من أقوال السلف في الحج
فمن شروط قبول العبادة أن تكون خالصةً لله جل وعلا، موافقةً لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فينبغي أن يحرص المسلم على أن يكون حجُّه كذلك، حتى يكون حجُّه مبرورًا، فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فمن شروط قبول العبادة أن تكون خالصةً لله جل وعلا، موافقةً لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فينبغي أن يحرص المسلم على أن يكون حجُّه كذلك، حتى يكون حجُّه مبرورًا، فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
للسلف أقوال في الحج، اخترت بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.
الحاجُّ قليل:
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحاج قليل، والراكب كثير.
الحذر من أحوال بعض المغرورين ممن يخرجون إلى الحج:
قال ابن الجوزي رحمه الله: فرقة... اغتروا بالحج فيخرجون إلى الحج من غير خروج عن المظالم، وقضاء الديون، واسترضاء الوالدين، وطلب الزاد الحلال، وقد يفعلون ذلك بعد حجة الإسلام، ويضيعون في الطريق الصلاة والفرائض، ولا يحذرون في الطريق من الرفث والخصام....ثم يحضر البيت بقلب ملوَّث برذائل الأخلاق وذميم الصفات.
الحج عبادة وليس نزهة:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: يجب علينا ألَّا نتَّخِذَ من الحجِّ نزهةً لا نُريد منه إلَّا أن نُرَفِّهَ أنفسنا، ويجلس بعضُنا إلىبعض بالمزح والضحك وإضاعة الوقت؛ لأن الحجَّ عبادةٌ، حتى إن الله تعالى سمَّاه نذرًا، وسمَّاه فرضًا.
قال العلامة صالح الفوزان: الحج ليس مجرد رحلة استطلاعية أو متعة ترفيهية، أو مجرد شعارات وشعارات؛ ولكنه دروس وعبر، وتعليم عقدي للعقيدة الصحيحة، ونبذ للعقائد الجاهلية.
النفقة الحلال في الحج:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من أعظم ما يجب على الحاج اتقاؤه من الحرام أن يطيب نفقته في الحج، وألَّا يجعلها من كسب حرام.
الإخلاص في الحج، والتأسي بالرسول عليه الصلاة والسلام:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: وليعظُم في نفسه قدر البيت، وقدر ربِّ البيت، وليعلم أنه عزم على أمر رفيع شأنه، خطير أمره، وليجعل عزمه خالصًا لوجه الله سبحانه، بعيدًا عن شوائب الرياء، والسمعة، وليتحقق أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخالص.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: مما يجب اجتنابه على الحاج وبه يتم حجه ألَّا يقصد بحجِّه رياء ولا سمعة ولا مباهاة ولا فخرًا ولا خيلاء، ولا يقصد به إلا وجه الله ورضوانه، ويتواضع في حجه ويستكين ويخشع لربه.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا تظن أن مجرد الذهاب إلى "مكة" لتطوف وتسعى وتخرج إلى عرفة، ومزدلفة، ومنى، أنك حجَجْتَ الحج الذي يُكفِّرُ الله به كل ذنبٍ، حتى تكون حججت مُخلصًا لله، مُتأسيًا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إقامة الصلاة في الحج:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: خصال البر، من أهمها للحاج: إقام الصلاة. فمن حج من غير إقام الصلاة لا سيَّما إن كان حجُّه تطوعًا، كان بمنزلة من سعى في ربح درهم، وضيَّع رأس ماله، وهو ألوف كثيرة، وقد كان السلف يواظبون في الحج على نوافل الصلاة.
اجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحج:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: الرفث: إتيان النساء، والجدال: تُماري صاحبك حتى تغضبه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وعكرمة، رحمهما الله: الرفث: الجِماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: المِراء.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: الرفث: إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم، والفسوق: إتيان معاصي الله في الحرم، والجدال: السباب، والمِراء، والخصومات.
قال الحسن البصري رحمه الله: الرفث: الغشيان، والفسوق: السباب، والجدال: الاختلاف في الحج.
قال الإمام الغزالي رحمه الله: ترك الرفث والفسوق والجدال. والرفث: اسم جامع لكل لغو وخَنا، وفحش في الكلام، ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهن، والتحدث بشأن الجماع ومقدماته. والفسق: اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل.
والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن، فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه وعلى غيره؛ بل يلين جناحه ويخفض جناحه للسائرين إلى بيت الله عز وجل، ويلزم حُسْن الخلق، وليس حُسْنُ الخُلُق كَفَّ الأذى؛ بل احتمال الأذى.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قوله: {فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197]؛ أي: من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجِماع، كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل، ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء.
الحج المبرور، وعلامات لمن تقبل الله منهم:
قال الحسن البصري رحمه الله: الحج المبرور...أن يرجع زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة.
قال الإمام ابن عبدالبر المالكي رحمه الله: أما الحج المبرور، فقيل: هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث فيه، ولا فسوق، ويكون بمال حلال، والله أعلم، وبالله التوفيق.
قال الحافظ النووي رحمه الله: الحج المبرور: الأصح الأشهر أن المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، مأخوذ من البر وهو الطاعة، وقيل: هو المقبول، ومن علامة القبول أن يرجع خيرًا مما كان، ولا يعاود المعاصي، وقيل: هو الذي لا رياء فيه، وقيل: الذي لا يعقبه معصية، وهما داخلان فيما قبلهما.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الحج المبرور يُكفِّر السيئات، ويوجب دخول الجنات. له علامات لا تخفى: قيل للحسن: الحج المبرور جزاؤه الجنة؟ قال: آية ذلك أن يرجع زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة. وقيل له: جزاء الحج المغفرة؟ قال: آية ذلك أن يدع سيئ ما كان عليه من العمل.
قال الإمام الغزالي رحمه الله: يقال: إن من علامة قبول الحج ترك ما كان عليه من المعاصي، وأن يتبدل بإخوانه البطالين إخوانًا صالحين، وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: قد تكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحُجَّاج والصائمين والمتصدِّقين والمصلِّين، وهي انشراح الصدر، وسرور القلب، ونور الوجه، فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها؛ بل هي ظاهره وباطنه أيضًا.
النظر إلى مآل هذا السفر وعاقبته:
قال الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله: من عزم على سفر الحج إلى البيت الحرام، فلم يعلم من سفره ذلك إلا مشقة السفر، ومفارقة الأهل والوطن، ومقاساة الشدائد، وفراق المألوفات، ولا يجاوز نظره وبصيرته آخر هذا السفر ومآله وعاقبته، فإنه لا يخرج إليه، ولا يعزم عليه.
فوائد الحج وأسراره:
قال العلامة السعدي رحمه الله: أما ما في الحج من بذل الأموال، وتحمُّل المشقات، والتعرض للأخطار والصعوبات؛ طلبًا لرضا الله، والوفادة على الله، والتملق له في بيته وفي عرصاته، والتنوع في عبوديات الله في تلك المشاعر التي هي موائد مدَّها الله لعباده ووفود بيته، وما فيها من التعظيم والخضوع التام لله، والتذكر لأحوال الأنبياء والمرسلين، والأصفياء والمخلصين، وتقوية الإيمان بهم، وشدة التعلق بمحبتهم. وما فيها من التعارف بين المسلمين، والسعي في جمع كلمتهم، واتفاقهم على مصالحهم الخاصة والعامة مما لا يمكن تعداده، فإنه من أعظم محاسن الدين، وأجلِّ الفوائد الحاصلة للمؤمنين...الحج...فرضه العليم الحكيم الحميد في جميع ما شرعه وخلقه، واختص هذا البيت الحرام، وأضافه إلى نفسه، وجعل فيه وفي عرصاته والمشاعر التابعة له من الحكم والأسرار ولطائف المعارف ما يضيق علم العبد عن معرفته، وحسبك أنه جعله قيامًا للناس، به تقوم أحوالهم ويقوم دينهم ودنياهم، فأفعال الحج وأقواله كلها أسرار وحكم المقصود منها القيام بالعبودية المتنوعة والإخلاص للمعبود، فالحج مبناه على الحب والإخلاص والتوحيد والثناء والذكر.
تذكر الحاج عند أداء نسكه الرحيل من الدنيا:
قال الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان: على الحاج...أن يتذكر في أداء نسكه هذا الرحيل من هذه الدنيا، وذلك للتشابه بين الحاج والميت؛ فالميت ينتقل من دار إلى دار، والحاج ينتقل من بلاده إلى بلاد أخرى، والميِّت يُغسَّل والحاج يغتسل.
كثرة ذكر الله عز وجل في الحج:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من أعظم أنواع بر الحج كثرة ذكر الله تعالى فيه، وقد أمر الله تعالى بكثرة ذكره في إقامة مناسك الحج مرة بعد أخرى.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: أفضل الحجاج أكثرُهم ذكرًا لله عز وجل.
وجوب المبادرة إلى الحج لمن استطاع:
قال العلامة ابن باز رحمه الله: ويجب على من لم يحج وهو يستطيع أن يبادر إليه؛ لما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعجَّلوا الحجَّ- يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له»؛ (رواه أحمد). وأن أداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل إليه، لظاهر قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: «أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجُّوا»؛ (أخرجه مسلم).
سؤال الله الرجعة عند الموت لمن مات ولم يحج وقد أطاق الحج:
قال الإمام البغوي رحمه الله: روى الضحاك، وعطية، عن ابن عباس، أنه قال: ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤدِّ زكاته، وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الله الرجعة عند الموت.
الحج جهاد:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: "وقال عمر: شدوا الرحال على الحج، فإنه أحد الجهادين"... معناه: إذا فرغتم من الغزو فحجُّوا واعتمروا، وتسمية الحج جهادًا إما من باب التغليب، أو على الحقيقة، والمراد جهاد النفس؛ لما فيه من إدخال المشقة على البدن والمال.
كتاب في الحج يغني عن كثير من الكتب:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: كثرت كُتُب المناسك في الحج كثرة عجيبة...وكتاب "التحقيق والإيضاح" للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يغني عن كثير من الكتب.
- التصنيف: