واقترب رمضان

منذ 2024-03-09

اقترب شهر مضان المبارك وها هو يطرق الأبواب، أيام قليلة ويحل ضيفًا على أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فيا لها من فرصة عظيمة لمن جد في اغتنامه...

عبـــــاد الله: اقترب شهر مضان المبارك وها هو يطرق الأبواب، أيام قليلة ويحل ضيفًا على أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فيا لها من فرصة عظيمة لمن جد في اغتنامه، فهل نحن جادون في استثمار هذا الشهر وهذه الأيام المباركة؟ وهل أعددنا أنفسنا لصيام رمضان وقيامه وقراءة القرآن والصدقة والبر وكل عمل صالح فيه؟، قال الله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].

 

لذلك ينبغي أن يكون رمضان هذا العام مختلف عن غيره من الأعوام حتى لا يستمر التفريط والتقصير وينتقل الإنسان إلى الدار الآخرة وليس له من العمل الصالح ما يبلغه رضوان الله وجنته، قد غرته دنياه وإمهال الله له وأعجب بأمواله وأتباعه وصحته وأولاده ومكانته، واسترسل في ذنوبه ومعاصيه، فتكون خسارة ما بعدها خسارة.. قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:103-105].

 

أيها المسلمون: إن رمضان فرصة لتعمير القلوب بالتقوى والعمل الصالح وهو ميدان للتنافس في جميع جوانب البر والخير والعطاء والمحروم من حرم فيه الخير ولم يتزود منه ولم يعمل فيه أعمالًا تقربه من ربه وتسعده في دنياه وآخرته.

 

ولأهمية هذا الشهر وعظيم الأجر فيه فقد كان المسلمون الأوائل يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وقال يحي بن أبى كثير: كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلًا)، فإذا أهل هلال رمضان دعوا الله كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله»؛ (رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حبان).

 

لقد كانوا يفرحون بقدوم رمضان، ويحمدون الله على إدراكه، كيف لا وهو ركن ركين، يقوم عليه صرح الدين. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وان محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت؛ (متفق عليه).

 

وكان رسول صلى الله عليه وسلم يزف بشارة قدوم رمضان لصحابته فيقول لهم: أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله - عز وجل - عليكم صيامه، تُفتَح فيه أبواب السماء، وتُغلَق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدة الشياطين، لله فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حرم؛ (صحيح سنن النسائي).

 

قال ابن رجب - رحمه الله -: كيف لا يُبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغَلُّ فيه الشيطان، من أين يشبه هذا الزمانَ زمان؟.

 

وكانوا يستعدون لهذا الشهر بسلامة قلوبهم من الغل وتصفيتها من الحقد والحسد والبغضاء،‏سُئل ابن مسعود رضى الله عنه: كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ قال: ما كان أحدُنا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم، يا لها من كلمات عظيمة، يا لها من أخلاق قويمة، يا لها من نوايا سليمة، بها سبق القوم ونالوا الرفعة في الدنيا والفلاح في الآخرة، فانظروا إلى قلوبكم رحمكم الله، وصفوا كدرها، واغسلوها من أمرضها، واملؤوها بالإيمان والحب والأخوة الصلاح، واعفوا عن اخوانكم وجيرانكم، وصلوا أرحامكم، وأفشوا الأمن والأمان فيما بينكم.

 

عباد الله: لقد كانت أمة الإسلام في عصرها الزاهر، حكامًا ومحكومين، رجالًا ونساءًا، علماء وطلبة علم، تجار وعمال، إذا جاء رمضان اشتاقوا لصيامه، وتفرغوا لعبادة الله ومناجاته، وبذلوا من الأعمال ما يبلغهم رضوان الله وجناته، واليوم وإن كان هناك خير في كثير من الميادين والمجالات، إلا أن شهر رمضان لم يُعط حقه، ولم يُستغل وقته، ولم تُقطف ثمرته، ولم تظهر آثاره عند كثير من أبناء هذه الأمة، فقد أصبح عند الكثير مجرد موسم للأكل والشرب والنوم والسهر على وسائل التواصل الاجتماعي أو على ما يبثه الإعلام في قنواته الفضائية من برامج لا تزيد في إيمان المسلم ولا تستقيم بها أخلاقه، ولا تنفعه في دينه ودنياه وآخرته والله تعالى يقول: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27]، هُجر القرآن في شهر القرآن، وظهر الشح والبخل في شهر البذل والعطاء، وساءت كثير من الأخلاق في شهر الصبر، وظهر العنف والشدة والغلظة في شهر الرحمة والتراحم، وضعف الدعاء في وقت الحاجة والفاقة لمعونة الله ولطفه وفي زمن كثرة فيه المشاكل والحروب والصراعات وانتشرت فيه الأمراض والأوبئة والأسقام، والله عز وجل بقول في آخر آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖأُجِيبُدَعْوَةَالدَّاعِإِذَادَعَانِۖفَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 

أيها المسلمون: اقترب رمضان وإنه لفرصة لمن أراد النجاح في الدنيا والآخرة وغنيمة لمن أراد جمع الحسنات ليوم تكون فيه الحسرات على ضياع الأعمار والأوقات والسنوات الأوقات، فيا سعادة من أحسن استغلال هذا الشهر ويا تعاسة من أساء استغلاله ولم يخرج منه فائزا منتصرا ظافرا بمغفرة الله.. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: « «كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» »؛ « (رواه البخاري ومسلم) ». وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»)؛ (أخرجه البخاري). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»)؛ (البخاري).

 

واعلموا أن المسلم إذا صام الشهر، غفر الله ما بدر منه طيلة العام، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر».

 

 

عباد الله: اقترب رمضان، فليكن صيامنا بشروطه وأحكامه وآدابه، ولنحافظ على الصلوات في أوقاتها جماعة، ولنتزود من النوافل، ولنحرص على صلاة التراويح وقيام رمضان، ولنقرأ القرآن في شهر القرآن بخشوع وتدبر، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185]، ولتلهج ألسنتنا بالذكر والدعاء، ولنكثر من الصدقات وأعمال البر، ولنتراحم ونتعاطف فيما بيننا، ولنحفظ جوارحنا عن الحرام، ونحذر من تضييع الأوقات باللعب والسهر والنوم،قال عليه الصلاة والسلام: «من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامه وشرابَه»؛ (البخاري/6057). وقال عليه الصلاة والسلام: «رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوع والعطَش، ورُبّ قائمٍ حظّه من قيامه السّهر»؛ (صحيح الترغيب والترهيب (1083، 1084)، ولندعو المولى سبحانه كل يوم بالقبول والمغفرة والعتق من النيران، فمن فعل ذلك والتزم وجاهد نفسه وصبر في مرضاة الله، حسُنَ صومه وكثرت حسناته وغفرت ذنوبه ورفع الله درجته وكتبه عند من عتقائه من النار، وخرج من رمضان كيوم ولدته أمه، فاللهم وفقنا للصلاة والصيام والقيام واكتب لنا الجنة الرضوان واجعلنا من عتقائك من النار، اللهم أصلح أحوالنا وردنا إلى دينك ردًا جميلًا، اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ومن له حق علينا، اللهم إنا نعوذ بك من الغلاء والوباء والأمراض وسيء الأسقام..

 

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.. والحمد لله رب العالمين.

_____________________________________________________
الكاتب: حسان أحمد العماري