أبقوا الحياء حيا

منذ 2023-08-03

لقد جاء الإسلام بأرقى الأخلاق وأنقاها في التعامل مع الناس بالحياء ولو كان آتيًا من الأعلى مكانة لمن هو دونه، وفي حياء النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان دليل ساطع وحجة بيِّنة!

تحدثت معه ذات يوم عن قريب له يُسيء للناس برفع صوته عليهم حين يغضب، ولا يبالي بمن أمامه أيًّا كان عمره أو جنسه أو مكانته، بل يفعل ذلك حتى مع أقرب الناس إليه -عافانا الله وإياه- فقال لي ببرود: "ربما في ذلك تنفيس عن نفسه، ولا لوم عليه حينئذٍ!" فقلت: "وبذلك يخسر الناس!" فقال: "ففي الناس أبدالٌ وفي الترك راحة" مستشهدًا ببيت الشافعي في غير محله! فتوقفت حينها عن إكمال النقاش معه، مع تزاحم الردود على لساني! فإذا كان هذا رأي من أردته مصلحًا من شأن صاحبنا -وهو ذو عقل ومنصب ودين- فلا فائدة من أي رد وإن عظُم!

 

أصلح الله الشأن! وإلا فما يقول بهذا ذو رأي! وإني لأعجب كيف هان الناس على الناس؟!

 

والناظر في شيء من أحوال المجتمع يجد أن قلة الحياء من الناس يشيع مع الوقت! وليس ذلك عامًّا بالطبع ففي المسلمين نماذج يُحتذى بها، ولكن ذلك خلق بدأ يستشري ويستمري!

 

وأنا وأنت نرى مثلًا إغلاق بعض الشباب الطريق بسياراتهم، والتقدم في المجالس على كبار السن، ورد الصغير بفوقية على الكبير، وكل ذلك من قلة الحياء، ولا يأتي ذلك إلا بشرٍّ كما أن (الحياء لا يأتي إلا بخير).

 

وما دفع البعض يألف ذلك إلا عدة أسباب، منها مثلًا: عدم احتساب الأجر في الحياء، وأنه من أخلاق الإسلام التي حَثَّ عليها الدين، واستحقار الناس، وأنه لا حق لأحد أن يعلوه ما دام ليس بأب ولا بذي رحم! إضافة لتعزيز بعض الأسر ذلك في نفوس أبنائها؛ كفَهْمٍ خاطئ للتربية من باب الخشية بأن تُسلَب حقوقهم أو يستهان بهم!

 

ووالله لا تأتي قلة الحياء إلا بشرٍّ، فبسببه يتجرَّأ الإنسان على أخذ الحقوق والتعدي على الآداب والمجاهرة بالذنوب، وكم كان الحياء مانعًا لها لو كان خلقًا لأصحابها!

 

لقد جاء الإسلام بأرقى الأخلاق وأنقاها في التعامل مع الناس بالحياء ولو كان آتيًا من الأعلى مكانة لمن هو دونه، وفي حياء النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان دليل ساطع وحجة بيِّنة!

 

وما خاف عبد ربه واستحيا منه إلا استحيا من الناس، فالدين يربي صاحبه! كما أنه ما تفحص أحد سيرة نبيِّه صلى الله عليه وسلم وكيف كان حييًّا من ربه ثم من الناس حتى كان (أشد حياءً من العذراء في خِدْرِها) إلا ووجد قاعدة ينطلق منها في تعامله، ويرجع إليها حال خطئه، وفي ذلك توفيق من الله له وإرادة الخير به -بإذن الله- ! وبقدر غياب ذلك في الحياة والمعاملات تجف الأخلاق وتخشن العلاقات.

 

فلا واللهِ ما في العيشِ خيــرٌ   ***   ولا الدنيا إذا ذهب الحيـــاءُ 

يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرٍ   ***   ويبقَى العودُ ما بقي اللِّحاءُ 

______________________________________________________
الكاتب: عبدالله بن سعود آل معدي