ماهية الاعتصام بالله تعالى
الاعتصام: هو ملازمة سبب النجاة من الهَلَكَةِ ونوال الرغيبة؛ ففيه لِياذٌ واستجارة واستعاذة، واستعانة وتوكل وتعلُّق، وكماله تحقيق التوحيد، والعاصم هو المانع
الحمد لله وحده، والصلاة والصلام على نبينا محمد وآله؛ أما بعد:
فهذه حروف في بيان حد الاعتصام بالله تعالى وماهيته.
تعريف الاعتصام: هو ملازمة سبب النجاة من الهَلَكَةِ ونوال الرغيبة؛ ففيه لِياذٌ واستجارة واستعاذة، واستعانة وتوكل وتعلُّق، وكماله تحقيق التوحيد، والعاصم هو المانع؛ وفي التنزيل: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43]؛ أي: لا مانع لأحد من الغرق إلا من رحِمَ تعالى.
والله يعصِم عبده، بمعنى يمنعه مما يضره، ويمنع عنه ما يضره، واعتصم فلان بالله: إذا امتنع به، ومنه: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32].
والعصمة بمعنى الحفظ؛ ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]؛ أي: يحفظك ويحميك.
قال ابن فارس: "العين والصاد والميم أصل واحد صحيح، يدل على إمساك ومنع وملازمة، والمعنى في ذلك كله معنى واحد، ومن ذلك العصمة: أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع فيه، واعتصم العبد بالله تعالى: إذا امتنع، واستعصم: التجأ"[1].
والاعتصام: الاستمساك بالشيء، ومنه قول أبي طالب في لاميته الشهيرة مادحًا رسولَ الهدى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وآله:
وأبيضَ يستسقى الغمام بوجهه *** ثِمال اليتامى عصمة للأراملِ
أي: يمنعهم من الضَّياع والحاجة.
والعصمة: المنع، واعتصم فلان بالله، إذا امتنع به، ويُراد بالعصمة: الحفظ، وعُصِم إليه: اعتصم به، وأعصمه: هيَّأ له شيئًا يعتصم به، وأعصم بالفرس: امتسك بعُرْفِهِ.
قال الزجاج: "أصل العصمة الحبل، وكل ما أمسك شيئًا فقد عصمه، وأعصم الرجل بصاحبه إعصامًا إذا لزِمه".
والاعتصام بمعنى الامتناع، تقول اعتصمت بالله: إذا امتنعت بلطفه من المعصية، واستعصم بمعنى امتنع وأبى؛ ومنه قوله تعالى عن امرأة العزيز حين راودت يوسف عن نفسه: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32]؛ بمعنى أنه أبى عليها، ولم يُجِبْها إلى ما طلبت، والعاصم: المانع والحامي.
فمن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الاعتصام في اللغة ورد بمعانٍ عديدة؛ وهي المنع والاتِّقاء، والحفظ والحماية، والالتجاء، وكلها معانٍ متقاربة تدور حول فَلَكٍ واحد[2].
والاعتصام في الاصطلاح هو عين الاعتصام في اللغة مع شيء من التخصيص؛ قال الإمام الشوكاني: "الاعتصام بالله التمسك بدينه وطاعته والوثوق بوعده"[3].
قال النووي رحمه الله: "الاعتصام بحبل الله هو التمسك بعهده، وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده، والتأدب بأدبه، والحبل يُطلَق على العهد، وعلى الأمان، وعلى الوصلة، وعلى السبب، وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور؛ لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم، ويوصلون بها المتفرق، فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور"[4].
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: "الاعتصام: افتعال من عصم، وهو طلب ما يَعْصِم؛ أي: يمنع، وذلك بالاجتماع على هذا الدين وعدم التفرق ليكتسبوا باتحادهم قوة ونماء"[5].
وقال القشيري: "الاعتصام بحبله سبحانه: التمسك بآثار الواسطة صلوات الله عليه، وذلك بالتحقق والتعلق بالكتاب والسنة، ولَمَنْ رجع عند سوانحه إلى اختياره واحتياله، أو فكرته واستدلاله، أو معارفه وأشكاله، والتجأ إلى ظل تدبيره، واستضاء بنور عقله وتفكيره - فمرفوعٌ عنه ظل العناية، وموكول إلى سوء حاله"[6]، وقال: "الاعتصام بالله: التبري من الحول والقوة، والنهوض بعبادة الله بالله لله، يُقال: الاعتصام بالله التمسك بالكتاب والسنة، ويقال: الاعتصام بالله حسن الاستقامة بدوام الاستعانة"[7].
علاقة الاعتصام بالتعلق واللجأ:
يجمعها العلم بالله والتعلق بالله والثقة به، بيد أن في الاعتصام مزيدَ سكينة، ومزيد ثقة، ومزيد ثبات، ومزيد استغناء.
وبالله التوفيق، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله ومن تبعه بإحسان.
[1] معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (4/ 331).
[2] ينظر: الاعتصام بحبل الله بين الواقع والمبشرات (1/ 4).
[3] فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (1/ 367).
[4] شرح النووي على مسلم (12/ 11).
[5] التحرير والتنوير، المجلد الثالث (4/ 31).
[6] تفسير القشيري (1/ 365).
[7] تفسير القشيري (5/ 233).
_________________________________________________________
الكاتب: إبراهيم الدميجي
- التصنيف: