمتي تُعرَض عليَّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليَّ صلاةً، كان أقربهم مني منزلةً» [37].

 

واعلم أُخَيَّ:

أن المقصود الأعظم من يوم الجمعة هو سقيُ الروح، وزيادة العلم والإيمان، ولا يكون ذلك إلا بالاستعداد لها، والتبكير إليها، وتعظيمها، والبحث عن المكان الجيد الذي تستفيد منه، ويزيد فيه إيمانك، ولو ستركب له، وتسافر إليه.

 

وقد قيل: من صحَّت جمعته صحَّ أسبوعه، ومن صح رمضانه صح عامه، ومن صحت حِجَّته صح عمره.

 


[1] موطأ مالك.

[2] من الإشفاق؛ وهو الخوف من أن تكون الساعة.

[3] صحيح سنن ابن ماجه.

[4] رواه مسلم.

[5] أخرجه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع، والصحيحة.

[6] تأكيد على الغسل، أو أن المعنى أن يكون الإنسان سببًا في اغتسال غيره.

[7] تأكيد على التبكير.

[8] رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني.

[9] قيل: معناها يدعو، وقيل: المعنى على ظاهره من الصلاة، وهذه الساعة على ما ترجح ساعةٌ نُهي عن الصلاة فيها، فيكون المعنى أنه في المسجد، واللابث في المسجد لانتظار الصلاة، كأنه في صلاة.

[10] البخاري ومسلم.

[11] صحيح سنن أبي داود.

[12] صحيح سنن الترمذي.

[13] رواه مسلم.

[14] رواه مسلم.

[15] صلاة ضحى، أو تطوع مطلق، مع مراعاة وقت النهي، وهو قبيل الظهر.

[16] صحيح سنن أبي داود.

[17] رواه البخاري.

[18] متفق عليه.

[19] متفق عليه.

[20] صحيح سنن ابن ماجه.

[21] أي: غسلًا كغسل الجنابة، أو يكون غسل الجنابة مقصودًا.

[22] من حجرته إلى منبره.

[23] متفق عليه.

[24] يعني: على المنبر.

[25] متفق عليه.

[26] رواه أحمد والبيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

[27] انظر: الصحيحة.

[28] رواه مسلم.

[29] رواه مسلم.

[30] رواه البخاري.

[31] صحيح سنن أبي داود.

[32] رواه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وصححه الألباني. آذيت: أي الناس بتخطيك، آنيت: أي أخرت المجيء وأبطات.

[33] رواه البيهقي، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

[34] أي: الثانية.

[35] أي: النفخة الأولى.

[36] رواه أبوداود وابن ماجه وصححه الألباني.

[37] رواه البيهقي.

_________________________________________________________
الكاتب: د. شريف فوزي سلطان