روح وليس جسدا

منذ 2024-01-30

كانت المرأة في الجاهلية تُعامَل معاملة دونية، ليس فيها من الكرامة شيء، ولا تملك بها أقل الحقوق الإنسانية؛ ففضلًا على أنهم كانوا يَئِدُونها حية، ولا تُعطى حقًّا في الميراث.

كانت المرأة في الجاهلية تُعامَل معاملة دونية، ليس فيها من الكرامة شيء، ولا تملك بها أقل الحقوق الإنسانية؛ ففضلًا على أنهم كانوا يَئِدُونها حية، ولا تُعطى حقًّا في الميراث.

 

كانت بالنسبة للرجال متاعًا من الأمتعة؛ كالأموال التي يكتسبونها، والبهائم التي يمتلكونها، يتصرفون فيها كما يشاؤون، فلم يكن لها أي حقوق على زوجها في حياته، وإذا مات فقد كانت تُورَث لأحد أبناء الرجل من زوجة غيرها، وإذا شاء الرجل أن يكون له ابنٌ ذو شأن، أرسلها لرجل آخر من عِلْيَةِ القوم ينكِحها، فتحمل ابنًا يحمل الصفات الرفيعة لهذا الرجل!

 

كانت الإناث وسيلة لتحقيق أمانيِّهم، وإفراغ شهواتهم، وقضاء بعض الوقت في متعة ولهوٍ، وغير ذلك الكثير مما فيه إهانة واستعباد للمرأة.

 

ولكن كل ذلك اختفى حين أتى الإسلام، ونهى عن كل فعل وقول يهين المرأة، ويجعلها في مكانة غير التي هي عليها.

 

لم تعُدِ المرأة ضعيفة، ولم تعُدْ مجرد جسد ومتعة وجمال يسلُب عيون وعقول الرجال، أصبحت الإنسانة ذات العزة، بوصية من خير البرية، بأن يستوصوا بها خيرًا؛ تُعطَى حقها في الميراث من أبيها كإخوتها، وتحميها حدود وضعها الله عز وجل لزوجها.

 

أصبحت الأمَّ التي تربِّي الأبطال، وتحتسبهم شهداء لله، والزوجة المعينة، والرفيقة الحانية، والأخت والابنة، والخالة والعمة، ذات التأثير القوي في مجتمعها، وفي رفعة هذا الدين، وفي قصص الصحابيات مواقف تهتز النفوس لجلالتها، وعظمة شأن الإناث فيها؛ خُلُقًا وعملًا وقولًا.

 

أعادت حدود الله التوازنَ بين الرجال والنساء، فلم يعد يجرؤ أحد على الاستهانة بها بأي شكل من الأشكال.

 

وما يحدث الآن مما نرى على وسائل التواصل التي نتصفحها يوميًّا، ما أراه إلا ضربًا من الجاهلية، ينزِع عن المرأة الدِّرع الذي وضعه الإسلام لحمايتها والحفاظ على مكانتها، وعدم معاملتها على غير حقيقتها.

 

والأغرب أنهن من ينزعونه رغبةً وحبًّا في ذلك!

 

مهلًا عزيزتي، أهكذا تحبين أن يراكِ الناس؟

يرونكِ في مشاهد تضعكِ مجددًا في مكانة المادة والمتعة، وليس الروح والخُلُق؟

 

ألم يرفعكِ الله، وانتشلكِ من هناك لأجلكِ ولأجل حقوقكِ؟ فلِمَ تعودين له بكامل رغبتك؟

 

تصِرُّ بعض النساء والفتيات على وضع الكاميرات في كل حدود البيت، فتصبح على مرأى ومسمع كل الذين قد يمرون من عندها، أو حتى الذين تأتيهم رغمًا عنهم؛ لأنها قد تصدرت "التريند" بسبب العدد المهول من الإعجابات والمشاهدات والتعليقات.

 

يراها الآلاف وربما الملايين وهي تقوم بكافة أعمال منزلها بملابس ليس فيها من الاحتشام شيء، يرونها وهي ترقص وتتمايل وتغني، وتنظف وتطبخ، فما يزيدها إلا خسارًا وضعفًا ومهانة؛ خسارة لدينها، وضعفًا أمام شهواتها وحبها في الظهور، ومهانة لمكانتها التي نزلت لتصبح مجرد مادة تُشاهَد، حرفيًّا "مادة تُشاهَد".

 

وفضلًا عن فتنة الرجال وما تبعثه في نفوسهم مما تفعل - وهذا موضوع طويل لن نتطرق إليه الآن - فإنها تفتن النساء والفتيات اللاتي يرونها، فيَشْعُرْنَ أنهن أقل منها، فتحفز الرغبة بداخلهن في حب الظهور والشهرة مثلها، وربما جمع الأموال من هذه المشاهدات، وربما محاولة تقليدها وإجراء عمليات تجميل، حتى يَصِلْنَ حدَّ الجنون بالجمال الذي يذهب بجمالهن الطبيعي البسيط.

 

فإن انتشار مثل هذا المقاطع والصور ليس إلا بسبب تحفيز واحدة تلو الأخرى على ذلك، إلى غير انتهاء، عافانا الله وإياكم.

 

فما هذا إلا دعوة لكل امرأة وبنت ولكل رجل أيضًا، أرجوكم ضَعُوا حدًّا لهذا متى استطعتم.

 

متى وصلتكم مثل هذه الأشياء، استخدموا كل الوسائل ضدها، لا تقفوا عندها واحظروها وبلغوا عنها، إنها محتوى غير لائق.

 

وربُّوا فتياتكم على أنهن أرواح راقية، اتركوا لهن المساحة الكافية لإظهار جمالهن في إطار شرعي، ولكن دون أن يكون هذا هو شغلهن الشاغل الذي يدفعهن يومًا للتقليل من شأنهن.

 

وإن كنتِ أنثى، قبل أن تنشري أي شيء على ملأ من الناس، تأكدي ألف مرة أنها لا تضعكِ في خانة المادة، تأكدي أنكِ روح ولستِ مجرد جسد، لا تَدَعِي أغلبية الناس يُطلِقون عليكِ جميلة لِما يرونه منكِ، بل لما يرونه من خُلُقِكِ ورُقِيِّكِ وترفُّعكِ عن هذا المقام.

 

تذكري أنكِ في دينك "ملكة" لا تُمَسُّ ولا يراها إلا المقربون منها، ولا تنزل بمكانتها ليراها الناس، فهي بالفعل ذات مكانة عالية بذاتها، ولا تحتاج لجذب الناس إليها.

 

ضعي عليكِ وشاح الحياء من جديد، وتمسكي بالجنة؛ فإنها والله غالية لا تُباع برخيص؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحياء والإيمان قُرِنا جميعًا، فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر».

 

فلا تتخلِّي يومًا عن حيائكِ، ولا تتنازلي يومًا في إيمانكِ؛ فهو الذي سيأخذكِ للجنة والنعيم الأبدي، وليس ذلك الشعور العابر الذي يملؤكِ حين تشعرين أنكِ في "عيونهم" جميلة.

______________________________________________________
الكاتب: منة شرع