سهام الليل

منذ 2023-12-04

يقول ﷺ: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»؛ (متفق عليه).

ما هي سهام الليل؟

سهام الليل لا تخطئ ولكن 

لها أمدٌ وللأمدِ انقضاء 

 

فإذا ادلهمَّت الخطوب، وضاقت عليك الأرض، وعَزَّ الصديق، وقلَّ الناصر، وزمجر الباطل وأهله، ودعم الفساد وأهله، وكبت الحق وأهله، ونطق الرويبضة، وغدا القرد ليثًا، وأفلتت الغنم؛ فارفع يديك إلى من يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، ويقول سبحانه: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].

 

يقول صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»؛ (متفق عليه).

 

أما معنى «سهام الليل لا تخطئ» فهذا المعنى أعظم بكثير حيث يدل على أن معنى كلمة «سهام» تعني الدعاء، وقد قال الإمام الشافعي:

سهام الليل لا تخطئ ولكن   ***   لها أمد وللأمد انقضــاء 

فيمسكها إذا ما شاء ربـــي   ***   ويرسلها إذا نفذ القضاء 

 

فما أشدَّ غفلتنا إذ ينام الواحد منَّا على هموم وأحزان تنوء عنها الجبال! ينام وهو يفكِّر فيمن عساه سيكشف همَّه من المخلوقين، وينسى تلك الساعات التي تُكشف فيها الغموم، وتُرفع فيها مغاليق القلوب، وتُطلق فيها الألسن لتنطق بأرقِّ الكلمات وأصدق العبارات، تلك الساعات التي يحسُّ فيها العبد بخشوع عجيب تسيل معه دموعُ العينين، ويخفق فيها القلب، وتهتزُّ معه الرُّوح، ويحسُّ العبد المؤمن أنَّ دعاءه يخترق حُجُب السماء.

 

اطرق باب الحنَّان المنَّان، فو الله، لن يردَّك أبدًا، قم في وقت السَّحَر، توضَّأ وأحسِن الوضوء، صلِّ صلاةَ فقيرٍ ذليلٍ بين يدي خالقك جلَّ وعلا، تذكَّر أنَّك أقرب ما تكون إلى ربِّك في تلك اللَّحظات، وأنت ساجد في جوف اللَّيل، تذكَّر أنَّ الدُّعاء في تلك السَّاعات هو أنفع دعاء وأقربه إلى الإجابة، أكثر في سجودك من الثَّناء على ربِّك الكريم بأسمائه الحُسْنى وصفاته العُلى، اشكُ إليه بثَّك وضعفك وقلَّة حيلتك، ادْعُ ربَّك الكريم بكلِّ حرقة وقُل: "اللهمَّ يا أرحم الرَّاحمين، يا أكرم الأكرمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيَّ يا قيوم، يا مالك الملك، يا حنَّان يا منَّان، برحمتك أستغيث، فلا تكِلْني إلى نفسي طرفة عين، اللهمَّ إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وألحقني بالصالحين، ربّ قد أعيت الحيل، وتقطَّعت السُّبُل، ربّ قد مسَّني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين".

 

ادْعُ للمسلمين في كل مكان، ولا تحسب أن الدعاء حيلة العاجز؛ بل الدعاء الصادق عظيم؛ إذ هو طلب نصرة الله القوي العزيز، فلا يقوى على صدِّه أحد، ولا يعرف قيمته إلا القليل، فإنه السلاح الأقوى والسيف الأمضى، إنه وصلة العبد برب الأرض والسماء.

 

وصدق الشاعر عندما قال:

أتهزأُ بالدعاء وتزدريــــــــه   ***   ولا تدري بما صنع الدعاء 

سهام الليل لا تخطئ ولكن   ***   لها أجل وللأجل انقضــاء 

 

إنه الدعاء، فلا تعجز عنه؛ قال ابن تيمية رحمه اللَّه عن نفسه: «ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم، وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم عَلِّمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل الله تعالى وأقول: يا مُعلِّم إبراهيم فهمني»، فيفتح الله عليه.

 

وقال الألبيري:

ولازم بابه قرعًا عساه   ***   سيفتح بابه لك إن قرعتا 

 

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

____________________________________________________
الكاتب: فواز بن علي بن عباس السليماني