من أحكام السفر في الإجازة

منذ 2023-08-12

عباد الله، السفر للبلاد الكافرة للسياحة من نوازل العصر فلم يتكلم عليها الفقهاء المتقدمون فيما أعلم وإنما استجد في زماننا لتوفر المال وسهولة السفر للأماكن البعيدة...

الإجازة مظِنّة السفر فأذكر في هذا المقال بعض ما تمس إليه الحاجة من الأحكام المتعلقة بالسفر من ذلك إذا وصل المسافر إلى البلد المقصود وعنده مسجد قريب يجب عليه أن يصلي فيه ولا يصلي في مقر إقامته لعموم النصوص التي تأمر بالصلاة في المسجد وإجابة النداء وليس في الأدلة ما يخصصها في الحضر دون السفر. وكذلك تجب عليه الجمعة مع المسلمين لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [سورة الجمعة:9] فكل من سمع النداء الثاني من الرجال المكلفين وجب عليه أن يجيب ويحرم عليه التخلف من غير عذر.

 

إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم يجب عليه أن يتم الصلاة الرباعية والثلاثية سواء أدرك الصلاة كلها مع الإمام أو بعضها فعن موسى بن سَلَمة قال كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم (688) وأحمد (1865) واللفظ له.

 

لكن لو فاتته الصلاة في المسجد سن له القصر. وكذلك النساء إذا صلين في بيوتهن يسن لهن القصر حتى يرجعن إلى بلدهن طالت المدة أو قصرت. وإذا أدرك المسافر بعض الصلاة وشك هل الإمام مقيم أم مسافر بنى على الأصل فإن كان في المدينة فالأصل أن الإمام مقيم فيتم خلفه وإن كان في أثناء الطريق كمساجد محطات الوقود فالأصل أن الإمام مسافر فيقصر.

 

إخوتي:

قصر الصلاة من خصائص السفر أما الجمع فهو جائز في السفر والحضر للحاجة وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصلي الصلاة في وقتها في السفر ويجمع الصلاة إذا جد به السير ولم يكن من هديه الجمع وهو حال في أثناء السفر.

 

عباد الله:

من القرب التي يتقرب بها المسلم إلى ربه إدخال السرور على المسلمين فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله ؟ وأي الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام» (رواه الطبراني في الكبير (12/453) وصححه الألباني في الصحيحة (906)).

فإذا كان المسلم يؤجر بتفريح المسلمين فكونه يؤجر بتفريح أهل بيته أولى ومما يدخل به الأب السرور على أهل بيته السفر بهم للنزهة والترويح عنهم لكن علينا جميعا في حلنا وارتحالنا أن نتقيد بضوابط الشرع من المحافظة على الواجبات والابتعاد عن المحرمات فالذي نعبده في بلادنا هو معنا حيث كنا لا يخفى عليه خافية.

 

فيجب تجنب أماكن المنكرات والبعد عن أماكن اللهو المحرم ويجب علينا إنكار المنكرات على قدر وسعنا. ومن أعظم ما يزار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فالصلاة فيه فرضا أو نفلا أفضل من ألف صلاة فيما عداه من المساجد إلا المسجد الحرام فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (رواه البخاري (1190) ومسلم (1394)).

 

ومن زار المدينة يسن له زيارة مسجد قباء والصلاة فيه فعن أُسَيْدَ بن ظُهَيْرٍ الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة في مسجد قباء كعمرة (رواه ابن ماجه (1411) بإسناد حسن).

 

وكذلك زيارة مكة فهي أطهر البقاع فيسن للمسلم قصدها في هذه الإجازة هو وأهله للعمرة والصلاة في الحرم فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة نفلا أو فرضاً فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا» (رواه الإمام أحمد (15685)) ورواته ثقات.

فلنحرص على المحافظة على صلاة الفرض و لنكثر من النفل المطلق في الليل والنهار.

 

وكذلك نفل الطواف فهو من خصائص المسجد الحرام فلنكثر من التطوع بالطواف فعن ابن عمر عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من طاف بهذا البيت أُسبوعاً كان كعتق رقبة» (رواه النسائي (2919)) ورواته ثقات فيسن التطوع بالطواف إذا لم يؤدِ للتضييق على من يطوف طوافاً واجباً فلنختر الوقت والمكان المناسب ولنتجنب الطواف في شدة زحمة المطاف لكثرة المعتمرين حتى لا نضايقهم فيه وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يكن يطوف نفلا حينما كان مقيما بالأبطح في حجة الوداع.

 

معاشر الإخوة:

يحصل من بعض أولادنا المراهقين مضايقة المتعبدين حول الحرم وفي الأسواق فعلى الأبوين أن يعتنيا بأولادهما فإذا أمكن البقاء في مكة من غير مفسدة فهذا حسن وإن خشيت المفسدة فلمبادرة بالخروج بعد قضاء العمرة.

 

طائفة خف دينها وضعف تعظيم الله في نفوسها فجعلت هذه الإجازة مناسبة لسفر المعصية فتذهب هذه الطائفة إلى بعض البلاد لتقضي وطرها في الحرام فالواحد منهم يتقلب في هذه البلاد من معصية إلى معصية ثم يعود إلى بلده محملاً بالإثم والأمراض فربما نقلها إلى أقرب الناس إليه فليتق الله هؤلاء وليعلموا أن ما هم فيه من صحة ومال هو من فضل الله عليهم فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ألا يخشى هؤلاء أن يختم لهم بخاتمة السوء فيموت أحدهم وهو على معصية فيبعث عليها يوم القيامة فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من مات على شيء بعثه الله عليه» (رواه الحاكم (4/313) وصححه).

فالتوبة التوبة والبدار البدار قبل فوات الأوان وإياك والتسويف وأنك بعد حين سوف تتوب وسوف وسوف.. فقد يحال بينك وبين ما تشتهي.

 

عباد الله، السفر للبلاد الكافرة للسياحة من نوازل العصر فلم يتكلم عليها الفقهاء المتقدمون فيما أعلم وإنما استجد في زماننا لتوفر المال وسهولة السفر للأماكن البعيدة والذي عليه الفتوى عند علمائنا حرمة السفر لبلاد الكفر إلا للحاجة فمن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز من الفتوى رقم (4873).

 

فقال: أذهب لرحلة كل عام في الخارج (اليونان - النمسا) أنا وزوجتي وطفلتي ونقضي فترة أسبوعين في البحر والجزر اليونانية الجميلة والحدائق كنوع من الفسحة البريئة، هل يجوز ذلك؟ مع العلم أنني أحافظ على الصلاة أنا وزوجتي - زوجتي لا تكشف عن جسدها - لا نأكل إلا الفواكه، لا نحتك بالأجانب ورؤية عوراتهم، أفيدونا بذلك.فكان الجواب: لا يجوز السفر لبلاد أهل الشرك إلا لمسوغ شرعي وليس قصد الفسحة مسوغا للسفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين» (رواه أبو داود).

ولذلك ننصحك بعدم الذهاب لتلك البلاد ونحوها للغرض المذكور؛ لما في ذلك من التعرض للفتن، والإقامة بين أظهر الكفار.

 

وقال الشيخ محمد بن عثيمين في فتاويه (3/10) السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك.

 

فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة وفيه إضاعة المال لأن الإنسان ينفق أموالاً كثيرة في هذه الأسفار.

 

أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج أو تلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده علم ودين على ما وصفنا فهذا لا بأس به. وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن والحمد لله أصبحت بلاداً سياحية في بعض المناطق فبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها. أهـ.