إن الدين عند الله الإسلام

منذ 2023-07-03

كثر الحديثُ خلال السنوات الأخيرةِ عمّا بات يعرف بـ"الديانة الإبراهيمية" التي تدعو إلى صهر الأديان السماوية الثلاث - كما يقولون - (الإسلام، والمسيحية، واليهودية) في دين جديدٍ واحد...

كثر الحديثُ خلال السنوات الأخيرةِ عمّا بات يعرف بـ"الديانة الإبراهيمية" التي تدعو إلى صهر الأديان السماوية الثلاث - كما يقولون - (الإسلام، والمسيحية، واليهودية) في دين جديدٍ واحد؛ حيث بدأ أصحاب هذا المشروع بالحديث عن التقاربِ بين الأديان ثم توحيدِها وصولًا إلى دمجها في دينٍ عالمي واحد.

 

والحديث عن "المسار الإبراهيمي" أو "الديانة الإبراهيمية" أو غيرها من المسميات ليست وليدة السنوات الـ 5 الأخيرة، بل بدأت من الفجر الأول للإسلام، فقد رُوى أن اليهودَ عرضوا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا له إذا تصالح معهم على التسامحِ في أحكامٍ بعينها منها حكمُ الرَّجمِ.

 

وكانت الخطة المرسومة هي الاستفادة من التأثير الكبير للشخصيات الدينية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية للدفع باتجاه "المسار الإبراهيمي"، ومنذ ذلك الحين ظهرت الدبلوماسية الروحانية التي تهدف إلى توظيف الدين في خدمة الأجندات السياسية أو ما يُعرف بالإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.

 

وللترويج لتلك المعتقدات تم استخدام العديد من قوى سياسية عالمية ومؤسسات وجامعات ومراكز البحث العالمية والمؤسسات المدنية وعشرات الكيانات التي تم تأسيسها، وقد تم ضخ مليارات الدولارات على وسائل الإعلام وعشرات الفعاليات التي تم تنظيمها سنويًّا في محاولة لتغيير الخطاب الديني ومسخ هوية ومعتقدات أبناء الشعوب الإسلامية.

 

لكن الجدل لم يتوقف حول هذا المخطط، وقد أعلنت مؤسسات وشخصيات إسلامية رفضها القاطع له لتداعياته الخطيرة على المعتقدات والثوابت الإسلامية، في حين طبَّل لها بعضُ ضعاف النفوس والمأجورين والمنافقين.

 

ولكن ما مدى شرعية هذه الفكرة؟

وكيف يتم الرد عليها من كتاب الله (القرآن الكريم

 

إن كل اختلاف يجب أن يُردَّ إلى هذا الكتابِ ليفصل فيه، سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب ما يسمى "الديانات السماوية"، أو في الشريعة التي جاء هذا الكتاب بصورتها الأخيرة، أو كان هذا الاختلاف بين المسلمين أنفسهم، فالمرجعُ الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياة كله هو القرآن الكريم.

 

ولا قيمه لآراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند إليه من القرآن؛ يقول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].

 

{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

 

قال أبو الأنبياء نوح عليه السلام: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72].

 

ويقرر الله رب العالمين ردًا على مزاعم اليهود والنصارى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67].

 

وتتابعت كل الرسل على قولهم: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم ليختم هذه المسيرة ويقول: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل: 91].

 

{لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [: 163].

 

{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [الزمر: 12].

 

ومن هنا يتأكد لنا أن الدين عند الله هو الإسلام منذ خلق الله آدم حتى تقوم الساعة، فليس هناك دين يسمى يهودية ولا نصرانية، كما أنه ليس هناك مسمى أخر للإسلام كما تزعم بعض الفرق المنتسبة للإسلام، فكلها اختلافات واختلاقات يزعمها أصحاب المصالح المادية ليتاجروا بالدين، واتباعًا لهوى من الأهواء التي يعود تمليقها بعرض من أعراض هذه الأرض! وتفسد الذمة حتى ما يتحرج القلب من الكذب على الله، وتحريف كلماته عن مواضعها لتمليق عبيد الله، ومجاراة أهوائهم المنحرفة، التي تصادم دين الله.. وكأنما كان الله - سبحانه - يحذر المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المزلق الوبيء؛ قال الله تعالى: {قُلْ  يَا  أَهْلَ  الْكِتَابِ  تَعَالَوْا  إِلَىٰ  كَلِمَةٍ  سَوَاءٍ  بَيْنَنَا  وَبَيْنَكُمْ  أَلَّا  نَعْبُدَ  إِلَّا  اللَّهَ  وَلَا  نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

 

إن دين الله واحد، جاءت به الرسل جميعًا، وتعاقدت عليه الرسل جميعًا، وعهد الله واحد أخذه على كل رسول، إذ قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].

 

لقد أخذ الله - سبحانه - موثقًا جليلًا شهد عليه، وأشهد عليه رسله، موثقًا على كلِّ رسولٍ؛ أنه مهما آتاه من كتاب وحكمة، ثم جاء رسولٌ بعده مصدقًا لما معه، أن يؤمن به وينصره، ويتبع دينه، وجعل هذا موثقًا وعهدًا على كل رسل الله.

 

والتعبير القرآني يطوي الأزمنة المتتابعة بين الرسل؛ ويجمعهم كلهم في مشهدٍ واحد، والله - جل جلاله - يخاطبهم جملةً: هل أقروا هذا الميثاق وأخذوا عليه عهد الله الثقيل:  {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}، وهم يجيبون: {أَقْرَرْنَا}، فيشهد ربنا الجليل على هذا الميثاق ويشهدهم عليه: {قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} .

 

وفي ظل هذا المشهد يبدو الموكب الكريم متصلًا متساندًا مستسلمًا للتوجيه العلوي، ممثلا للحقيقة الواحدة التي شاء الله - سبحانه - أن تقوم عليها الحياة البشرية، ولا تنحرف، ولا تتعدد، ولا تتعارض، ولا تتصادم.

 

والله - سبحانه - هو الذي ينقل خطى هذه الدعوة بين أجيال البشر؛ ويقود هذا الموكب ويصرفه كيف يشاء.

 

ويخلص دين الله - بهذا العهد وبهذا التصور - من العصبية بكل صورها... العصبية للأشخاص، والعصبية للقوميات.. ويخلص الأمر كله لله في هذا الدين الواحد. ويحذِّر مَن يخالف ذلك؛ {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 82، 83].

 

إن دين الله واحد، جاءت به الرسل جميعًا، وتعاقدت عليه الرسل جميعًا، وعهد الله واحد، أخذه الله على كل الرسل، أمَّا الشرائع فتتغير بحسب تغير الأزمنة والأحوال؛ لذلك قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].

 

وكل هذه الشرائع ترجع إلى العدل في وقت شرعتها، وأما الأصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان، فإنها لا تختلف، فتشرع في جميع الشرائع.

 

فمن تولى عن الإسلام فقد تولى عن دين الله كله، وقد خاس بعهد الله كله.

 

والإسلام - الذي يتحقق في إقامة منهج الله في الأرض واتباعه والخلوص له - هو ناموس هذا الوجود.

 

ولا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينة باله وصلاح حاله، من الرجوع إلى منهج الله في ذات نفسه، وفي نظام حياته، وفي منهج مجتمعه، ليتناسق مع النظام الكوني كله.

 

فهذا هو الدين الواحد الموحد لكل البشرية، الذي شرعه خالق كل شيء، وجمع عليه رسله وأنبياءه، وهو دين الإسلام، أما الذين يهرولون لتلبية مطالب اليهود والماسونية العالمية، فسوف يخزيهم الله في الدنيا والأخرة.

_____________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى