إن هدى الله هو الهدى فماذا بعد الحق إلا الضلال يا دعاة التغريب؟!

منذ 2011-11-20
إن هدى الله هو الهدى فماذا بعد الحق إلا الضلال يا دعاة التغريب؟!

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما فيه من الحق والهدى وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:

فإن مما لا شك فيه أن الهداية للصراط المستقيم والمنهج القويم أجلُّ مرغوب وأعظم مطلوب، ولهذا اشتملت سورة الفاتحة التي يقرأها المسلمون في ركعات صلواتهم المفروضة والنافلة على طلب الهداية للصراط المستقيم، وهو طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين المجانب المباين لطريق المغضوب عليهم والضالين، وقد انحصر الحق والهدى بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، فما وافق ذلك فهو حق وهدى وما خالفه فهو ضلال وعمى، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟! ومن الآيات الدالة على قصر الهدى على هدى الله دون سواه قول الله عز وجل في سورة البقرة: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [سورة البقرة:120]. وقوله في سورة آل عمران عن بعض أهل الكتاب والرد عليهم: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران:73]. وقوله في سورة الأنعام: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام:71]. ففي قوله تعالى في سورتي البقرة والأنعام: {إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}، وقوله في سورة آل عمران: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} حصر الهدى في هدى الله وحده وأن كل ما سوى ذلك ضلال وعمى وإن سماه أهله هدى، ولهذا قال في آية سورة البقرة: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [سورة البقرة:120]. وفي آيتي البقرة وآل عمران أن اليهود والنصارى لا يرضون عن المسلمين إلا إذا اتبعوا ملتهم، ويدل لكون كل ما خالف الكتاب والسنة ضلالًا وعمى قوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس:32]. وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:18،19]. وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص:50]. وقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. وقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49]. وقوله عن المنافقين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:16]. وقوله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123-126].


ومع وضوح هذه الأدلة من الكتاب العزيز على حصر الهدى في هدى الله وأن الضلال والعمى فيما سواه نجد في هذا الزمان وقبل عدة سنوات أن التغريبيين في بلاد الحرمين اشتد نشاطهم وتوالت جهودهم في الدعوة إلى قتل الأخلاق والفضائل بترك النساء فيها الحجاب والاحتشام والوقوع في السفور والاختلاط بالرجال الأجانب تقليدًا للغرب الذي ابتعدت النساء فيه عن الفضائل وانغمست في أنواع الرذائل، وقد كانت هذه البلاد منذ تأسيس دولتها السعودية على يد الملك عبد العزيز -رحمه الله- منذ مدة تزيد على مائة عام قد كانت سالمة من هذا الانفلات حتى أظهرت الأفاعي رؤوسها قبل عدة سنوات لنفث سمومها والدعوة بضراوة إلى سفور نسائها واختلاطهن بالرجال، ومما زاد الطين بلة تبريرهم دعوتهم إلى هذا الانفلات بالزعم بأن ذلك يكون وفقاً للضوابط الشرعية!! وهو متفق مع ما ذكره الله من صفات المنافقين في قوله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]. ومن أمثلة ذلك ما جاء في صحيفة الوطن بتاريخ 5/6/2011م عن أحد تجار بيع الملابس النسائية حول بيع النساء في الأسواق العامة بدلًا من الرجال: "ووصف الحكير عمل المرأة في تلك المحلات بـ(إعطاء الخبز لخبازه)، ضاربًا المثل بعمل المرأة في المحلات النسائية في دول العالم، مبينًا أن المرأة جزء أساسي ولكنه كان معطلًا في تجارة التجزئة في الفترة السابقة، ورفض الحكير فكرة أن تكون المحلات النسائية التي تعمل بها المرأة مغلقة في أسواق خاصة بالنساء قائلًا: الحمد لله الأمان موجود والستر كلنا ننادي به، ولكن عملهن سيكون وفق الضوابط الشرعية والاجتماعية"، فقد أعجبه بيع النساء في أسواق عامة لأنه متفق مع ما عليه دول العالم!! ولم يعجبه بيعهنّ في مجمعات تجارية خاصة بالنساء وهو السائغ شرعًا، وهو ليس من المظاهر الحضارية عند التغريبيين.


ومن العجب وصفه هذا العمل بأنه متفق مع ما عليه النساء في دول العالم ثم يزعم أنه يكون وفقًا للضوابط الشرعية!! وما ذاك إلا التقليد الأعمى للغرب.
ومن أمثلة انفلات النساء في بلاد الحرمين التي أشاد بها التغريبيون وطفحت بها الصحف مما لا علاقة له البتة بالضوابط الشرعية بل هو مجرد التقليد للدول الغربية ما يلي:

1. قيام المسئولين في الغرفة التجارية الصناعية بجدة بتعيين امرأة نائبة للرئيس، ومن شأن النائب قيامه مقام الرئيس في حال غيابه ومساعدته في حال حضوره، وكذا سعيهم لجعل امرأة في منصب الأمين العام تقابل التجار والصناع وتكون همزة وصل بينهم وبين الغرفة، وقد أوضحت ذلك في كلمة بعنوان: (الغرفة التجارية الصناعية في جدة رائدة الغرف التجارية في انفلات النساء) نشرت في 30/9/1431هـ.


2. نشرت صحيفة الرياض الصادرة يوم الأحد 14/6/1430هـ أن أمين مدينة جدة أصدر قرارًا بتعيين امرأة مساعدة للأمين لشؤون تقنية المعلومات بالأمانة، وأنه يرتبط بها ـ-وفقًا لقرار الأمين- عدد من الإدارات المهمة، وأنه بشغل هذه المرأة لمنصب مساعدة الأمين لشؤون تقنية المعلومات بأمانة محافظة جدة تكون أول امرأة تشغل منصباً قيادياً في تقنية المعلومات في الجهات الحكومية والأكاديمية في المملكة، ونشرت صحيفة الوطن في عددها الصادر يوم الخميس 23/7/1430هـ خبرًا تحت عنوان: (تعيين 3 مستشارات قانونيات بأمانة جدة يسعين للحد من الدعاوى المرفوعة ضد الأمانة)، وأمين جدة الذي حدث في عهده في الأمانة هذا الانفلات هو وزير العمل الحالي المهندس عادل فقيه، ومن كانت هذه حاله في الأمانة فالمصيبة به في الوزارة أشد وأعظم.


3. نشرت صحيفة عكاظ في 25/7/1431هـ خبرًا عن تعيين وزير الصحة امرأة في منصب المشرف العام على العلاقات الدولية في ديوان الوزارة.


4. قيام وزارة التربية والتعليم في عهدها الجديد بالسماح لبعض المدارس الأهلية للبنات بقبول الطلاب في الصفوف الأولية يتولى تدريسهم نساء، وقد كتبت في ذلك كلمة بعنوان: (لا يجمع بين البنين والبنات في الصفوف الأولية الابتدائية) نشرت في 13/9/1430هـ.


5. نشرت صحيفة المدينة في 29/6/1432هـ الخبر التالي: (أصدر مدير عام التربية والتعليم بالطائف محمد سعيد أبو راس قرارًا هو الأول من نوعه على مستوى إدارات التربية والتعليم بتعيين امرأة في منصب مديرة العلاقات العامة في الإدارة العامة للتربية والتعليم).

6. نشرت صحيفة الوطن بتاريخ 24/3/2011م خبراً عنوانه بالأحرف الكبيرة: (سعوديات يعملن في السفارات والملحقات الثقافية ويتحدين الصعاب، مطالبات بزيادة عدد السعوديات العاملات في الملحقيات الثقافية)، ونشرت صحيفة الرياض بتاريخ 28/6/1432هـ إعلانًا من وزارة الخارجية عن وجود وظائف نسائية شاغرة بمسمى (ملحق دبلوماسي) في التخصصات التالية...
وما أعظم مصيبة من زج بهذه النسوة في بلاد الغرب وغيرها وعلى رأسهم وزير الخارجية ووزير التعليم العالي! وهذا الصنيع يوضح الهزائم النفسية عند بعض كبار المسئولين في الدولة ويعطي الغربيين الدليل الحسي على التبعية لهم والسير على منوالهم.


7. انتشر أخيراً أوراق بعنوان: (دليل اشتراطات عمل المرأة في المملكة العربية السعودية ـربيع الأول 1432هـ) اشتملت على تنظيمات لعمل المرأة من وزارة العمل جاء في آخر (ص4) منه عنوان: (تمهيد حول اشتراطات العمل في بيئة مختلطة)، ذُكر تحته أن المادة المتعلقة بالاختلاط في نظام العمل السابق الصادر في 1389هـ ونصها: (لا يجوز في حالة من الأحوال اختلاط النساء بالرجال في أمكنة العمل وما يتبعها من مرافق وغيرها) أُلغيت في النظام الجديد الصادر في 1426هـ، واستُعيض عنها بمادة عامة تنطبق على الرجال والنساء، ونصها: (يجب على صاحب العمل والعامل عند تطبيق أحكام هذا النظام الالتزام بمقتضيات أحكام الشريعة الإسلامية)، وقد اعتبرت الوزارة اختلاط الجنسين في مكان واحد للعمل أو الدراسة مماثلا لاختلاطهم في الأسواق والمطارات وغيرها، ومن المعلوم أن هناك فرقًا بين الالتقاء العارض في الأسواق وغيرها والالتقاء الدائم في مكاتب العمل وفصول الدراسة الذي لا يسلم غالبًا فيه من الفتنة لاسيما مع سفور النساء الذي كان أول حدوثه في القرن الماضي من هدى شعراوي المصرية ونظيراتها، وذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته (5/226) أول امرأة كشفت وجهها في بلاد الشام.


8. نشرت صحيفة المدينة في عددها الصادر في 29/4/1430هـ خبرًا تحت عنوان: (رزان تعمل في ماكياج الرجال وتطمح للوصول إلى المشاهير) جاء فيه: (لم تفكر يومًا في أن يصبح تعاملها في فن الماكياج مع الجنس الخشن، ولكن طموحها دفعها لتقديم المساعدة لكلا الطرفين بلا مخاوف، تعلمت بالممارسة وطمحت إلى أن تواصل طريقها بدون أي عقبات)، وقد نشرت الصحيفة صورتها وهي تجمِّل رجلًا وقد وضعت إصبع يدها اليسرى على أنفه وفي يدها اليمنى علبة الماكياج!!
وأقول: من يصدّق أن امرأة في بلاد الحرمين تصل إلى هذا النوع من الانفلات؟! ومن يصدق أن صحيفة سعودية تجرؤ على نشر خبر وصورة هذا الانفلات؟!


9. نشرت صحيفة اليوم في عددها الصادر يوم الأربعاء 30/2/1430هـ خبرًا عن رحلة تطويرية إلى الكويت لثمانين شابًا وشابةً، وذكرت الصحيفة تفصيل الخبر، وأسوأ شيء في هذا الخبر قول منظمة الرحلة غير الميمونة التي اجتمع فيها ثلاثة محاذير: السفور والاختلاط والسفر بدون محارم: (أنّ الهدف هو تطوير جيل من الشباب والشابات يقود نفسه وأسرته ووطنه وأمته، ويرسم صورة جميلة عن نفسه، وعن هويته ووطنه في الداخل والخارج)؛ فإن مثل هؤلاء الشباب والشابات لا يتوقع منهم القيادة إلا إلى الهاوية، ولا يرسمون إلا صورة سيئة عن أهل هذه البلاد في الداخل والخارج.


10. نشرت صحيفة الوطن في 25/3/1430هـ صور اثنتي عشرة فتاة سافرات مع الأمير الوليد بن طلال كُتب تحتها: (الأمير الوليد يتوسط إداريات ولاعبات فريق اتحاد الملوك النسائي لكرة القدم!)، وجاء في الصحيفة: (بحث الأمير الوليد بن طلال في الرياض أمس مع أعضاء فريق اتحاد الملوك لكرة القدم أول فريق كرة قدم نسائي بالمملكة الوضع العام للفريق وإنجازاته المختلفة والعقبات التي تواجهه، وخلال اللقاء تم توزيع مكافآت نقدية على إدارة ولاعبات الفريق بلغ مجموعها 115 ألف ريال، وذلك لقاء النتائج والبطولات التي حققها الفريق في 20 مباراة مع الفرق المحلية بجدة!!)، ومثل هذه الأعمال من الأمير والفريق والمسئولين عن الصحيفة لا تفيدهم في قبورهم شيئاً بل يخشى عليهم من أضرارها في الدنيا والآخرة.


هذه الأمثلة وغيرها كثير من زحف التغريبيين في بلاد الحرمين على قتل الأخلاق فيها والميل بها ميلًا عظيمًا وتعريضها لسخط الله وعقوبته، ولا يوقف هذا الزحف على الأخلاق في هذه البلاد بإذن الله وتوفيقه إلا وقفة حزم وعزم من خادم الحرمين تحمل هذه الوقفة الشجاعة القوية النساء على التقيد بالأحكام الشرعية والبعد عن كل ما هو ممنوع شرعاً وتسكت كل ناعق بالديمقراطية الزائفة يجر الأخذ بنعيقه إلى تقويض البنيان الشامخ لهذه الدولة العريقة التي عشنا وعاش آباؤنا وأجدادنا في ولايتها في أمن وأمان وحفاظ على الفضيلة وبعد عن أسباب الرذيلة، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:211]. ويقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53].

وقد كتبت في موضوع انفلات النساء أخيرًا في بلاد الحرمين ثمانيًا وعشرين كلمة في خلال ثلاث سنوات تقريبًا، وهذه الكلمة آخرها، وأولها نشرت في 18/2/1430هـ بعنوان: (دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات هم الذين وراء بدء انفلات بعض النساء أخيرًا في بلاد الحرمين)، وقبل الكلمة الأولى بعثت لخادم الحرمين ثمان رسائل خاصة، سلّمت منها أربعًا بيده، وقد اشتملت هذه الرسائل على عبارات مؤثرة يغلب على الظن تأثيرها بإذن الله لو قرأها عليه رئيس الديوان الذي بعثت له الرسالة التالية في 15/9/1431هـ:

(بسم الله الرحمن الرحيم
معالي رئيس الديوان الملكي الأستاذ خالد بن عبد العزيز التويجري أصلح الله حاله وفعاله ووفقه لما فيه رضاه،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وبعد، أبعث لمعاليكم برفقه سبع كلمات حول فتنة التغريبيين وخطرهم على هذه البلاد حكومةً وشعبًا لاسيما خطرهم في انفلات النساء آخرها بعنوان: (نحب لدولتنا السعودية دوام عزها ونبغض التغريبيين الساعين بمكرهم لإضعافها).
آمل الاطلاع عليها وأن تكونوا خير عون لخادم الحرمين حفظه الله على ما فيه سعادته في الدنيا والآخرة، ومن حق خادم الحرمين عليكم الذي قربكم ومكن لكم أن تنصحوا له في كل ما فيه صلاح الراعي والرعية وأن توصلوا له كل نصح، وكل مسئول لا بد له من ترك عمله بعجز أو عزل أو موت والموفق من تكون أعماله في مسئوليته مبنية على السداد والاستقامة مع السلامة من كل ما يعود عليه بالمضرة والعاقبة الوخيمة في الدنيا والآخرة، وقد كنتَ مع وزيري الإعلام والعمل متلازمين وملازمين خادم الحرمين -حفظه الله- حضرًا وسفرًا، وقد ترك الأول عمله بالعزل مع أنه كانت تجاب دعوته في منزله بالمدينة والثاني ترك عمله بالموت.


وأسأل الله عز وجل أن يوفقكم لما فيه الصلاح والإصلاح ولما فيه سعادة الدنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم: عبد المحسن بن حمد العباد البدر).
وعود على بدء أنقل في هذه الكلمة جملًا مما جاء في الكلمة الأولى لعل الله أن ينفع هذه البلاد حكومة وشعبًا بنصح الناصحين والسلامة من كيد الكائدين ومكر الماكرين.
(وإنه لعار على أهل هذه البلاد حكومة وشعبًا أن يبدأ انفلات النساء فيها بمكر من دعاة التغريب ومتبعي الأهواء والشهوات، ثم تتوالى فتنة النساء والتسيب والانحلال حتى تصل في المستقبل إلى ما وصلت إليه المرأة في بلاد الشام من الانحدار المشاهد المعاين مع أن أول امرأة مسلمة كشفت وجهها في بلاد الشام حصل في القرن الماضي كما تقدمت الإشارة إليه في ذكريات الشيخ علي الطنطاوي، وهؤلاء الشراذم من المستغربين إذا ماتوا مات ذكرهم السيئ معهم وأهملهم التاريخ، ويُنسب التفريط إلى من حصل بدء الانفلات في عهده ممن دخلوا التاريخ وأُثبت فيه ما لهم وما عليهم، وأعظم المصائب المصيبة في الدين والأخلاق، ومن أعظم المصائب على هذه البلاد تحوُّل النساء فيها من الاحتشام والاحتجاب إلى الانفلات والاختلاط بالرجال، فما أعظم ذلك من مصيبة! وما أعظم جناية من كانوا سببًا في بدء هذا الانفلات في بلاد نزل فيها الوحي وشعَّ منها النور إلى أنحاء المعمورة، وفيها الحرمان الشريفان مكة والمدينة، وفيها المسجدان المقدسان، وفيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين التي يتجه المسلمون إليها من كل مكان، وفيها أماكن أداء مناسك الحج والعمرة، وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها عاش، وفيها قامت دولة الإسلام الأولى، وفيها ووري جسده الشريف صلى الله عليه وسلم، فلا غرو ـوفيها هذه الميزات- أن تبقى متمسكة بدين الإسلام وأخلاقه الكريمة، ولا يسوغ لها أن تتابع غيرها من الدول الإسلامية التي انفلتت فيها النساء تقليداً للغرب وتحقيقاً لرغباته، بل الواجب على أهل تلك البلاد متابعة هذه البلاد في الخير والتمسك بالدين والأخلاق، فالأصل أن تكون هذه البلاد متبوعة في الخير لا أن تكون تابعة في الشر، ولم يكن سفور النساء واختلاطهن بالرجال خيرا حُجب عن هذه البلاد، بل هو شر حفظها الله منه في الماضي، وأسأل الله عز وجل أن يحفظها منه في المستقبل).


(ومن كانوا من دعاة التغريب ومتبعي الأهواء والشهوات قريبين من ولاة الأمر في إدارة أو استشارة أو وزارة أو غير ذلك فهم في الحقيقة بطانة سيئة وجلساء سوء، وخطرهم على الراعي والرعية أشد من خطر المجذوم على الصحيح، والفرار منهم أولى من فرار الصحيح من المجذوم؛ للبون الشاسع بين خطرهم وخطر المجذوم، قال صلى الله عليه وسلم: «ما استُخلف خليفة إلا كان له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله» (رواه البخاري6611). وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة» (رواه البخاري 5534 ومسلم 6692)، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وفِرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد» (رواه البخاري5707)، وفي حلية الأولياء لأبي نعيم (5/336) عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: "من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي إليه، ويكون لي على الخير عونًا، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحدًا، ويؤدي الأمانة التي حملها مني ومن الناس، فإذا كان كذلك فحيهلا به، وإلا فهو في حرج من صحبتي والدخول علي"، وأما حالهم في الآخرة، فقد قال الله عز وجل في أمثالهم: {{C}هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:66-67].

وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم أن يحفظ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها وحسن أخلاقها وصلاح شبابها واحتشام نسائها ويقيها شر الأشرار وكيد الكفار، وأن يوفق ولاة الأمر فيها لكل خير ويحفظهم من كل شر ويهيئ لهم من أمرهم رشدًا، وأن يهيئ لهم بطانة الخير ويصرف عنهم بطانة السوء إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبد المحسن بن حمد العباد البدر
19/12/1432هـ

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

المحدث الفقيه والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، ومدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً