كف الأذى عن المسلمين

منذ 2024-04-27

إنَّ للمسلم عند الله حرمةً وقدرًا، ولجنابه احترامًا وحماية، عن النبيِّ - ﷺ - قال: «لَزوال الدُّنيا أهوَنُ عند الله مِن قتل رجلٍ مسلمٍ».

إنَّ للمسلم عند الله حرمةً وقدرًا، ولجنابه احترامًا وحماية، عن عبدالله بن عَمْرٍو عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «لَزوال الدُّنيا أهوَنُ عند الله مِن قتل رجلٍ مسلمٍ»[1].

 

ولقد جاءت الشريعةُ بالآداب والتَّوجيهات والأحكام والحدود التي تعظِّم الحرمات، وتحمي جناب المسلم أن يُمَسَّ بأدنى أذًى حتَّى ولو كان في مشاعره وأحاسيسه، والأخوَّة في الإسلام تستوجب الإحسان، وتنفي الأذى مهما كانت صوره وأشكاله؛ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].

 

عن أبي هُرَيْرةَ قال: قال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لا تَحاسَدوا ولا تنَاجَشُوا، ولا تبَاغضوا، ولا تدَابروا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بيع بعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم؛ لا يَظلِمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التَّقْوى ها هنا» ويُشير إلى صدره ثلاث مرَّاتٍ «بحسْبِ امرئٍ من الشَّرِّ أن يَحْقِر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه وماله وعِرضُه»[2].

 

وعن أَنَسٍ - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «لا يؤمن أحدُكم حتَّى يحِبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه»[3]، بل كانت حجَّة الوداع إعلانًا لحقوق المسلم، وإشهارًا لمبدأ كرامته، وتعظيم حرمته وقدره عند الله، وتحريم أذيَّتِه بأيِّ وجهٍ من الوجوه في ميثاقٍ تاريخي نُودِيَ به في أعظم محفل.

 

أيُّها المسلمون:

إنَّ انتهاك هذه الحرمة التي عظَّمَها الله، والتعدِّي على المسلمين بأذيتهم لَمِن أعظم الذُّنوب والآثام، وقد قال الله - عزَّ وجلَّ -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]، ويَعْظُم الإثم إذا كانت الأذيَّة للصالحين والأخيار، وأشد لو كانت الأذيَّة للعلماء والناصحين.

 

عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقد آذَنتُه بِالحَرْب»[4]، فمن المخذول الذي يتصدَّى لحرب الله، وقد قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38]؟ وعلى قدر إيمانِ العبد؛ يكون دفاعُ الله تعالى عنه، وإذا ارتقى العبدُ في الإيمان إلى مقام الولاية، تأذَّن الله بالحرب لمن عاداه، وقد يكون المسلمُ الضعيف المغمور وليًّا، وأنت لا تدري، فاحذر من أذيَّة من تولَّى الله الدفاعَ عنهم؛ قال ابنُ كثير - رحمه الله -: "وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58]؛ أيْ: ينسبون إليهم ما هم بُرآء منه لَم يعملوه ولَم يفعلوه"، {فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]، وهذا هو البهت البيِّن أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لَم يفعلوه على سبيل العيب والتنقُّص لهم.

 

عباد الله:

لقد حرَّمت الشريعةُ ما يؤدِّي إلى مضايقة المسلم في مشاعره عن عبدالله قال: قال رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فلا يَتَناجى اثْنانِ دُونَ الآخَرِ حتى تَخْتَلِطوا بِالنَّاسِ من أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَه»[5].

 

بل وصل الأمر إلى الجزاء بالجنَّة لِمن أزال شوكةً عن طريق المسلمين؛ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مرَّ رجلٌ بغصن شجرةٍ على ظهر طريقٍ، فقال: والله لأُنَحِّيَنَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأُدخِلَ الجنَّة»[6]، فانظروا ثواب من كفَّ عن المسلمين الأذى وإن كان يسيرًا، أو لَم يتسبب فيه، إنَّ مجرد كف الأذى معروف وإحسانٌ يُثاب عليه المسلم؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «تكفُّ شرَّكَ عن الناس فإنَّها صدقةٌ منك على نفسك»[7]، عن أبي ذر - رضي الله عنه - ولمَّا سُئل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أيُّ المسلمين خيرٌ؟" قال: «مَن سلم المسلمون من لسانه ويده» [8]، وفي روايةٍ: «المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده»[9].

 

قال الإمام ابنُ حجر - رحمه الله -: "فيقتضي حَصْر المسلم فيمن سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام الواجب؛ إذْ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبةٌ، وأذى المسلم حرامٌ باللِّسان واليد، وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ - رضي الله عنه - عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: «إيَّاكم والجلوس على الطُّرقات»، فقالوا: ما لنا بدٌّ، إنَّما هي مجالسنا نتحدَّث فيها قال: «فإذا أبيتم إلاَّ المجالس فأعطوا الطَّريق حقَّها»، قالوا: وما حقُّ الطَّريق؟ قال: «غضُّ البصر وكفُّ الأذى وردُّ السَّلام، وأمرٌ بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر»؛ (متفق عليه) .

 

فمن صور أذيَّة المسلمين مضايقتهم في طرقاتهم وأماكنِهم العامَّة، ورَمْي النفايات فيها بلا مبالاة ولا احترام، ورفع أصوات الأغاني في السيَّارات كما يفعله بعض الشباب أصلحَهم الله؛ عن أبي هريرة أنَّ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ» قالوا: وما اللاَّعِنانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ الناس أو ظِلِّهِمْ»[10].

 

وقد أخبر - عليه الصَّلاة والسَّلام - بأنَّ إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأنَّها من شعب الإيمان عن حُذَيْفَةَ بن أُسَيْدٍ أَنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «من آذَى المسلمين في طرقِهم، وجبَتْ عليه لعنتهم»[11].

 

ومن قواعد الإسلام العظام: قولُ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لا ضَرَر ولا ضِرَار»[12]، بل حتَّى من كان له قصد صحيح فإنَّه لا يجوز إن كان سيؤذي المسلمين؛ عن عبدالله بن بُسْرٍ أن رَجُلاً جاء إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يَخْطُبُ الناسَ يومَ الجُمُعةِ، فقال: «اجلِسْ؛ فَقدْ آذَيْتَ وآنيْتَ»[13]، وعن جابرِ بن عبداللهِ عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن أَكَل من هذه البَقْلةِ؛ الثُّومِ» وقال مَرَّةً: «من أكل البصل والثُّوم والكرَّاث، فلا يقربنَّ مسجدنا فإن الملائكة تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منه بنو آدم»[14]، وهذا يدلُّ على منع أذيَّة المؤمنين، ولو لم تكن متعمَّدة، وحتى لو كانت لغرضٍ شرعي، فكيف بالأذى المتعمَّد في موافقة هوى النَّفْس وشهوتها؟!

 

أيُّها المسلمون:

إنَّ صور الأذية لا تكاد تَتناهى، وعلى المسلم أن يتجنَّبها جميعًا؛ خاصَّة ما ورد النصُّ عليه تنبيهًا وتعظيمًا لأثره، كما ورد في الغيبة والنميمة، وأذيَّة الجيران والخدم والضُّعفاء؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «من ظلمَ معاهدًا أو انتقَصَه، أو كلَّفَه فوق طاقته، أو أخذَ منه شيئًا بغير طيب نفسٍ، فأنا حجيجه يوم القيامة»[15]، فإذا كان هذا ظلم المعاهدين، فكيف بمن ظلمَ إخوانه المؤمنين؟! عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسول الله، فلانة تصلِّي الليل، وتصوم النهار، وفي لِسانِها شيءٌ يؤذي جيرانَها، قال: «لا خير فيها، هي في النَّار»[16]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جارَه»[17]، فمن الإيذاء السِّباب والشِّتام، والغيبة والنميمة، والقدح في الأعراض، والله تعالى يقول: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15].

 

عن عبداللهِ بن عمرٍو - رضي الله عنهما - قال: رأيتُ رسولَ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يطوف بالكعبة ويقول: «ما أطيَبَكِ وأطيبَ ريحَك! ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمَتَك! والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لَحُرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك؛ ماله ودمه، وأن نظنَّ به إلاَّ خيرًا»[18]، وعن ابن عمر قال: صعد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا المنبر، فنادى بصوتٍ رفيعٍ، وقال: «يا معشر مَن أسلم بلسانه، ولَم يدخل الإيمانُ قلبَه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تُعيِّروهم، ولا تطلبوا عثراتِهم؛ فإنَّه من يطلب عورةَ المسلم، يطلب الله عورتَه، ومن يطلب الله عورتَه يفضَحْه ولو في جوف بيتِه»، ونظر ابنُ عمر يومًا إلى البيت، فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، ولَلمؤمِنُ أعظمُ عند الله حرمةً منك"[19].

 

أيُّها المسلمون:

احذروا أذيَّة المؤمنين، والإساءة إلى الناس أجمعين، إلاَّ بحقٍّ ظاهر قام عليه الدليلُ البَيِّن السالم من المُعارض من الكتاب والسُّنة والمأثورِ عن السَّلف الصالح من هذه الأمَّة؛ ليكون لكم برهانًا قاطعًا، وحجَّة دافعةً حين تختصمون إلى ربِّكم، فتُؤدَّى الحقوق إلى أهلها.

 

إنَّ أذية المؤمن ظلمٌ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والصَّبر على أذى الخلق أفضلُ من الدعاء عليهم؛ {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، وإن من الأذى ما لا تُكفِّره الصَّلاة، ولا الصدقة، ولا الصوم، بل لا يُغفَر للظالِم حتى يَغفر له المظلوم، وهيهات أن يعفو المظلومُ يوم تتطاير الصُّحف وتعزُّ الحسنات؛ عن أبي هريرة أنَّ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:  «أتَدْرون ما المفلس» ؟ قالوا: المفلس فينا من لا دِرْهم له ولا متاع، فقال: «إنَّ المفلس مِن أُمَّتِي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكلَ مال هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَت حسناتُه قبل أن يقضى ما عليه أُخِذ من خطاياهم، فطُرِحَت عليه، ثُمَّ طرح في النَّار»[20]، ويَعْظُم الإيذاء، ويتَضاعف الإثم، وتشتدُّ العقوبة كلَّما عظمَتْ حُرمة الشخص أو الزمان أو المكان أو المناسبة.

 

أيُّها المسلمون:

ولئن كان الاستهزاء بالناس أذيَّة وبليَّة، فإن الاستهزاء بالصالحين والعُبَّادُ والمحتسِبين أشدُّ إثْمًا وأكثر خطرًا، وهذا الهمزُ واللَّمزُ هو أوَّل سلاحٍ أُشهِر أمام الأنبياء والرُّسل، ويعظم الأسف ويشتدُّ حين يكون شاهرًا ظاهرًا معلنًا غير منكَر؛ إذِ استباحة حرَمِ حمَلةِ العلم والدِّين وانتقاصُهم أمرٌ لَم يحدث في بلاد المسلمين إلاَّ أخيرًا، وسيبقى الدين محترمًا ما دام أهلُه محترمين، فإذا تسلَّط عليهم مَن دُونَهم في العلم والدِّيانة، فإنَّ ذلك نذيرُ نقصٍ وفتنة.

 

أيُّها المؤمنون:

وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً

 

وقد أوصى النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالنِّساء في خطبة الوداع، كما وصَّى بِهنَّ وهو على فراش الموت، فويلٌ لِمَن أذى وصية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وظلَمَ النساء، وويلٌ لمن آذَتْ زوجها؛ فإنَّ الملائكة تلعنها.

 

إنَّ أذية أحد الزَّوجين للآخر من أقبح صُوَر الأذى، كما أن تسلُّط الرؤساء بالأذى على مرؤوسيهم، وهضم حقوق العمال، وتأخير مصالح الناس في أيِّ مجال هو داخلٌ في الوعيد الشديد؛ يقول العزيز المَجيد: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].

 

 

أما بعد:

أيُّها المسلمون إذا كان من إيذاء المسلمين بعض الأمثلة التي ذَكَرتُ يعدُّ كبيرة من الكبائر وجريمة من الجرائم المحرَّمة، فما بالُكم بألوانٍ من الأذى يتضرَّر منها ملايينُ المسلمين، ويقع بلاؤها على مجموع الأمَّة؟ فإنَّ الأذية كلَّما انتشرت دائرتُها وتوسَّعَت، كان إثْمُ مرتكبِها أعظمَ وعقوبتُه أشدَّ، وإن كانت اللَّعنة تحقُّ على من يتخلَّى في طرق المسلمين وظلِّهم، ويؤذيهم في طرقاتهم وهو لا يتعدَّى أفرادًا معدودين، فكيف بالَّذين يؤذون المؤمنين في دينهم وعقيدتهم وتصوُّراتهم، ويؤذون ألوف المسلمين؟ إنَّه أذى الله ورسوله، كما قال تعالى في الحديث القدسيِّ المتَّفَق عليه: «يؤذيني ابنُ آدم»، وفي القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57].

 

كما أنَّ من أذية المسلمين خَلْطَ الحقائق، وتلبيسَ الوقائع، وتسميمَ الثقافةِ والوعي، وقُل مثل ذلك في مجال القِيَم والأخلاق والسُّلوك، كم يتأذَّى عمومُ الناس بما يُعرَض من مقروء ومُشاهَد مِمَّا يُصادم الذَّوق العامَّ، ويصادم الفضيلة والفطرة، فضلاً عن أُصول الشريعة ومبادئها! أليس كلُّ هذا أذيةً للمسلمين، وتحدِّيًا ظاهرًا لدينهم ومشاعرهم؟! حتَّى أصبح مَن يريد الحفاظَ على نفسه وأسرته من الوقوع في الانحراف يُعاني الكثيرَ والكثير.

 

عباد الله:

صورةٌ أخرى من صور الأذى، وهو استغلالُ حاجة الناس وفقرِهم، والتَّحايل على الرِّبا الذي غطَّى بسحابته السوداءِ بلادَ المسلمين، وضربَ بأطنابه في تعاملاتهم ظلمًا وعدوانًا، حتَّى دخل على مَن لا يريده في عُقر داره، ووصله غباره ابتداءً من المصارف والبنوك، وانتهاءً بِتُجَّار التقسيط، حتَّى تكاثرت الدُّيون، وتضاعف العَوَز مع قلَّة استفادة المدين، وانعدام برَكة المال؛ إنَّ على أصحاب المال والاقتصاد أن يتَّقوا الله في ما بين أيديهم؛ فغدًا واللهِ يُسألون، وثَمَّة جانبٌ مِن جوانب الإيذاء العامِّ في مجال المال والاقتصاد، والذي يمارسه بعض التُّجار وأصحاب المصالح من الاحتكار ورَفْع الأسعار، والتضييق على المسلمين في أرزاقهم ومعاشهم، حتَّى أعمى الجشَعُ بصائرهم، وخدَّرَ الطَّمعُ مشاعرهم.

 

إنَّ التجارة بابٌ كريم للرِّزق، لكن ذلك لا يعني الاتِّكاء على الضعيف في استِنْزاف آخر قَطْرة من دمه، وأسوء من ذلك استِدْراجه بالدُّيون، وتحمليه ما لا يَحتمل، فلْنَستحضر دومًا قولَ الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]، هذا وصَلُّوا وسلِّموا على خيرِ البَريَّة، وأزكى البشريَّة.

 


[1] أخرجه النسائي 3987 والترمذي 1395 وابن ماجه 2619 والبيهقي 15648.

[2] مسلم 2564.

[3] البخاري 13 ومسلم 45.

[4] البخاري 6137.

[5] مسلم 2184.

[6] رواه مسلم 1914.

[7] مسلم 84.

[8] مسلم 40

[9] البخاري 10، ومسلم 41

[10] مسلم 269.

[11] الطبراني في الكبير 3050 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 148.

[12] أخرجه الأمام أحمد 2867 وابن ماجه 2341 عن بن عَبَّاسٍ وصححه الحاكم 2345.

[13] أحمد 17710 وأبو داود 1118 وابن ماجه 1115 وصححه الحاكم 1061 وابن حبان 2790 وابن خزيمة 1811.

[14] مسلم 564.

[15] أبو داود 3052.

[16] صححه الحاكم 7304.

[17] متفق عليه.

[18] ابن ماجه 3932.

[19] ابن حبان 5763.

[20] مسلم 2581.

_______________________________________________

الكاتب: منديل بن محمد آل قناعي الفقيه