الدعاء المستجاب كيف يتحقق؟

منذ 2024-05-09

فكم من مريض شُفِيَ بالدعاء! وكم من مكروب ومهموم زال همُّه بالدعاء! وكم من فقير أغناه الله تعالى عندما دعاه! وكم من مُذْنِبٍ وعاصٍ لله غفر له بالدعاء! وكم من ضالٍّ منحرف اهتدى واستقام بالدعاء! ...

معاشر المؤمنين:

الدعاء من أعظم نِعَمِ الله جل وعلا التي تفضَّل بها على عباده؛ قال تعالى:  {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]؛ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «إن الدعاء هو العبادة»؛ (الترمذي).

 

بل قد ذمَّ ربنا جل وعلا من يستكبر عن دعائه واللجوء إليه؛ فقال سبحانه:  {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

 

فالدعاء بابٌ عظيم من أبواب العبادة، وسبيل عظيمة لتحقيق العبودية لله جل وعلا، وباب واسع من أبواب تفريج الكُرُبات، وقضاء الحاجات؛ فكم من مريض شُفِيَ بالدعاء! وكم من مكروب ومهموم زال همُّه بالدعاء! وكم من فقير أغناه الله تعالى عندما دعاه! وكم من مُذْنِبٍ وعاصٍ لله غفر له بالدعاء! وكم من ضالٍّ منحرف اهتدى واستقام بالدعاء! وكم من ميِّت يُنوَّر له في قبره وتُرفع له درجته بدعاء ذريته وأهله وأحبابه!

 

معاشر المؤمنين:

اعلموا - أثابكم الله - أن للدعاء شروطًا وآدابًا؛ ليكون دعاءً مسموعًا ومستجابًا:

أولها: إخلاص الدعاء لله عز وجل؛ قال تعالى:  {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14].

 

ومنها تحرِّي الحلال في الكسب والعيش والمطعم؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشْعَثَ أغْبَرَ، يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرام، ومَشْرَبُه حرام، ومَلْبَسُه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك»؟.

 

ومن آداب الدعاء: اليقين والثقة في موعود الله جل وعلا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافلٍ لاهٍ»؛ (الترمذي والحاكم، وحسَّنه الألباني).

 

معاشر المؤمنين:

يتساءل البعض عن مآل الدعاء، وأنه يدعو أحيانًا ولكنه لا يرى استجابةً لدعائه، فهل كل دعاء لنا مستجاب؟

في هذا الحديث - عباد الله - إجابة وافية لهذا السؤال:

روى البخاري في الأدب المفرد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو، ليس بإثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله إحدى ثلاثٍ: إما أن يعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها»، قال الراوي: إذًا نُكْثِرُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكثر»؛ قال ابن حجر: "كل داعٍ يُستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارةً تقع بعين ما دعا به، وتارةً بعِوَضِهِ".

 

كما ينبغي أن نعلم - عباد الله - أن للاستحابة أوقاتًا وأحوالًا تُرتجى فيها الاستجابة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات لا تُرَدُّ: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر»؛ (رواه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع)، وفي رواية: «والصائم حتى يُفْطِرَ».

 

ومنها الدعاء بين الأذان والإقامة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُرَدُّ الدعاء بين الأذان والإقامة»؛ (رواه أبو داود والترمذي)، ومنها الدعاء في السجود؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أقربُ ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد، فأكْثِرُوا الدعاء»؛ (رواه مسلم)، ومنها دُبُرَ الصلوات المكتوبات؛ كما في حديث أبي أمامة: ((قيل: يا رسول الله، أيُّ الدعاء أسْمَعُ؟ قال: «جوفَ الليل الآخِر، ودُبُرَ الصلوات المكتوبات»؛ (رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي)، وما المقصود بدبر الصلوات عباد الله؟ هل هو قبل السلام أو بعده؟

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ما ورد من الدعاء مقيَّدًا بدبر الصلاة، فهو قبل السلام، وما ورد من الذِّكْرِ مقيدًا بدبر الصلاة، فهو بعد الصلاة؛ لقوله تعالى:  {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103]، وهذا ما اختاره ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله".

 

ومن الدعاء المستجاب دعاء الولد الصالح لوالديه؛ ففي صحيح مسلم: «إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو عِلْمٍ يُنتفَع به».

 

ومنها دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب؛ ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبدٍ مسلمٍ يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الْمَلَكُ: ولك بمثل».

 

ومنها الدعاء في جوف الليل، ووقت السَّحَرِ؛ وهو وقت النزول الإلهي؛ كما ورد في الحديث الصحيح: «يقول الله تعالى: من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألني فأُعطيَه؟ من يستغفرني فأغفر له»؟، وفي الحديث: «إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلمٌ يسأل خيرًا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كلَّ ليلة».

 

ومن أوقات الإجابة الساعةُ الأخيرة من يوم الجمعة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة: «فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يُقلِّلها»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

فأقْبِلوا - عباد الله - على ربكم، وادعوه خوفًا وطمعًا، ادعوه وأنتم موقنون بالإجابة؛ فهو الجَوَادُ الكريم، البَرُّ الرحيم، ادعوا لأنفسكم ولأهليكم، ولوالديكم ولأمتكم، وإنَّ أحوج مَن هم للدعاء اليوم شعب فلسطين وأهل غزة في مواجهة هذا العدو الصهيوني الغاشم وأوليائه وأعوانه، لا نَمَل - عباد الله - من الدعاء والعطاء لهم، فهم في الحقيقة يدافعون عن الأمة بأسرها أمام أعدائها ومخططاتهم الخبيثة؛  {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، هذا وصلوا وسلموا على من أُمِرْتُم بالصلاة والسلام عليه.

_____________________________________________________|

الكاتب: يحيى سليمان العقيلي