مراتب الجهاد

منذ 2024-05-31

الجهاد أربع مراتب هي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.

الجهاد أربع مراتب هي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.

 

فجهاد النفس أربع مراتب:

أحدها: أن يجاهدها على تعلُّم الهدى ودين الحق، الذي لا فلاح لها ولا سعادة لها في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمُه شقِيت في الدارين.

 

الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد عِلمه، وإلا فمجرَّد العلم بلا عمل إن لم يضرَّها لم ينفعها.

 

الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه مَن لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من البيِّنات والهدى، فلا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.

 

الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كلَّه لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مُجْمِعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى (ربانيًّا) حتى: يعرف الحق، ويعمل به، ويعلِّمه، ويدعو إليه، فمَنْ عَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ، فذاك يُدْعَى عظيمًا في ملكوت السماء[1].

 

جهاد الشيطان:

وأما جهاد الشيطان، فمرتبتان:

أحدهما: جهاده على دفع ما يُلْقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.

 

الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات.

 

فالجهاد الأوَّل: يكون بعدَه اليقين، والجهاد الثاني يكون بعده الصبر؛ قال - تعالى -: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].

 

فأخبر أن إمامة الدين إنَّما تُنَال بالصبر واليقين؛ فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.

 

جهاد الكفار والمنافقين:

وأمَّا جهاد الكفار والمنافقين، فأربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس، وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهاد المنافقين أخصُّ باللسان.

 

وأمَّا جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات، فثلاث مراتب:

الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهَدَ بقلبه، فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، و«مَن مات ولم يَغْزُ ولم يحدِّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق»[2].

 

(فصل) ولا يتمُّ الجهاد إلاَّ بالهجرة، ولا الهجرة والجهاد إلا بالإيمان، والراجون رحمةَ الله هم الذين قاموا بهذه الثلاثة؛ قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218].

 

وكما أن الإيمان فرضٌ على كل أحدٍ، ففرضٌ عليه هجرتان في كل وقت: هجرة إلى الله - عز وجل - بالتوحيد والإخلاص، والإنابة والتوكل، والخوف والرجاء، والمحبة والتوبة، وهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة والانقياد لأمره، والتصديق بخبره، وتقديم أمره وخبره على أمر غيره وخبره؛ «فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوَّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»[3].

 

وفرضٌ عليه جهاد نفسه في ذات الله وجهاد شيطانه، فهذا كله فرضٌ عليه لا ينوب فيه أحدٌ عن أحدٍ، وأمَّا جهاد الكفار والمنافقين فقد يُكْتَفى فيه ببعض الأمَّة إذا حصل منهم مقصود الجهاد[4].

 

والله أعلم، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 


[1] دليل المراتب الأربع سورة العصر.

[2] أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.

[3] رواه البخاري في "صحيحه" ومسلم.

[4] "زاد المعاد في هدي خير العباد"، لابن القيم، جـ 2 ص 106- 108.