الله أكبر

منذ 2011-10-22
الله أكبر
الكـاتب : عبد الرحمن بن صالح العشماوي

المختار الإسلامي



هكذا تشرق علينا شمس أيام عشر ذي الحجة كلَّ عام لتعيد إلى نفوسنا أملاً مشرقًا، وتملأ قلوبنا بيقين متجدِّد، ولتذكرنا بالخالق العظيم الذي أحاط بكل شيء علمًا، ولتدعونا إلى أن نرطِّب ألسنتنا بالذكر والدعاء والتكبير.

الله أكبر، الله أكبر.. يردِّدها المسلم عشرات المرَّات ليكون على يقين من أنَّ ربَّه -عز وجل- أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، وليظل على صلةٍ بربه مهما كانت صوارف الدنيا وشواغلها، ومهما كانت مصائب الحياة وغوائلها، ومهما كان تسلُّط المتسلطين، وجبروت المتجبرين.

تشرق علينا شمس عشر ذي الحجة لتضيء لنا دروب الحياة بنور الإيمان، ولتكشف لنا حُجُب الوهم والهوى واللّهو فنرى نور الحق ساطعًا، ونرى مئات الآلاف من المسلمين يتدفقون إلى المشاعر المقدسة مسبحين مهللين مكبرين، فندرك أن دعوة إبراهيم -عليه السلام- ما تزال وستظلُّ تجلجل في آفاق هذا الكون حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

الله أكبر ما أروعك يا عشر ذي الحجة!، وما أعظم مكانتك في النفوس!، لأنك تنقلين المسلم من ضعف نفسه ووهنها إلى قُوة كامنة في إعماقه يبعثها التكبيرُ لتكون صامدة أمام ضلال المضلين، وظلم الظالمين، وتفريط المفرّطين، وتنطُّع المتنطّعين، الله أكبر من مظاهر القوى البشرية الصاخبة التي تجوب العالم طولاً وعرضًا دون مراعاة لحق ضعيف، أو أمن صغير، أو سلامة روح.

الله أكبر، من كل هذه الطائرات والصواريخ والقاذفات، والقنابل، والغازات التي تلقى على الناس كما تلقى على الحشرات.

الله أكبر من كل هذه الأهواء والشهوات، والأفكار المنحرفة والشبهات التي يموج بها عالم اليوم دون مراقبة لعظمة الله ولا خوف منه -سبحانه وتعالى- {وّمّا قّدّرٍوا اللَّهّ حّقَّ قّدًرٌهٌ} [الزمر: 67].

الله أكبر.. إذا نطق بها اللسان، واستشعر معناها القلب نقلت قائلها من الخوف إلى الأمن، ومن الضعف إلى القوة، ومن الذلّة إلى العزَّة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن رجاء العباد إلى رجاء ربٍّ العباد، ومن الحيرة والاضطراب إلى اليقين والاستقرار.

«ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهنَّ من هذه الأيام العشر-يعني عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلاَّ رجلاً خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء» (رواه الترمذي).

ما هذا الكنز العظيم؟ وما هذا الخير العميم؟، ألا تستحق هذه الأيام أنْ ترتفع فيها الأصوات بالتكبير والتحميد؟، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، تكبيرٌ يحمل معاني التعظيم للذي خلق هذا الكون وقدَّر مقاديره، الذي حفظ هاجر ورضيعها في واد غير ذي زرع، وفجر لهما ماء زمزم المبارك، وجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهما، ورعى بقدرته ذلك الرضيع حتى ترعرع ونما، وبنى مع أبيه الكريم الكعبة المشرَّفة، فأصبح التاريخ مبتهجًا بسيرة إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام-.

الله أكبر من كل ما تراه عين الإنسان في دنياه من الجبال والبحار والكواكب والأفلاك، ومن كل ما لا تراه عينه من عجائب المخلوقات.

ولله الحمد الذي أتمَّ بنعمته الصالحات، ونشر الخير والرزق في هذا الكون الفسيح، وعلَّم الإنسان ما لم يعلم، وشرع الشرائع لعباده تحقيقًا للعدل، وردعًا للظلم وبناءً للكون.

الله أكبر.. تظلُّ عبارةً مضيئة إذا ردَّدها الإنسان موقناً بها، مؤمناً بمن توجَّه إليه -سبحانه وتعالى-، أصبح أرجح عقلاً، وأصفى قلبًا، وأقوى إرادةً، وأصدق حديثًا، وأعدل حكمًا، لأنه حين يردد: الله أكبر، يستشعر عظمة خالقه، فلا يرجو سواه، ولا يخاف غيره، ولا يخضع إلا له.

الله أكبر.. لو أن كلَّ مسلم ينطق بها يستشعر بحقٍ عظمة خالقه لما حاد عن طريق الحق، ولا ذَلَّ لأحدٍ من الخلق.

الله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد.

إشارة:
الله أكبر رَمزُنا وشعارنا فلْترْفعوها واعرفوا مغزاها..

عبد الرحمن بن صالح العشماوي

الشاعر المعروف أستاذ النقد الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود