من كنوز الأضحى ( الانتقال من خير إلى خير)
المسلم ينظر إلى مواسم الخير نظرة من يتعلم منها ويعتبر.. فما من موسم من مواسم الخير إلا وفيه من الفوائد والدروس والكنوز ما ينفعنا في الدنيا والآخرة...
التكبير تسعا.. ثم نبدأ:
أيها الإخوة الكرام: ديننا دين التوازن، ديننا دين العدل، دين الإنصاف في الأمور كلها يقول رب العالمين سبحانه وتعالى ﴿ {وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }
إذا كنا اليوم نحتفل بعيدنا الأكبر، فإن من هدي المسلم ألا يقف مع هذه المواسم موقفا (سطحيا) لا يقف المسلم مع مواسم الخير على أنها مناسبة سعيدة يعيشها بين اللهو واللعب ثم تمضي..
ولكن المسلم ينظر إلى مواسم الخير نظرة من يتعلم منها ويعتبر..
فما من موسم من مواسم الخير إلا وفيه من الفوائد والدروس والكنوز ما ينفعنا في الدنيا والآخرة...
ومن كنوز عيد الأضحى:
أن يتعلم المسلم كيف يكون عالى الهمة، مسارعا إلى الطيبات، سباقا إلى الخيرات..
اقتضت حكمة الله تعالى أن يبتلى الخليل إبراهيم عليه السلام بجملة من المحن والبلايا..
ابتلاه في قومه { ﴿ قَالُوا۟ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓا۟ ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَٰعِلِينَ ﴾}
ابتلاه في والده {﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءَالِهَتِى يَٰٓإِبْرَٰهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَٱهْجُرْنِى مَلِيًّا ﴾}
ابتلاه في زوجه فقد كانت عقيما لا تلد..
ابتلاه في ولده {﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يَٰبُنَىَّ إِنِّىٓ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّىٓ أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ }
اقتضت حكمة الله تعالى أن يبتلى الخليل إبراهيم عليه السلام في ماله، ابتلاه بإطعام الطعام، وضيافة الضيفان، وابتلاه برفع قواعد البيت الحرام....) فأتي إبراهيم بكل ما أمره الله به، وصبر على كل ما ابتلاه الله به، ووفى بكل ما عاهد الله تعالى عليه قال الله تعالى { ﴿ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰٓ إبراهيم رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾}
عاش إبراهيم عليه السلام حياته كلها لله عاش عالى الهمة، سباقا إلى الخيرات، مسارعا إلى الطيبات وكم نحن بحاجة في مثل يومنا هذا إلى مثل هذا ( الملمح) خاصة في هذا الزمن الذي شاخت فيه الهمم، وتسلل فيه العجز والكسل وربما التفريط والتساهل وربما الغفلة إلى كثير من القلوب المسلمة..
الله سبحانه وتعالى: يحب المعالى في الأمور كلها، يحب أن يراك عالي الهمة، يحب أن تكون في أعلى وأرقى المنازل والدرجات في الدنيا والآخرة...
الم تروا إلى قول الله تعالى {﴿ وَسَارِعُوٓا۟ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾} ألم تروا إلى قول الله تعالى {﴿ سَابِقُوٓا۟ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ﴾ }
هذا المعنى الدقيق نستشعره أكثر ما نستشعره في هذه الأيام التي نحن فيها، فبالأمس القريب كان الحديث عن العشر أيام الأول من ذي الحجة وعن بركة العمل الصالح فيها.. عن الحج، عن العمرة، عن الصيام، عن الصدقة،عن التسبيح، عن التهليل، عن التكبير، عن التحميد،عن بذل المعروف، عن إطعام الطعام، عن إفشاء السلام، عن إدخال السرور على قلوب الناس..
من باب الإعانة على فعل الخيرات، ومن أجل أن تبقى عالي الهمة، الله سبحانه وتعالى يفتح لك أبواب الخيرات بابا من بعد باب فحياة المسلم من المهد إلى اللحد تقوم على الحركة والمجاهدة والسعي من خير إلى خير ومن طاعة إلى طاعة ومن عبادة إلى عبادة..
فمن العمل الصالح في (عشر ذي الحجة) إلى العمل الصالح في( يوم العيد وأيام التشريق) أيام الفرح بنعمة الله تعالى، أيام يسمح فيها بالمباح من الترويح عن النفس، أيام الأكل والشرب، أيام الصدقة وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، وكفالة الأيتام.. «قال أبو هُرَيْرَةَ رضى الله عنه بَعَثَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ يَطُوفُ فِي مِنًى أَنْ لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ..
قال الله تعالى { ﴿ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ فِىٓ أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ ۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾}
في مثل هذه الأيام وأول ما شرعت الأضاحي نهى رسول الله أصحاب الأضاحي ( من ذبح شاة من ذبح بقرة،من نحر جملا) نهاهم رسول الله أن يدخروا من لحوم الذبائح شيئا فوق ثلاثة أيام، أمرهم أن يتصدقوا بها على الفقراء والمساكين..
لأن ( الأضاحي) شرعت أول ما شرعت في وقت حاجة وشدة، فلما كثرت الفتوحات وكثرت الغنائم والأنفال ووسع الله تعالى على المسلمين،قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام « إِنَّا كُنَّا نَهَيْنَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ كَيْ يَسَعَكُمْ فَقَدْ جَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالسَّعَةِ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتصدقوا أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» ..
قال الله تعالى { ﴿ لِّيَشْهَدُوا۟ مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا۟ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىٓ أَيَّامٍ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۖ فَكُلُوا۟ مِنْهَا وَأَطْعِمُوا۟ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ ﴾}
ليست أيام العيد وأيام التشريق أيام غفلة، ولا أيام كسل، ولا أيام تفريط وتقصير في حق الله سبحانه وتعالى..
أيام العيد للفرح، وللأكل، وللشرب المصحوب بنية صالحة هى نية الترويح عن النفس حتى يعود المسلم نشيطا إلى طاعة الله سبحانه وتعالى..
وهكذا يبقى المسلم موصولا بربه في حياته كلها، يفرغ من عمل صالح فيدخل في عمل صالح آخر ، يفرغ من عبادة فينتقل إلى أختها وما ( عشر ذي الحجة) وما (أيام العيد والتشريق) إلا مثل من الأمثلة
قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلّم { ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ ﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾ ﴿ ٱلَّذِىٓ أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ ﴿ فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ ﴿ إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا ﴾﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ ﴾﴿ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَب ﴾}
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا حج البيت الحرام، ونسأله بأسماءه الحسنى وصفاته العلا أن يعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار....
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: