تذكروا وقوفكم أمام الله

منذ 2024-05-03

فيا أيها الواقفون غدا أمام الله هل اتقيتم الله تعالى؟ فكلنا عائدون إلى الله، ولا بد من يوم نقف فيه إمام الله للحساب، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24]

أما بعد:

نقف اليوم مع آية من كتاب الله تعالى، هذه الآية تورد في قلب قارئها الخوف من الله، هذه الآية كم سمعتها آذان فأنصتت، وكم قرأتها أعين فبكت، وكم وعتها قلوب فخشعت، آية كم تمعّنها غافل فتاب، وكم تدبّرها معرض فرجع إلى ربه وأناب، هذه الآية حذر الله سبحانه فيها الأمة من يوم عظيم في أهواله وشدائده؛ وهو يوم القيامة الذي سيعود فيه العباد إلى خالقهم فيحاسبهم على أعمالهم، ثم يجازي سبحانه كل نفس بما كسبت من خير أو شر بمقتضى عدله وفضله، ولا يظلم ربك أحدا، هذه الآية هي آخر آية نزلت من القران الكريم، واسمعوا إليها.

 

قال - تعالى -: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

أنا من خلال هذه الآية الكريمة أذكركم وأقول لكم يا مسلمون: كلنا عائدون إلى الله، ولا بد من يوم نقف فيه إمام الله للحساب، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] وهناك يتميز من رضي عنه ربه ومن غضب عليه، فيا أيها الواقفون غدا أمام الله هل اتقيتم الله تعالى؟

 

يا من تطاولت على أبيك، وظلمت زوجتك، واعتدت على جارك تذكّر انك عائد إلى الله، يا من أكلت حقوق الناس، يا من أكلت أموال اليتامى ظلما، يا من عشت بالحرام تذكر ان هناك يوما سترجع فيه إلى الله، يا من سمحت لزوجتك وأختك وابنتك ان تخرج متبرجة ومتزينة تذكّر انك ستقف أمام الله تعالى ، واعلم ان كل عين نظرت إليهن أنت أول من يتحمل الإثم لأنك أنت الذي كنت سببا في وقوع الناس في الإثم.

 

والله أنا أتعجب أين غيرة الرجال، هل تدري ماذا يقول الناس عن الفتاة التي تخرج من بيتها متزينة ومتبرجة وترتدي ملابس ضيقة يقولون أليس عندها رجل، أين كان الرجل عندما خرجت من بيتها الم يشاهدها وهي متبرجة وكاشفة عن معالم زينتها، ألم يقل لها يا امرأة لمن هذه الزينة؟ ولماذا تلبسين هذه الملابس الفاتنة؟ ولكن المصيبة العظمى إذا كان الرجل هو راض بما تلبسه المرأة، وهو يمشي معها ويضاحكها، بل جعلها معه بجنبه في السيارة وكأنه يقول يا ناس انظروا إلى زوجتي المتزينة.. وهل هناك عاقل وصاحب يسمح للناس بان ينظروا إلى عرضه وشرفه؟!

 

أنا اذكر الرجل والمرأة بموقف جرى أمام النبي (صلى الله عليه وسلم) فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «احْتَجِبَا مِنْهُ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» (أبو داود والترمذي).

 

هذا الموقف جرى في زمن الطهر والعفاف، في زمن الإيمان، في زمن الحياء، في زمن الرجال الذين كانوا يغضون أبصارهم عن الحرام.. فكيف بزماننا هذا.. فيا من تسمحون لأهل بيتكم ان يخرجن متبرجات ومتزينات اتقوا الله في شبابنا ولا تشاركوا الغرب في إفساد أخلاقهم، تذكر هذه الكلمة (اتق الله) فو الله إنها كلمة عظيمة، وتذكر انك ستقف إمامه يوم الحساب وسيسألك عن رعيتك فالرجل راعي في بيته ومسؤول عن رعيته.فاتق الله فينا وفي اهلك.

 

أين الخوف من الله تعالى، والله لو كان هناك تذكر لذلك اليوم الذي سنقف فيه أمام الله لما رأينا هذا الفساد وهذا الظلم.

رحم الله ذلك الزمان الذي كان الناس يخافون فيه من الله، كانوا يتذكرون وقوفهم إمام الله عز وجل أليس الخوف والتفكر ذلك اليوم هو الذي جعل أبا بكر (رضي الله عنه) وكلنا يعرف من هو أبو بكر، أبو بكر الذي قدم نفسه وماله وعائلته كلها فداء لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو من أفضل الصحابة وأحبهم إلى قلب النبي (صلى الله عليه وسلم) ومع ذلك يقول: (لو كانت إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها لما أمنت مكر الله!).

 

وهو جعل سيدنا عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه): (لو نودي ليدخل الجنة كل الناس إلا رجلا واحدا لخشيت أن أكون أنا ذلك الرجل) عمر الذي فتح المشارق والمغارب، عمر الذي نشر العدالة بين الناس، عمر الذي قال كلمته المأثورة: (والله لو عثرت بغلة في أرض الفرات لخفت أن يسألني الله عنها يوم القيامة لمَ لم أسوِ لها الطريق) ومع كان يخاف من يوم القيامة.

 

مَثِّلْ وُقُوفَكَ يَوْمَ الْحَشْرِ عِريَانـــــــــا   ***   مُسْتَعْطِفًا قَلِقَ الأحْشَاءِ حَيْرانَــــا 

النَّارُ تَزْفُر مِنْ غَيْظٍ وَمِن حَنَــــــــــــقٍ   ***   عَلَى العُصَاةِ وَتَلْقَ الرَّبَ غَضْبَانَـــا 

اقْرَأ كِتَابَكَ يَا عَبْدِي عَلَى مَهَـــــــــــلٍ   ***   وَانْظُرْ إِليه تَرَى هَل كَانَ مَا كَانــــا 

لَمَّا قَرَأت كِتابًا لاَ يُغَادِر لِـــــــــــــــــي   ***   حَرفًا وَمَا كَانَ فِي سِرٍّ وَإعْلانَـــــا 

قال الجليل خُذُوْهُ يَا مَلاَئِكَتِـــــــــي   ***   مُرُوا بِعَبْدِي إِلَى النِّيْرَانِ عَطْشَانًـــا 

يَا رَبِّ لاَ تَخْزِنَا يَوْمَ الْحِسَـــــابِ وَلا   ***   تَجْعَلْ لَنَارِكَ فِيْنَا اليَوْمَ سُلْطَانَـــــــا 

 

بل هو الذي دفع بسيدنا أبي الدرداء (رضي الله عنه) إلى ان يقف وقفة عجيبة وأنا أسوق هذا المشهد إلى كل من أصبح حاكما مستبدا في بيته، والمعلم الذي أصبح ظالما في مدرسته، والمدير في الدائرة الذي ظلم موظفيه، والتاجر الذي ظلم الضعفاء من إخوانه المسلمين اسمعوا إلى كلمة أبي الدرداء (رضي الله عنه) وهو يخاطب بعيره الذي يريد ان يموت فيقول: (يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحمّلك فوق طاقتك) أبو الدرداء ما يخاطب الموظف الذي تحته، ولا يخاطب العامل الذي يعمل معه، ولا يخاطب الزوجة التي تحته، ولا المسلم الذي تحته، إنما بعيره الذي هيأه الله له يخاطبه بهذا الخطاب: (يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحمّلك فوق طاقتك).

 

إذن والله لا بد أن نتذكر وقفتنا أمام الله يوم الحساب، هذه الوقفة التي حسب لها سلفنا الصالح ألف حساب، فهل نحن وضعناه في بالنا وفي حساباتنا؟!

 

اسمعوا إلى رجل من أسلاف الأمة وهو هارون الرشيد هذا الخليفة العظيم الذي كان يحج عاما ويغزو عاما، هذا الخليفة كان ممن جعل ذلك اليوم نصب عينيه.

 

في ذات يوم جاء إليه يهودي، يعني ليس مسلما، وليس من أهل المساجد، وليس من أهل الصلاة والصيام، وإنما يهودي، اغتنم هذا اليهودي فرصة خروج الخليفة هارون الرشيد من بيت الخلافة فماذا قال؟ قال له يا هارون: اتق الله فإذا بهارون لا يحس بنفسه إلا وقد سقط على الأرض، أصحابه قالوا له يا هارون ما بك سقطت على الأرض إنه رجل يهودي؟ فقال هارون: لقد قال اليهودي لي: اتق الله فتذكرت قول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 206] فخشيت إن لم أسجد لقول اليهودي أن يجعلني الله من أبناء جهنم {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} اتق الله كلمة عظيمة أين من يفهم معناها، اليوم هذه الكلمة تقولها للأب المسلم لا يفهم معناها، تقولها للشاب المسلم لا يفهم معناها، تقولها للمرأة المسلمة لا تفهم معناها، تقولها للغني المسلم لا يفهم معناها تقولها للتاجر المسلم لا يفهم معناها... أين من يفهم معناها؟ 

معناها ان الله تعالى مطلع على الصغيرة والكبير وسيحاسبك عليها فكيف ستنجو من ذلك اليوم والله يقول: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.

 

فلينتبه المسلم وليكن مستعدا لذلك اليوم العظيم، لذلك اليوم الذي لا ندري أنكون من أهل الجنة فنكون من الفائزين أم نكون من أهل النار فنكون من الخاسرين...واختم كلامي بحديث رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فعَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» (رواه ابن ماجه).

 

نعم إذا جلس أمام الستلايت والإنترنت وراح ينظر إلى الحرام ضيع حسناته، إذا دخل إلى السوق تعامل بالحلف الكاذب فضيع حسناته، إذا جاءته الرشوة أخذها فضيع حسناته، إذا دخل إلى بيته ظلم زوجته فضيع حسناته، إذا جلس مع الناس راح يتكلم على فلان وفلان فضيع حسناته.. هذا هو معنى «إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا».

 

فيا أخي الكريم:

إياك ثم إياك ان يضلك الشيطان عن ذكر الله واعلم اننا عائدون إلى الله وتذكروا قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.

 

اللهم بيض وجوهنا في الموقف العصيب، واجعلنا من الفائزين بجنتك يا رب العالمين.. آمين يا رب العالمين أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

________________________________________________________
الكاتب: د. محمد جمعة الحلبوسي