مختصر كتاب: (الولاءُ والبراءُ في الإسلام) للشيخ صالح الفوزان حفظه الله
فهذه مختصر لكتيب مهم في موضوع أهم، ألا وهو وجوب موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، وتزداد أهمية هذا الموضوع في هذا الزمان حيث الجهود حثيثة لتهميش هذا الأصل العظيم
الحمد لله معزِّ المؤمنين، مذل المنافقين والكافرين، والصلاة والسلام على سيد وخاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فهذه مختصر لكتيب[1] مهم في موضوع أهم، ألا وهو وجوب موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، وتزداد أهمية هذا الموضوع في هذا الزمان حيث الجهود حثيثة لتهميش هذا الأصل العظيم، مرة باسم الإنسانية وأخرى باسم الوطنية وثالثة باسم الديمقراطية، وهذا المختصر دليل للأصل ولا يغني عنه، فهو دعوة إلى الرجوع إلى الكتيب حيث الأدلة والتفصيل أكثر، ولآن مع المختصر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فإنَّه بعدَ محبةِ اللهِ ورسولهِ تجبُ محبةُ أولياءِ اللهِ ومعاداةِ أعدائِه.
فمن أصولِ العقيدةِ الإسلاميةِ أنَّه يَجبُ على كلِ مسلمٍ يَدينُ بهذه العقيدةِ أنْ يوالىَ أهلهَا ويعادىَ أعداءَها فيحبُ أهلَ التوحيدِ والإخلاصِ ويواليهِم، ويُبغِضُ أهلَ الإشراكِ ويعاديهِم، وذلك من ملةِ إبراهيمَ والذين معه، الذين أُمِرْنَا بالاقتداءِ بهم، وهو منْ دينِ محمدٍ عليه الصلاةُ والسلامُ ... { (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)} (الممتحنة:١) بل لقد حرَّم على المؤمنِ موالاةَ الكفارِ ولو كانوا من أقربِ الناسِ إليه نَسَباً.
وكما أنَّ اللهَ سبحانه حرَّم مولاةَ الكفارِ أعداءِ العقيدةِ الإسلاميةِ فقد أوجبَ سبحانه موالاةَ المؤمنين ومحبتَهم، فالمؤمنون منْ أولِ الخليقةِ إلى آخرِها مهما تباعدتْ أوطانُهم وامتدتْ أزمانُهم إخوةٌ متحابون يَقتدي أخرُهم بأولهِم ويدعو بعضُهم لبعضٍ ويستغفرُ بعضهُم لبعضٍ.
وللولاءِ والبراءِ مظاهر تدلُ عليهما:
أولاً : من مظاهرِ مولاةِ الكفارِ:
- التشبُهُ بهم في الملبسِ والكلامِ وغيرِهما: لأنَّ التشبُهَ بهم في الملبسِ والكلامِ وغيرِهما يدلُ على محبةِ المتشبَّهِ به ... مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )، فيَحْرُمُ التشبهُ بالكفارِ فيما هو من خصائِصِهم مِنْ عاداتِهم، وعباداتِهم، سِمَتِهمْ وأخلاقِهم كحلقِ اللحى وإطالةِ الشواربِ، والرطانةِ بلغتِهم إلا عندَ الحاجةِ، وفي هيئةِ اللباسِ، والأكلِ والشربِ وغيرِ ذلك.
- الإقامةُ في بلادِهم وعدمُ الانتقالِ منْها إلى بلادِ المسلمينَ لأجلِ الفرارِ بالدينِ: لأنَّ الهجرةَ بهذا المعنى، ولهذا الغرضِ واجبةٌ على المسلمِ، لأنَّ إقامتَه في بلادِ الكفارِ تدلُ على موالاةِ الكافرينَ- ومنْ هنا حرَّم اللهُ إقامةَ المسلمِ بينَ الكفارِ إذا كانَ يقدرُ على الهجرةِ، فلمْ يعذرْ اللهُ في الإقامةِ في بلادِ الكفارِ إلا المستضعفينَ الذين لا يستطيعونَ الهجرةَ، وكذلك منْ كان في إقامتهِ مصلحةٌ دينةٌ كالدعوةِ إلى اللهِ ونشرِ الإسلامِ في بلادِهم.
- السفرُ إلى بلادِهم لغرضِ النُزْهةِ ومتعةِ النَّفْسِ: والسفرُ إلى بلادِ الكفارِ محرَّمٌ إلا عندَ الضرورةِ كالعلاجِ والتجارةِ والتعليمِ للتخصصاتِ النافعةِ التي لا يمكنُ الحصولُ عليها إلا بالسفرِ إليهم فيجوزُ بقَدْرِ الحاجةِ، وإذا انتهتْ الحاجةُ وجبَ الرجوعُ إلى بلادِ المسلمينَ، ويُشتَرَطُ كذلك لجوازِ هذا السفرِ أنْ يكونَ مُظهِرَاً لدينِهِ معتزاً بإسلامِهِ مبتعداً عن مواطنِ الشرِ،ح َذِراً منْ دسائسِ الأعداءِ ومكائِدِهم، وكذلك يجوزُ السفرُ أو يجبُ إلى بلادِهم إذ كان لأجلِ الدعوةِ إلى اللهِ ونشرِ الإسلامِ.
- إعانتُهمْ ومناصرَتُهم على المسلمينَ ومدحُهم والذبُ عنْهُم: وهذا- من نواقضِ الإسلامِ وأسبابِ الرِدَّةِ - نعوذُ باللهِ منْ ذلك.
- الاستعانةُ بهم والثقةُ بهم وتوليتُهم المناصبَ التي فيها أسرارُ المسلمينَ واتخاذهمُ بِطانةً ومستشارينَ: ومن هذا ما وقعَ في هذا الزمانِ من استقدامِ الكفارِ إلى بلادِ المسلمينَ - بلاد الحرمين الشريفين- وجعلِهم عمالاً وسائقينَ ومستخدمينَ ومربينَ في البيوتِ وخلطِهم مع العوائِلِ، أو خلطِهم مع المسلمينَ في بلادِهم.
- التأريخُ بتاريخِهم خصوصاً التاريخُ الذي يعبرُ عن طقوسِهم وأعيادِهم كالتاريخِ الميلادي: والذي هو عبارةٌ عن ذكرى مولدِ المسيحِ عليه السلامُ، والذي ابتدعوه منْ أنفسِهم وليس هو منْ دينِ المسيحِ عليه السلامُ، فاستعمالُ هذا التاريخِ فيه مشاركةٌ في إحياءِ شعارِهمْ وعيدِهم.
- مشاركتُهم في أعيادِهم أو مساعدتُهم في إقامتِها أو تهنئتُهم بمناسبتِها أو حضورُ إقامتِها.
- مدحُهم والإشادةُ بما همْ عليه من المدنيةِ والحضارةِ والإعجابِ بأخلاقِهم ومهاراتِهم دونَ نظرٍ إلى عقائدِهمْ الباطلةِ ودينِهمُ الفاسدِ، وليس معنى ذلك أنَّ المسلمينَ لا يتخذونَ أسبابَ القوةِ منْ تَعلُّمِ الصناعاتِ ومقوماتِ الاقتصادِ المباحِ والأساليبِ العسكريةِ بلْ ذلك مطلوبٌ، فالواجبُ أنْ يكونَ المسلمونَ سباقينَ إلى استغلالِ هذه المنافعِ وهذه الطاقاتِ، ولا يسْتَجدونَ الكفارَ في الحصولِ عليها، بلْ أنْ يكونَ لهمْ مصانعُ وتقنياتٌ.
- التسمي بأسمائِهمْ: بحيثُ يُسمِّي بعضُ المسلمينَ أبنائَهم وبناتِهم بأسماءٍ أجنبيةٍ ويتركونَ أسماءَ آبائِهم وأُمهاتِهم وأجدادِهم وجداتِهم والأسماءَ المعروفةَ في مجتمعِهم.
- الاستغفارُ لهمْ والترحمُ عليهِم : وقد حرَّم اللهُ ذلك.
ثانياً: من مظاهر موالاة المؤمنين:
- الهجرةُ إلى بلادِ المسلمينَ وهجرُ بلادِ الكافرينَ: والهجرةُ هي الانتقالُ منْ بلادِ الكفارِ إلى بلادِ المسلمينِ لأجلِ الفرارِ بالدينِ، والهجرةُ بهذا المعنى ولأجلِ هذا الغرضِ واجبةٌ وباقيةٌ إلى طلوعِ الشمسِ منْ مغربِها عندَ قيامِ الساعةِ وقد تبرأَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - منْ كلِ مسلمٍ يُقيمُ بينَ المشركينَ فتَحْرُمُ على المسلمِ الإقامةُ في بلادِ الكفارِ إلا إذا كانَ لا يستطيعُ الهجرةَ منْها .
- مناصرةُ المسلمينَ ومعاونتُهمْ بالنفسِ والمالِ واللسانِ فيما يحتاجونَ إليهِ في دينِهمْ ودنياهُمْ.
- التألمُ لِألمِهمْ والسرورُ بسرورِهم.
- النصحُ لهمْ ومحبةُ الخيرِ لهمْ وعدمُ غشِهِمْ وخديعتِهِمْ
- احترامُهمْ وتوقيرُهمْ وعدمُ تَنَقْصِهِمْ وعيبِهم.
- أنْ يكونَ معهمْ في حالِ العسرِ واليسرِ والشدةِ والرخاءِ، بخلافِ أهلِ النفاقِ الذين يكونونَ مع المؤمنينَ في حالِ اليسرِ والرخاءِ ويتخلَّونَ عنْهم في حالِ الشدةِ.
- زيارتُهمْ ومحبةُ الالتقاءِ بهمْ والاجتماعِ معهمْ .
- احترامُ حقوقِهمْ : فلا يبيعُ على بيعِهمْ ولا يَسُومُ على سَوْمِهمْ ولا يخطِبُ على خِطبتِهم ولا يَتَعرَّضُ لما سَبقوا إليهِ منْ المباحاتِ.
- الرفق بضعافهم،
- الدعاءُ لهمْ والاستغفارُ لهمْ.
تنبيه:
وأما قولُه تعالى:( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).(الممتحنة:٨)، فمعناه أنَّ منْ كَفَّ أذاهُ منْ الكفارِ فلمْ يُقاتلْ المسلمينَ ولمْ يُخرجْهُمْ منْ ديارِهمْ فإنَّ المسلمينَ يقابلونَ ذلك بمكافأتِه بالإحسانِ والعدلِ مَعَهُ في التعاملِ الدنيويِّ ولا يُحِبُونَهُ بقلوبِهم لأنَّ اللهَ قالَ: (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ). ولم يقلْ توالونَهمْ وتُحبونَهمْ، ونظيرُ هذا قولُه تعالى في الوالدَينِ الكافرينِ، فالصلةُ والمكافأةُ الدنيويةُ شيءٌ، والمودةُ شيءٌ أخرُ، ولأنَّ في الصلةِ وحسنِ المعاملةِ ترغيباً للكفارِ في الإسلامِ فَهُما منْ وسائلِ الدعوةِ بخلافِ المودةِ والموالاةِ فهما يدلانِ على إقرارِ الكافرِ على ما هو عليه والرضى عنه وذلك يسببُ عدمَ دعوتِه إلى الإسلامِ، وكذلك تحريمُ موالاةِ الكفارِ لا تَعني تحريمَ التعاملِ معهمْ بالتجارةِ المباحةِ واستيرادِ البضائعِ والمصنوعاتِ النافعةِ والاستفادةِ منْ خبراتِهم ومخترعاتِهم.
وما زالَ المسلمونَ يستوردونَ البضائعَ والمصنوعاتِ منْ الكفارِ وهذا منْ بابِ الشراءِ منْهمْ بالثمنِ وليسَ لهمْ علينا فيهِ فضلٌ ومِنّةٌ، وليس هو منْ أسبابِ محبتِهمْ وموالاتَهم، فإنَّ اللهَ أوجبَ محبةَ المؤمنينَ وموالاتهمْ وبُغضَ الكافرينَ ومعاداتهم.
أقسامُ الناسِ فيما يجبُ في حقِهمْ منْ الولاءِ والبراءِ:
- منْ يُحَبُ محبةً خالصةً لا معادةَ معها: وهم المؤمنونَ الخُلَّصُ منْ الأنبياءِ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ، وفي مقدمتِهِمْ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فإنَّه تجبُ محبتُهُ أكثرَ منْ محبةِ النفسِ والوالدِ والولدِ والناسِ أجمعينَ، ثم زوجاتُه أمهاتُ المؤمنينَ وأهلُ بيتِهِ الطيبونَ وصحابتُه الكرامُ -خصوصاً - الخلفاءُ الراشدونَ وبقيةُ العشرةِ والمهاجرونَ والأنصارُ وأهلُ بدرٍ وأهلُ بيعةِ الرضوانِ ثم بقيةُ الصحابةِ - رضي اللهُ عنهم –أجمعين، ثمَّ التابعونَ والقرونُ المفضلةُ وسلفُ هذه الأمةِ وأئمتُها كالأئمةِ الأربعةِ، ولا يُبغضُ الصحابةَ وسلفَ هذه الأمةِ مَنْ في قلبِه إيمانٌ، وإنما يُبغِضهمْ أهلُ الزَّيْغِ والنفاقِ وأعداءُ الإسلامِ كالرافضةِ والخوارجِ، نسألُ اللهَ العافيةَ.
- منْ يُبغضُ ويُعادَى بُغضاً ومعاداةً خالصيْنِ لا محبةَ ولا موالاةَ معهما: وهم الكفارُ الخُلَّصُ من الكفارِ والمشركينَ والمنافقينَ والمرتدينَ والملحدينَ على اختلافِ أجناسِهمْ.
- من يُحَبُ من وجهٍ ويُبغَضُ منْ وجهٍ: فتجتمعُ فيه المحبةُ والعداوةُ وهمْ عصاةُ المؤمنينَ، يُحَبونَ لِمَا فيهمْ منْ الإيمانِ ويُبْغَضونَ، لما فيهم منْ المعصيةِ التي هي دونَ الكفرِ والشركِ، ومحبتُهمْ تَقتضي مُناصحَتَهمْ والإنكارَ عليهمْ، فلا يجوزُ السكوتُ على معاصيِهِمْ بلْ يُنكَرُ عليهِمْ، ويُؤمرونَ بالمعروفِ ويُنهونَ عنْ المُنكرِ وتُقامُ عليهم الحدودُ والتعزيراتُ حتى يكفُّوا عنْ معاصيِهم ويتوبوا منْ سيئاتِهمْ، ولكنْ لا يُبغضونَ بُغضاً خالصاً ويُتبرأُ منْهم كما تقولُه الخوارجُ في مرتكبِ الكبيرةِ التي هي دونَ الشركِ، ولا يُحبونَ ويُوالوْنَ حُباً وموالاةً خالصيْن كما تقولُه المرجئةُ بل يُعتدلُ في شأنِهم على ما ذكرنا كما هو مذهبُ أهلِ السنةِ والجماعةِ، والحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ أوثقُ عُرى الإيمانِ، والمرءُ مع منْ أَحبَّ يومَ القيامةِ كما في الحديثِ.
وقد تغيرَ الوضعُ وصارَ غالبُ موالاةِ الناسِ ومعاداتهم لأجلِ الدنيا فمنْ كان عنده طمعٌ منْ مطامعِ الدنيا والوْهُ وإنْ كانَ عدواً للهِ ولرسولِهِ ولدينِ المسلمينَ، ومنْ لمْ يكنْ عنده طمعٌ منْ مطامعِ الدنيا عادوْهُ ولو كانَ ولياً للهِ ولرسولِهِ عند أدنى سببٍ وضايقوه واحتقروه، وأشدُ الناسِ محاربةً للهِ مَنْ عادى أصحابَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وسبَّهم وتنَقصهمْ، وقد صارتْ معاداةُ الصحابةِ وسبُّهم ديناً وعقيدةً عند بعضِ الطوائفِ الضالةِ، نعوذُ باللهِ منْ غضبِهِ وأليمِ عقابِهِ، ونسألُهُ العفوَ والعافيةَ، وصلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ علي نبيِنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِه.
- التصنيف: