من أسباب الخذلان - (2) الركون إلى الظالمين
إنَّ الرُّكون للأعداء كان سببًا في خِذلان الأمَّة وهوانها وذُلِّها، وتخلُّف نصر الله تعالى عنها، وهذا الذلُّ قد أنسى المسلمين قدرهم في كونهم من خير أمةٍ أُخرجت للناس...
الحمد لله العزيز الحكيم؛ رفع أهل الإيمان والتقوى فهم أعزَّة، ووضع أهل الكفر والمعصية فهم أذلَّة، نحمده حمدًا كثيرًا، ونشكره شكرًا مزيدًا، فهو مبتدئ النِّعم ومتمِّمها، وهو دافع الضرَّاء وكاشفها: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كتب العزَّ والنَّصر للرُّسل وأتباعهم، فلا يُردُّ أمره، ولا يغلب جُنْدُه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ} [الصَّفات: 171-173].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ توكَّل على الله تعالى فكفاه، ورَكَن إليه فآواه، واعتزَّ به فأعزَّه، واستَنْصَرَه فنَصَرَهُ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ تركوا الدنيا طلبًا للآخرة، ففازوا بالدارَيْن، ونالوا الحُسْنَيَيْن، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه، واعتزُّوا به يُعِزُّكم، واستنصروه ينصركم، وتوكَّلوا عليه يَكْفِكُم، ولا تركنوا لغيره فتخذلوا وتفشلوا {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160].
أيها الناس:
للظلم وقع شديد على النفس البشرية تحسُّ معه بالهَضْم والضَّعْف، فينحصِر تفكير المظلوم في الانتصار والانتقام من شدَّة ما يجد في قلبه على من ظلمه.
والظلم سببٌ لخراب العمران، وزوال الدُّوَل، وفناء الأمم؛ يقول العلامة الماوردي - رحمه الله تعالى -: "إن مما تصلح به حالُ الدنيا: قاعدة العدل الشامل الذي يدعو إلى الأُلفة، ويبعث على الطاعة، وتَعْمُر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النَّسْل، ويأمن به السلطان، وليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجَوْر؛ لأنه ليس يقف على حدٍّ، ولا ينتهي إلى غاية".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خَلاق، ومتى لم تَقُمْ بعدلٍ لم تَقُمْ، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخِرة".
والظلم قد يكون شركًا، وهو أعظمه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقد يكون معصيةً دون الشِّرك: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: 32]؛ أي: ظالمٌ لها بالمعصية، وقد يكون الظلم تعدِّيًا على الناس وبخسًا لحقوقهم.
وهلاك الأمم السابقة إنما كان سببه الظلم بأنواعه المذكورة؛ فإن الله تعالى قد حرَّم الظلم على نفسه، وجعله محرَّمًا بين عباده؛ ولذا نجد كثيرًا في القرآن الكريم تعليلَ هلاك السابقين بظلمهم، ووصف المعذَّبين بالظالمين؛ ففي سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [يونس: 13]، وفي الكهف: {وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [الكهف: 59] وفي الأنبياء {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء: 11].
والظَّلَمَة من البشر لهم أعوانٌ يعينونهم على ظلمهم، ويفرضون الاستبداد باسمهم، ويمارسون الظلم على الناس بقوَّتهم، وما من ظالمٍ في الأرض - قديمًا أو حديثًا - إلا وله جندٌ يحتمي خلفهم، وأعوانٌ يضرب الناس بهم، كما كان هامان وجنده لفرعون، ويُسمون في القرآن بالملأ، وهم الرافضون لدعوات الرسل عليهم السلام؛ لأنها دعوات تَحُولُ بينهم وبين ظلم الناس، وتمنعهم من استعبادهم واستنزافهم.
وقد تكرَّر في القرآن في قصص المعذَّبين ذِكْر الملأ:
{قَالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأعراف: 66]، وفي آية أخرى: {قَالَ المَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [الأعراف: 75]، وفي آية ثالثة: {وَقَالَ المَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ} [المؤمنون: 33]، وفرعون لما ادَّعى الرُّبوبية خاطب الملأ؛ لأنهم ظلمةٌ أعوانُ ظالم، سيوافقونه على دعواه مهما كانت: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، وكفار مكة لما خوطبوا بالتوحيد، وكذَّبوا وصدُّوا عن دين الله تعالى - أخبر الله تعالى عنهم بقوله سبحانه: {وَانْطَلَقَ المَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ} [ص: 6].
إن أهمَّ سببٍ لتفشِّي الظلم في الأرض، وانتفاش الظالمين وقوَّتهم، وبقائهم مدَّةً أطول: هو ركون المظلومين إليهم، واحتماؤهم بهم، وخضوعهم لجورهم؛ فإن ذلك مما يجرِّئ الظَّلَمَة ويجعلهم أكثر نفوذًا واستبدادًا؛ حتى يكون المظلومون أدواتٍ في أيدي الظالمين، يحرِّكونهم لتوسيع نفوذهم، وفرض سُطوتهم، وضرب الناس بهم، ويبلغ العجز والهوان بالمظلومين حدًّا يَسْتَبِقونَ فيه إلى الظَّلَمَة لإرضائهم، والانضواء تحت لوائهم، والتشرُّف بخدمتهم في جَوْرهم؛ ولذلك نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن الرُّكون إلى الظالمين، وتوعَّد على ذلك بثلاث عقوباتٍ؛ هي: النار، وفَقْدُ ولاية الله تعالى، وتخلُّف نصره عز وجل: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]، وحقيقة الركون إلى الشيء: هي الاستناد إليه، والاعتماد عليه، والسُّكون له، والرِّضا به.
ومن تأمَّل حال لمسلمين في هذا العصر؛ وجد أنهم قد ركنوا إلى الظَّلَمَة المستكبِرين من أهل الكتاب، ووثقوا بهم أكثر من ثقتهم بربِّهم عزَّ وجلَّ، ومالوا إليهم كل المَيْل، وتسابقوا على إرضائهم ولو بسحق إخوانهم، وهذا من أعظم أسباب الذُّلِّ والخِذلان، وتخلُّف نصر الله تعالى عن المسلمين، وتسلُّط أعدائهم عليهم؛ فإن من عادة الظَّلَمَة المستكبِرين أن يزدادوا عُلُوًّا وجورًا كلما وجدوا من المظلومين استجابةً لذلك.
لقد أراد كفار مكة أن يصرفوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن بعض الأوامر والنواهي القرآنية، فحذَّر الله تعالى نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - من الافتتان بهم، والتنازل عن شيءٍ من الدين إرضاءً لهم؛ لأن ذلك من الرُّكون إليهم، وتوعَّده بتخلُّف النَّصر مع عذاب الدنيا والآخِرة.
والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ من الوقوع في ذلك، ولكن خطاب الله تعالى له بذلك هو خطاب لأمَّته؛ لئلا يتركوا شيئًا من دينهم إرضاءً لأحد؛ فيكون ذلك ركونًا إلى غير الله تعالى، يتخلَّف به نصره عزَّ وجلَّ، ويقع الخِذلان عليهم بسببه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 73-75].
ومَنْ نظر إلى واقع المسلمين في العصور المتأخِّرة؛ يجد أنهم ركنوا إلى الذين ظَلموا شيئًا كثيرًا، وتنازلوا عن كثيرٍ من دينهم لأجلهم، ووافقوهم في ظُلمهم، واحتموا بهم من دون الله تعالى، واستكانوا لهم، ورَجَوْا نفعهم، وخافوا ضُرَّهم، وهذا هو الخِذلان؛ إذ وَكَلَهم الله تعالى إلى مَنْ ركنوا إليهم، فأذلُّوهم وقهروهم، وظلموهم واستباحوهم.
بل إن كثيرًا من المسلمين اتخذوا أولياءَ الكافرين وأذنابهم وعيونهم من الزنادقة والمرتدين والمنافقين بطانةً لهم من دون المؤمنين في كثيرٍ من الدِّيار، فما زادوهم إلا خَبالاً وخِذلانًا وتخويفًا بالكافرين، وصَدَقَ الله العظيم حين حذَّر منهم بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].
وكلُّ قضايا المسلمين التي تنازلوا عنها الشيء بعد الشيء شاهدٌ على أنَّ الرُّكون للظالمين نتيجته الخِذلان والانكسار والذُّل والهَوَان، والبلاد التي احتلَّها الظَّلَمَة المستكبِرون دليلٌ على أن بطانة السوء من المرتزِقة والمنافقين تبيع الأمَّة بثمنٍ بَخْسٍ في الأوقات الحرجة.
إنَّ الرُّكون للأعداء كان سببًا في خِذلان الأمَّة وهوانها وذُلِّها، وتخلُّف نصر الله تعالى عنها، وهذا الذلُّ قد أنسى المسلمين قدرهم في كونهم من خير أمةٍ أُخرجت للناس، كما أنساهم وظيفتهم التي هي إخراج الناس من العبودية لغير الله تعالى، إلى عبادة لله تعالى وحده لا شريك له؛ ولذلك كان غاية ما يريد أن يصل إليه كثيرٌ من المسلمين هو اللِّحاق بالحضارة المادية الغربية، والاحتذاء بها في خيرها وشرِّها، وحلوها ومرِّها، وما يحمد منها وما يُعاب، والتغييرات المتلاحِقة لدِين الله تعالى، والتَّنازل عن أصوله، ومحاولات مسخ شريعته - دليلٌ على ذلك، لا تخطئه العين.
نعوذ بالله تعالى من الخِذلان والذُّلِّ والهوان، ونسأله سبحانه أن يعيد لهذه الأمَّة هيبتها وكرامتها، ويحقِّق لها عُلُوَّها ومجد
أيها المسلمون:
الشعوب المقهورة المظلومة تكتم غيظها، ولا تُظهر غضبها؛ خوفًا من سُطوة الظَّلَمَة وقهرهم، فيظنُّ الظَّلَمَة أنَّ المظلومين يستمتعون بظلمهم لهم كما يستمتع به الظالمون! وينسون أن في صدور المظلومين من ركام الأحقاد والانتقام ما لو انفجر لدمَّر مَنْ حوله، وفيها من الأنين والآهات ما لو خرج لمزَّق سكون الفضاء وهدوئه.
والصهاينة الإنجيليون بغوا وظلموا، فوطئوا أرض بابل؛ لأنها تستحق الدَّمار - فيما يعتقدونه من عقائد، وما يصدرون عنه من نصوص - وأفسدوا فيها بإعانةٍ وتأييدٍ ممَّن ركنوا إلى الظالمين، ثم سلموها للفرس الباطنيين، وجاء كبير الظَّلَمَة الإنجيليين ليودِّع جنده بعد سنواتٍ عجافٍ، سَفكوا فيها الدِّماء، ورمَّلوا النِّساء، ويتَّموا الأطفال، وعذَّبوا السُّجناء، وأهلكوا الحَرْثَ والنَّسْلَ، ودمَّروا مدينةَ السلام، وحاضرةَ العلم والإسلام، بلادَ المنصور والرشيد وأبي حنيفة وابن حنبل، فبرز صحفيٌّ مقهورٌ، لم يستطع كتم غيظه؛ ليرشق الظالم المُتَصَهْيِن بحذائه أمام العالم كلِّه؛ ليصبح هذا الحدث أهم حدثٍ في تلك الأيام، ومن المرجَّح أن يكون أهم حدثٍ في العام كلِّه.
إن منظر رجلٍ يرمي آخَرَ بحذاءٍ ليس حَدَثًا كبيرًا، ولكن أهمية الحدث جاءت في كون المرجوم ظالمًا غَشومًا، وكَوْن الرَّاجِم مظلومًا مقهورًا، فجادت قرائح الشعراء بعشرات القصائد في مدح الرَّاجم وهجاء المرجوم؛ بل تعدَّى ذلك إلى مدح الحذاء الذي رُمي به! وكتبت مئات المقالات، واستحوذت تلك الصورة المعبِّرة عن ألم المظلومين على نشرات الأخبار وملحقاتها، وصفحات الجرائد والمجلات، ومواقع الشبكة العنكبوتية، وصُمِّم على الفور ألعاب الكترونية للأطفال مأخوذة من الحَدَث وشخصيَّاته، وحظيَ هذا الحَدَث البسيط الذي لم يتجاوز ثوانٍ معدوداتٍ باهتمامٍ عالميٍّ وشعبيٍّ غير مسبوق، فلماذا كان كذلك؟!
الجواب: لأنه تعبيرٌ عن رفض الظُّلم، وإعلان للتمرُّد على الظَّلَمَة.
إنَّ الظَّالم يجد لذَّةً في ظلم الناس، فلا يُحس بهم؛ ولذلك عجب المستكبِر المرجوم من فعلِ راجِمِه، وأظهر أنه لا يدري لمَ فعل ذلك!! وإن المظلوم لَيجدُ ألمًا عميقًا في صدره، لا يشفيه إلا الانتصار ممَّن ظلمه، ولو بما لا يؤذي، كحذاءٍ لا يصيبه، ولكنه تعبيرٌ عن ألمه وقهره، وإعلانٌ لتمرُّده ورفضه للظلم، ولو كلَّفه ذلك حياته، وهذا يحتِّم علينا أن نَحْذَرَ الظُّلمَ ونُباعِد عنه، وننتصر للمظلوم بما نستطيع.
إن على مَنْ ولاه الله تعالى ولايةً كبيرة كانت أم صغيرة، ولو انحصرت في بيته وأسرته - أن يحذر من الظُّلم؛ فإن انتقام المظلوم سيكون أليمًا، فإن عجز عنه في الدنيا اقتصَّ منه في الآخِرة، وذلك أشدُّ وأنْكى، ولو قدر المظلومون في الأرض على رمي الظَّلَمَة بأحذيتهم لدفنوهم بها من كثرة ظلمهم وبغيهم على الناس، فويلٌ لهم من يومٍ لا ينفع فيه جاهٌ ولا مالٌ ولا بنون.
إن تضامن العالم كلِّه مع الرَّاجم المظلوم - عدا المارينز العرب - لَيدلُّ على أن الظُّلم تأباه النفوس السَّوِيَّة، ولا تخضع له تمام الخضوع إلا القلوب المريضة، التي يتشرَّف أصحابها بلطم الأعداء وجوههم، وتمريغ أنوفهم تحت أقدامهم، وهم يقدِّمون لهم الولاء في معابدهم (الليبرالية)، وهؤلاء قد استُعبدت قلوبهم لغير الله تعالى، وسَلَبَ الأعداءُ إرادتَهم، فلا يعيشون إلا على إذلالِ الأعداء لهم.
إنَّ العزَّ كلُّ العزِّ، والشَّرفَ كلُّ الشَّرف - أن يكون المرء عبدًا لله تعالى وحده، لا يخضع لسواه، ولا يذلُّ إلا له، ولا يرجو ولا يخاف غيرَه.
فليبشر مَنْ كان كذلك بالعزِّ في الدنيا والآخِرة، ولتبشر أمَّة يكون أفرادها كذلك بولاية الله تعالى ونصره وتأييده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغَالِبُونَ} [المائدة: 56].
وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم....
- التصنيف: