الأسد .. والسيناريو الليبي إذ يقترب!
اختبار شديد الصعوبة يواجهه النظام العلوي الطائفي في سوريا لم يجابهه منذ أربعين عامًا في حكم البلاد؛ فالساعات التي صدر فيها قرار الجامعة العربيَّة بتعليق مشاركته في جميع مؤسَّسات الجامعة العربيَّة إلى أن تعلن استجابة واضحة وعمليَّة للمبادرة العربيَّة هي الساعات الأقسى على هذا النظام منذ وصل إلى السلطة كونها تحمل في أحشائها الأسوأ للمرحلة القادمة، لا سيما أن قبوله بهذه المبادرة يشكّل إعلانًا صريحًا بالانتحار السياسي كونها تختلف كمًّا وكيفًا مع الطبيعة المغلقة والطابع الأمني المعقَّد لهذا النظام الذي أذاق الشعب السوري جميع الولايات منذ اندلاع الانتفاضة المشتعلة منذ أشهر لإسقاطه.
حصان طروادة:
ولا شكّ أن القرار العربي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة وما سيليه من قرار تجميد هذه العضويَّة فضلًا عن فرض عقوباتٍ سياسيَّة ودبلوماسيَّة عليه قد بعثر جميع أوراق النظام ونزع عنه ورقة الشرعيَّة العربيَّة التي استطاع توظيفها خلال العقود الأربعة السابقة للخروج من عددٍ من المواقف الصعبة التي واجهته، بل وعزَّزت نفوذه في أكثر من ساحة على رأسها الفلسطينيَّة واللبنانيَّة.
وبدلا من أن يحاول النظام الاستجابة للوساطة العربيَّة، والتي تعدّ طوق النجاة الوحيد لإنقاذ سفينته الغارقة بفضل الضغط المتواصل من الثوار السوريين في أغلب المدن السوريَّة رأيناه يسلك طريق المناورات عبر الدعوة إلى عقد قمَّة عربيَّة تناقش الأزمة السوريَّة وهي قمة تريد دمشق استخدامها كحصان طروادة لتجنُّب قرار بتجميد عضويتها في الجامعة وتفريغ الضغوط المتصاعدة عليه من مضمونها واللعب على ورقة الوقت علَّها توفّر له طوق نجاة.
نهج التصفية:
محاولة النظام السوري للعب بورقة الوقت والقمة العربيَّة لا يبدو أنها ستحقق أي نجاح لا سيما أن أحدًا من البلدان العربيَّة لن يستجيب لهذه الدعوة ولن يجاهر بقبول إسباغ أي نوع من الشرعيَّة العربيَّة على نهج التصفية الذي خلَّف ما يقرب من 4000 قتيلًا في مجمل المدن السوريَّة في وقتٍ أخفقت جميع مساعي النظام السوري لتأجيل التصعيد العربي ضدَّه، بل إن دولا عربيَّة أبدت تحفظًا على تبِّني نهج متشدِّد حيال النظام البعثي فوجئ بها الأسد الصغير تؤيد قرارات تعليق عضويته، بل إن هذه الدول كثَّفت من ضغوطها عليه للاستجابة غير المشروطة للمبادرة واستقبال لجنة تقصِّي حقائق لتقييم تنفيذه لها على أرض الواقع.
شمس تغرب:
ولا يعتقد على نطاق واسع أن النظام السوري يمتلك أي مساحة للمناورة حاليًا بعد أن ضيّقت كل من المملكة العربيَّة السعوديَّة وقطر وغيرهما الخناق عليه وانتزعت زمام المبادرة من بين يديه بشكلٍ جعل أكثر من دولة عربيَّة كبيرة مثل مصر والجزائر تنفضّ عنه رغم مطالبتها طويلًا بإعطاء الفرصة لحلّ عربي للأزمة يقطع الطريق أمام تدخل دولي، بل إنها تراجعت عن موقفها الرافض لاستخدام الجامعة العربيَّة كأداة لإسقاط الأنظمة وليس لتعزيز التعاون بين بلدان المنطقة رغبةً منها في عدم الدخول في مواجهة مع بلدان الخليج الراغبة في تقليم أظافر النظام البعثي في دمشق تمهيدًا لغروب شمسه ومواجهة نفس مصير نظام القذافي في ليبيا.
بل إن تعليق عضوية سوريا في الجامعة وما سيليه من تجميدها قد يفتح الباب على مصراعيه أمام تدخل دولي لإسقاط النظام البعثي رغم وجود نوعٍ من التحفظ الغربي على تكرار السيناريو الليبي، وهو تحفُّظ قد لا يستمرّ طويلا في ظلّ وصول العلاقة بين دمشق من ناحية كل من الرياض وإسطنبول لطريق مسدود حيث لم تعد هناك أيّ قناعة بإمكانيَّة استمرار هذا النظام في ظلّ رفضها إقرار أي إصلاحات جادَّة تقلِّل من حدَّة الغضب الشعبي عليها وتوجِد جسرًا بينه وبين المعارضة تجنب سوريا تدخلاً أجنبيًّا أو حربًا أهليَّة على الأقل، وهما عاصمتان قادرتان بفعل ما تملكانه من نفوذ علي تدشين تحالف دولي لإسقاط الأسد.
عزلة دوليَّة:
ضعف الخيارات التي يعاني منها النظام السوري لا تجعل أمامه من طريق المضي قدمًا في الحل الأمني كسبيل لتطويق الثورة وإخماد جذوتها، رغم أن كافة الترجيحات تشير لفشل هذا الرهان في النهاية، فهو لن يطيل عمر النظام طويلا كما يعتقد سدنتُه، بل سيضاعف من العزلة الدوليَّة التي يعاني منها حاليًا، بل سيضعف للحدّ الأدنى من الدعم المؤمّن له من بعض القوى الدوليَّة في مقدمتها روسيا والصين، وهو الدعم الذي يعوّل عليه النظام السوري لتجنُّب مصير حليفه المقبور القذافي.
ويعتقد على نطاق واسع أن النظام السوري لم يعد أمامه إلا الرهان على الدعم الروسي الصيني لتفريغ الخطوات العقابيَّة العربيَّة من مضمونها، وهو دعم ظهر جليًّا في الانتقادات الشديدة التي وجَّهها وزير الخارجيَّة الروسي سيرجيه لافروف لقرارات الجامعة العربيَّة، بل وتناغمه مع وصف نظيره السوري وليد المعلم لقرارات اجتماع القاهرة بأنها كانت مبيتةً وأداة لخدمة المصالح الأمريكيَّة في المنطقة ووصولا إلى أنها لا توفِّر بيئة مناسبة لحلّ الأزمة، وهي مواقف لن تمنع في الأغلب الأعمّ اتخاذ خطواتٍ أكثر تصعيدًا.
تحذيراتٌ متتالية:
فالتعويل على الدعم الروسي والصيني ومحاولات الدبلوماسيَّة السوريَّة لتوظيفه للإفلات من مصير الأنظمة العربيَّة المخلوعة قد لا يكتب لها النجاح، خصوصًا أن تسريبات وتصريحات خرجت عن مسئولين عرب رفيعي المستوى منهم وزير الخارجيَّة الجزائري مراد مدلسي، رجَّح صدور قرار قريب بتجميد عضويَّة سوريا، بل أنه لم يخفِ تشاؤمه من تدهور الأزمة ووصولها لمراحل شديدة التعقيد قد يكون من بينها التدخل الدولي، خصوصًا أن أسهم النظام السوري تتراجع بشكلٍ حادّ كلما تأخَّر تعاطيها الإيجابي مع الوساطة العربيَّة، وهو ما حذَّر منه بشدة نظيره المصري محمد كامل عمرو على هامش زيارته الأخيرة للجزائر.
وفقًا لهذه التطورات وتباعد المواقف بين النظام السوري وعدد من القوى الإقليميَّة والدوليَّة فإن القرار العربي وما تضمَّنه من اعتراف عربي بالمعارضة السوريَّة كلاعب أساسي في الساحة السوريَّة وما تلاه من استقبال موسكو الحليف والداعم الأول لنظام الأسد قد قدَّم أكثر من إشارة على أن النظام السوري أصبح بين المطرقة والسندان؛ فالاستقبال الروسي لقوى المعارضة يؤشِّر إلى أن دعم موسكو لدمشق قد لا يستمرّ طويلًا؛ فالدب الروسي يبدو حريصًا بشدّة على الحفاظ على مصالحه وعدم وضع البيض كله في سلَّة واحدة كي لا يواجه فقْدَ حليف استراتيجي في وزن النظام البعثي دون أن يستطيع لملمة أشلائه والحصول على نصيب من الكعكة.
لعبة مصالح:
ولعلَّ هذا الموقف من موسكو قد خلط الأوراق بشدَّة وجعل دمشق تفكِّر مليًّا في السيناريو الأسوأ، فتعويلها على الحلّ الأمني وضمان ولاء الجيش العلوي والأقليَّات داخل سوريا قد لا يستمرّ طويلا، خصوصًا مع إصرار الثوار ودول الجوار على تضييق الخناق عليه في ظلّ اشتعال الثورة في حمص واقترابها من أعتاب دمشق، وهو تطوُّر قد يقلب الأمور رأسًا على عقب، لا سيما أن اشتعال الموقف بين دمشق والحاضنة العربيَّة قد سدَّد رصاصة الرحمة على الوساطة العربيَّة وفتح الباب واسعًا أمام اقتراب السيناريو الأسود، بل زاد الطين بلَّة حديث البعض عن تقديم ضمانات للأسد واستقباله في عاصمة عربيَّة حال خروجه من السلطة، وهو سيناريو يبدو أنه الخيار الوحيد المتاح حاليًا.
هروب وتصفية:
ورغم أن هذا السيناريو ليس قريبًا وفق المعايير العربيَّة السابقة فالنظام السوري يبدو قادرًا على الاستمرار في السلطة لمدة ليست بالقصيرة في ظلّ حالة الغموض الأمريكي حياله وضعف الضغوط الأوروبيَّة عليه بالمقارنة بما وقع حيال ليبيا.
في ظلّ رفض إسرائيل لأي مساس بالنظام خوفًا من وصول إسلاميين للحكم، ناهيك عن أن المعارضة السوريَّة لا تمتلك القوة حتى الآن على قلب الطاولة على النظام بشكلٍ يجعل الأزمة مرشحةً للاستمرار لفترة ليست بالقصيرة، وإن كانت ستنتهي حتمًا بفرار الأسد من البلاد إلى إحدى دول الجوار أو مواجهة مصير مماثل لما واجه القذافي وعائلته وأنصاره، على يد الثوَّار.
- التصنيف: