خطوات عملية للشفاء من السحر
المعروض هنا في هذا المقال ملاحظات من تجربة شخصية امتدت على ظهر عشر سنوات تقريبًا، ولا أمارس العلاج بالرقية ولا غيرها.
{بسم الله الرحمن الرحيم}
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اهتمامي بالسحر سببه طلب العلاج لأحبة أصيبوا بالمرض لا من باب التخصصية، فالمعروض هنا في هذا المقال ملاحظات من تجربة شخصية امتدت على ظهر عشر سنوات تقريبًا، ولا أمارس العلاج بالرقية ولا غيرها.
في مخالطة المسحورين وتكبد مشقة طلب العلاج عديد من الفوائد، من أهمها:
التعرف على حال الشياطين وأوليائهم من الإنس (السحرة وطلّاب السحر.. قاتل الله الجميع).. فمخالطة المسحورين تريك رأي العين كيف أن الشياطين كُثر، وحضور لا يغيبون.. ومختصون فيما يفسدون فيه.. وتخصصية عالية جدًا. فبعضهم لإفساد الصلاة بالوسوسة، وبعضهم لضياع البركة في الطعام والشراب، وبعضهم لضياع البركة في المنام، بل لتحويل المنام إلى جرعة عذاب.. وسل المسحورين عما يرونه بالليل؛ وبعضهم للتحريش بينك وبين أهلك وأصدقائك، وبعضهم لإلهائك عن الذكر.. جم غفير وتخصصية عالية... وعداوة شديدة لا تنفك. حالهم كما وصف الله خالقهم وخالق كل شيء { "إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا"} (الإسراء: من الآية 53). ولذا علينا أن نتخذهم أعداء كما أمرنا الله { "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا"} [تكرر هذا الأمر سبع مرات بلفظ صريح].
ومنها التعرف على فساد حال الناس وانتشار الحقد والحسد والتدابر بين الأقارب، وذلك أن اليد التي تقدم السحر تبدو حبيبة أو صديقة، أو هكذا تحاول أن تظهر، فانتشار السحر والعين أحد المؤشرات الهامة على مستوى تدين المجتمع (التدين الاجتماعي)، وأحد المؤشرات الهامة على ترسخ الأخلاق الفاسدة بين الناس.
ومما يساعد على انتشار السحر: كثرةُ السَحَرَةِ، وتسمية السحر بغير اسمه (مثل: جلب الحبيب،،، ونحو ذلك)، وقلة تكاليف السحر المادية. وأنه عمل خفي لا يطلع عليه الناس، ولا يعرف فاعله إلا بعد مدة من الزمن، وقد لا يعرف.
والسحر منتشر بين الجميع.. وليس فقط الطبقات المتوسطة والدنيا.
ما هو السحر؟
السحر عملية مركبة، فيها:
طالب السحر من البشر.
والساحر الذي يعقد وينفث في العقد. "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ".
المسحور.. المريض الذي وقع عليه السرح. شفا الله كلّ مريض.
والعمل (العُقد التي تم النفث فيها) ثم تؤكل أو تشرب أو تدفن،،،،.
وشيطان السحر وهو شيطان يكلَّف بمهام محددة تجاه المسحور. ويكون هذا الشيطان مرتبطًا بالعمل، حضورًا وغيابًا وقوة وضعفًا. ويكون هذا الشيطان متخصصًا في الغالب.. بمعنى يمارس نوعًا محددًا من الأذية، مثل: التفرقة بين الزوجين، والمنع من التعلم أو التعليم؛ ويؤدي مهمته من خلال ضيق الصدر، والحزن الشديد الذي يؤلم القلب، وتنفيره من مخالطة الناس، والتسلط على المريض في النوم بالكاوبيس الرهيبة.. فمطاردة، وتعذيب وقتل، واغتصاب...؛ والتسبب في تعطيل (إمراض) بعض أجزاء الجسم كأسفل الظهر والرأس (الصداع) والحنجرة والأذن، حتى يظن المسحور أنه مريض بهذه الأشياء وحين يذهب إلى الأطباء لا يجدون به مرضًا.
يتحدث الشيطان بالوسوسة (التخاطر) فكل منا معه شيطان يحدثه.. في الصلاة وفي غير الصلاة، وشيطان السحر يتحدث بالتخاطر (الوسوسة)، وفي مرحلة متقدمة يظهر للمسحور في حالة بين اليقظة والمنام، وقد يصاحبه ويعتاد عليه؛ على أن الشياطين، وإن أحبت، لا تحسن التعامل، بل يعتريها سوء الخلق من حين لحين، ولا يستطيع ارضاؤها المسحورون أو أولئك الذين يبذلون لهم من إيمانهم وأخلاقهم (السَحَرة)، فهؤلاء يصيبهم شؤم المعصية ويأتيهم شر عظيم من مخالطة الشياطين لهم، وصدق الله: {"وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" } (الجن:6).
فالسحر باختصار: تسخير شيطان من أجل أذية شخصٍ ما في شيء محدد يتميز به.
العلاج:
غالبًا ما يتم التعرف على السحر بعد مدة من الإصابة به، لأنه يظهر تدريجيًا وتختلط أعراضه بأعراض بدنية عادية، مثل: الصداع والألم في بعض المناطق كأسفل الظهر والرقبة والمعدة؛ وكوابيس، وضيق الصدر، والحزن الشديد لدرجة ارتجاف القلب، والخوف من المستقبل، والرغبة في الانتحار،،، إلخ.
أكثر الخطوات أثرًا في معالجة السحر هي منع السحرة. وفي الإسلام أن الساحر يقتل. جزاءً وفاقًا. ولا يظلم ربك أحدًا. فالسحر قتل. بل أشد من القتل. وذلك أن القتل لحظة ألم تمر سريعًا (وقد لا يكون مع القتل ألم إن كان ذبحًا أو ضرب عنق)، أمّا السحر فهو ألم شديــــــــــــــد طول الوقت. وقتل الساحر فيه منعٌ للناس من الاقتراب من السحر، ولذا حين طبق الحد على الساحر عاش المجتمع خلي من هذا الكم الرهيب من الألم النفسي والبدني. وسل المسحورين. ولكننا في زمن لا يعاقب السحرة بالقتل بل يعاقب من يتحدث بهذا.. نسأل الله العافية. ولذا نتعامل بالمتاح: بمعنى لا نترك السحرة: نُشهِّرُ بهم وبمن يأتيهم، ونرفع أمرهم للسلطة لنيل العقوبة المقررة قانونًا، أو نرفع أمرهم للسلطة في قضايا أخرى غير السحر. فلا يبقى الساحر آمنًا مطمئنًا وهو يمارس هذا الإجرام.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الناس يتركون السحرة لأنهم يستفيدون منهم في بعض الأحيان. فالإجرام في الناس أيضًا وليس فقط في السحرة.. منظومة من الضلال والفساد.
أول خطوات العلاج المنطقية هي: محاولة التعرف على طالب السحر والتفاهم معه للدلالة على مكان السحر ومن ثم فكه ليرحل الشيطان المرتبط بالعمل. وهذا بعيد جدًا، بل يكاد يكون مستحيلًا، وذلك أن التعرف على طالب السحر يأتي متأخرًا كونه من المقربين في الغالب، والجميع ينكر ويشتد في النكير. بل ويقسم أنه لم يفعل!! فالسحر كالزنا يأتونه راغبين ويتنكرون له مستعرين منه. وفائدة ذكر هذا الأمر: هو تتبع الأماكن التي يتم فيها دفن الأسحار كالمقابر والتخلص من هذه الأسحار صدقة على أهلها.. حسبةً لله. أو كلما وقع عملٌ في يد أحد ذهب به لمختص لفكة وتخليص صاحبه منه.
يتمثل العلاج الفعلي في اتجاهين رئيسيين:
الاتجاه الأول: التوجه لخادم السحر (الشيطان) مباشرة بالعلاج لقتله أو إضعافه، وهذا ممكن جدًا. وخاصة إن فَهِم المسحور- أو من يساعده- أن شيطان السحر يعيش مع المسحور كليةً.. يأكل من طعامه ويشرب من شرابه وينام بجواره ويتحدث إليه بالتخاطر، وربما يعامله كزوج في المنام أو في حالة بين اليقظة والنوم. شفا الله الجميع.
والعلاج هنا يتمثل في حرمان خادم السحر مما يقويه وينعشه: فلا يدعه يأكل أو يشرب وذلك بذكر الله أول الطعام والشراب، وذكر الله على ما يترك من الطعام والشراب في البيت، ولا يدعه ينام وذلك بالتزام ما تيسر من الذكر حال إرادة النوم. وكلما كثر الذكر وحضر القلب كان الأثر أقوى. وعلى من يرافق المريض ويساعده في العلاج أن لا يفارقه في قدر المستطاع حتى لا ينفرد به شيطان السحر، فشيطان السحر أقل أثرًا حال حضور الناس مع المسحور وخاصة إن كانوا من المتقين.
ويتفاوت الناس في هذا المنحى من العلاج تفاوتًا كبيرًا حسب علمهم وعملهم. وهنا يجب أن ينتبه كل مريض وأولياؤه أن أولى الناس بالمريض نفسه هو أو من يحبه، ليخرج الدعاء والأذكار من قلب يقظ حريص على الخير.
وما يحدث عمليًا حال ممارسة العلاج بالقرآن والذكر والتزام السنة نهجًا في الحياة أن شيطان السحر يقاوم مقاومة شديدة حين يبدأ المريض في العلاج، ولكن بالاستمرار يضعف، بل ويضطر للبعد عن المريض ليشعر أنه شفي ويتوقف عن العلاج.
وهنا ملاحظة أخرى، وهي أن شيطان السحر يُظهر أنه تاب وأسلم، وسيخرج من المريض ولن يعود، ويخرج بالفعل ليوم أو يومين.. ثم يعود ساخرًا أو متسللًا وكأن شيئًا لم يكن.
علاج السحر بهذه الطريقة فعال جدًا، فمن ناحية يضعف الشيطان ومن ناحية أخرى يقوي الملائكة الحفظة. والعجز يأتي من عدم القدرة على الاستمرار ونقطة القوة في وجود مساعد للمريض من أهله، وعلى هذا المساعد، وعلى الجميع في الحقيقة، أن يتحصن بالذكر وقراءة القرآن والتزام السنة، فالذكر حصن حصين.
قد لا يتم العلاج كلية ولكن المريض يتحسن، وإن استمر يبرأ بحول الله وقوته، فقد جعل الله القرآن الكريم شفاءً، يقول الله تعالى: {"وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا"} (الإسراء: 82)، {" قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ"} (فصلت: 44)
الاتجاه الثاني: العلاج بالأعشاب.
وهذا الاتجاه لا يقل أهميةً عن العلاج بالقرآن الكريم، فالأعشاب تُخرج مادة السحر- إن كان مأكولًا أو مشروبًا- وإخراج هذه المادة يقلل من أثر شيطان السحر بشكلٍ كبير، وإن خرجت كليةً شفي المريض تمامًا.
وكذلك تسبب الأعشاب (البخور بالأعشاب) ضررًا كبيرًا لشيطان السحر، فالشياطين تحب أعشابًا وروائحًا وتكره أخرى؛ وبعض الأعشاب يقتل شيطان السحر أو يطرده مثل البخور بمسحوق"كبد الحوت"، ويستخدم في طرد أعتى الشياطين كأولئك الذين يحرسون المقابر القديمة.
والمهم هنا هو الاستمرار على ما يجد المريض فيه فائدة. ولا يأخذ بقول أحد المعالجين.. فكل حالة لها ما يناسبها، والمعالجون يعممون حالات فردية. فمهم أن يكون المريض واعيًا ويعرف خصوصية حالته.
أفضل المعالجين اثنان: شخص المريض ومحب يساعده. ولابد من الاثنين معًا. فالمريض وحده لا يقوى على العلاج... يغلبه شيطان السحر.. يُقعده- في الغالب- عن ممارسة العلاج، وفوق ذلك فإن المريض يكون في حالة من الحزن والخوف (الهم والغم) تقعده عن العلاج وغير العلاج.. فَقَلَّ أن تجد من يُقبل على العلاج من تلقاء نفسه ولذا لابد من رفيق.
وهذان يعالجان بحالة من الإيمان.. قرآن وسنة وأذكار.. حالة تنغص على شيطان السحر استقراره وتمنعه من وساوسه. ويعالجان بالأعشاب ولابد.. ويبحثان خلف من صنع السحر رجاء أن يدلهم على مادة السحر (العمل)، أو يزعجانه ليعلم أنه قد كشف أمره ولا يتجرأ ثانية على تجديد السحر.
ومن وسائل العلاج طلب الرقية من الغير، وهو أمر خلاف الأولى في الشريعة، فقد جاء في الحديث أن من صفات أهل الجنة أنهم "لا يسترقون".. ولا أريد الاسترسال هنا، فقط أذكر أن الرقية تكون فاعلة إن كان من يرقي حاضر القلب والمريض هو الأكثر حضورًا بقلبه ولذا خير له أن يتعلم الرقية ويستعين بالله ويبدأ.. وليس فقط الرقية بل المحافظة على السنن والأذكار. حالة إيمان تقطع على شيطان السحر وساوسه وأفعاله وربما تطرده أو تقتله.
ومن وسائل العلاجِ العلاجُ بالجن. بمعنى شخص معه جن يعالج به، وما أعرفه أن هذا غير ممنوع في الشريعة ما لم يكن سحرًا.
والعلاج بالحجامة والأعشاب، وهي من أفضل الطرق، فالحجامة لها تأثير ملحوظ في الشفاء، وكذلك الأعشاب، سواءً تلك التي تشرب وتطرد السحر من الداخل (المعدة والأمعاء) بترجيعٍ أو بإسهال، أم تلك التي تخنق شيطان السحر وتؤذيه، والأفضل هنا أن يتم المداومة عليها (البخور) مرة أو مرتين كل أسبوع. أو أكثر من ذلك إن استطاع. وطريقة ممارستها معروفة عند أهلها، وعلى المريض أن يبحث (في اليوتيوب أو جوجل) ويقرأ ثم يبدأ.
بعد فترة من العلاج القوي يغيب عنك شيطان السحر وتظن أنك شفيت، ثم ما يلبث أن يعود، والمطلوب وقتها أن تستمر في العلاج حتى يصعب عليه المجيء ثانية. أو يأتي متعبًا لا يقوى على ما يريد. وهذا للصحيح والسليم، فكل منا يمسه الشيطان ولا قدرة على الشياطين إلا بالدخول في حصن الأذكار.
إن لب العلاج يكمن في معرفة حال شيطان السحر وحال الشياطين عمومًا. والاستعاذة بالله والأخذ بالأسباب الإيمانية والمادية لصدهم.
كتبه: محمد جلال القصاص
جمادى الآخرة 1445هـ.
- التصنيف: