الكوارث.. ظواهر طبيعية أم عقوبات إلهية

منذ 2023-09-19

إن هذه الأحداث العظيمة تبصرة للإنسان عندما ظنَّ بما وصل إليه من حضارة أنه صار شيئًا مذكورًا، فهذه الكوارث أمامه، هل كان يعرف وقتها، فيستعد لها، أم هل يستطيع إيقافها؟

في زمن كثُرت فيه المصائب والأهوال، أوصيكم بتقوى الله؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]، فتقوى الله هي النجاة بإذن الله؛ قال تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر: 61].

 

عباد الله، عندما عاندت الأقوامُ أنبياءهم، وطَغَتْ في الأرض، صارت كل أمة منها مستحقةً للعقاب، فأنزل الله عليهم سخطه، وعذَّبهم بمخالفتهم له، وطغيانهم في الأرض، فأغرق قومَ نوحٍ بالطوفان، وأرسل على عادٍ الريح العاتية، وأصاب قومَ صالح وقوم شعيب الزلزلةُ الشديدة، وأغرق فرعون وجنوده في البحر، وخسف بقارون وداره الأرض؛ قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

 

وأشكال العذاب هذه وإن نزل كل واحد منها على أُمَّة من الأمم، فإن تكرار العقوبة في أي زمان ومكان ممكنٌ متى ما تحققت أسبابها؛ قال تعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83]؛ قال قتادة: "يعني ظالمي هذه الأمة"، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] قال ابن عباس: "كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم، وبقِيَ الاستغفار".

 

ومقتضى ذلك أنه كلما تمادى الناس في العصيان، وازدادوا في الطغيان، وذهبت عنهم أسباب الأمان، أصابهم العذاب والخسران، فاللهم أجِرْنا يا رحمن.

 

وأهل زماننا هذا يُصابَون من حين لآخر بالكوارث الطبيعية، والأوبئة العالمية، كالزلازل المدمرة، والفيضانات الْمُهْلِكة، والأمراض المعدية، والحرائق المسعَّرة، وقد حار الناس فيها: أهي عقوبات إلهية مستحقَّة، أم ظواهر كونية متوقَّعة؟

واختلفوا فصاروا كلما نزلت إحدى الكوارث، يتجادلون متناسِين ما نزل بساحتهم أو قريبًا منهم، وحتى يُحسَمَ الجدل وينشغل الناس في الأهم يُقال: إن هذه الكوارث أحداث طبيعية، لها أسباب كونية، معلومة أو مجهولة، وأسباب غيبية؛ كالابتلاء والعقوبة؛ قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فمُسبِّب الأسباب، ومدبِّر الكون جل في علاه قدَّر كل شيء بحكمة عظيمة، ودقة عجيبة، فربطَ السبب الكونيَّ بالسبب الغيبيِّ، ومع ذلك، فلا يجوز التألِّي على الله، وجعل هذه الابتلاءاتِ وسيلةً للتقاذف والتشاتم بالقول: إن زلزال ذاك البلد بسبب ذنوبهم، وطوفان تلك الأرض لأجل معاصيهم؛ لأن هذه الأسباب غيبية لا يعلمها إلا الله.

 

ولكن الواجب أن يُقال: هذه المصائب رسائل تذكير وتخويف وتبصير: تذكير بأن هذه الكوارث الطارئة تشبه أهوال يوم القيامة، فإذا رأى الإنسان الهَلَعَ والفزع الذي أصاب الناس اليوم، تذكَّر أن أهوال القيامة أشد هلعًا، وأعظم فزعًا، فاستعدَّ لها، ليأمن أهوالها؛ قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1].

 

وهذه الكوارث أيضًا تخويف ربانيٌّ بأن ما أصاب الأمم السابقة قد يصيب أهل هذا الزمن؛ ليصحوَ الناس من غفلتهم، ويُنيبوا إلى ربهم، ويُظْهِروا التضرع لخالقهم؛ قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].

 

إن هذه الأحداث العظيمة تبصرة للإنسان عندما ظنَّ بما وصل إليه من حضارة أنه صار شيئًا مذكورًا، فهذه الكوارث أمامه، هل كان يعرف وقتها، فيستعد لها، أم هل يستطيع إيقافها؟ بل قد وقف عاجزًا حائرًا، فليتواضع للجبار، ويتبرأ من تَأْلِيهِ نفسِه، ويتألَّه لخالقه جل في علاه؛ قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].
 

أما بعد عباد الله:

فإن هذه الكوارث المتعاقبة التي تَنْزِل ببلاد المسلمين وغيرها تُوجِب على المسلم اللبيب أن يستجيب لها بعدة أمور؛ أولها: استحداث توبة نصوح لله عز وجل عما أسرف من الذنوب والمعاصي، مع العزيمة على عدم الرجوع إليها؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

 

وينبغي أن يظهر العبد التضرع إلى الله تعالى، والخوف منه سبحانه، والافتقار إليه، فإن من أسباب إرسال العقوبات أن يُظْهِر الناس التضرع إلى الله؛ قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42].

 

ومما يجب تداركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن هذه الشعيرة أمان من عقوبة الله؛ قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: 116]، وإحياء هذه الشعيرة حسب الطاقة والاستطاعة.

 

ثم اعلموا - يا عباد الله - أن الأمة المسلمة جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت سائر الأعضاء للتآزُرِ معه، فلنقف مع إخواننا المسلمين الذين نزلت بهم هذه الكوارث بالدعاء لهم، والوقوف على مُصابهم، ودعمهم عن طريق الأدوات النظامية، والقنوات الرسمية التي يوجِّه المسؤولون إليها.

 

اللهم الطف بإخواننا المنكوبين، وعوِّضهم خيرًا، وارحم شهداءهم، واشفِ مرضاهم، وأنْزِلِ السكينة عليهم يا رؤوف يا رحيم.

________________________________________________
الكاتب: عبدالكريم الخنيفر