ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب (مطوية)

منذ 2024-06-03

« مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبِ وَلا وَصَبٍ وَلاهَمٍ، وَلا حَزَنٍ وَلا غَمٍّ، وَلا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا خَطَايَاهُ»

 

كتب: عزمي إبراهيم عزيز

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم الحمد لله الذي خلق الإنسان علمه البيان والصلاة والسلام على الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أما بعد. فهذه فوائد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبِ وَلا وَصَبٍ وَلاهَمٍ، وَلا حَزَنٍ وَلا غَمٍّ، وَلا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا خَطَايَاهُ»

[متفق عليه ]

♦♦♦♦♦♦

 

شرح الكلمات:

النصب: التعب.

الأذى: هو كل ما لا يلائم النفس.

الغم: هو أبلغ من الحزن يشتد بمن قام به.

يشاكها: تشكه وتدخل في جسده.

خطاياه: ذنوبه.

 

المعنى الإجمالي:

في حديث أبي سعيد وأبي هريرة وابن مسعود - رضي الله عنهم - فيه دليل على أن الإنسان يُكفّر عنه بما يصيبه من الهمّ والنّصب والغم وغير هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى يَبتلي سيحانه وتعالى عبده بالمصائب وتكون تكفيرًا لسيئاته وحطًا لذنوبه.

والإنسان في هذه الدنيا لا يمكن أن يبقى مسرورًأ دائمًا بل هو يوم يُسَر ويوم يحزن،؛ ويوم يأتيه شيء وسوم لا يأتيه،؛ فهو مصاب بمصائب في نفسه ومصائب في بدنه ومصائب في مجتمعه ومصائب في أهله ولا تحصى المصائب التي تصيب الإنسان،؛ ولكن المؤمن أمره كله خير إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له وإن أصابته سَرّاء شكر فكان خيرًا له.

فإن أُصبت بالمصيبة فلا تظن أن هذا الهم الذي يأتيك أو هذا الألم الذي يأتيك ولو كان شوكة لا تظن أنه سيذهب سُدى بل ستُعوّض خيرًا منه،؛ ستُحطّ عنك الذنوب كما تحطُّ الشجرة ورقها وهذا من نعمة الله.

وإذا زاد الإنسان على ذلك الصبر الاحتساب: أي احتساب الأجر كان له مع هذا أجر.

فالمصائب تكون على وجهين:

1- تارة إذا أصيب إنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله فيكون فيها فائدتان: تكفير الذنوب وزيادة الحسنات.

2- وتارة يغفل عن هذا فيضيق صدره ،؛ ويغفل عن نية الاحتساب والأجر على الله فيكون في ذلك تكفير لسيئاته. إذَاً هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه. فإما أن يربح تكفير السيئات،؛ وحظ الذنوب بدون أن يحصل له أجر لأنه لم ينو سيئًا ولم يصبر ولم يحتسب الأجر،؛ وإمّا أن يربح شيئين كما تقدّم.

ولهذا ينبغي للإنسان إذا أصيب ولو بشوكة،؛ فليتذكر احتساب من الله على هذه المصيبة. وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى وجوده وكرمه حيث يبتلي المؤمن ثم يثيبه على هذه البلوى أو يكفر عنه سيئاته. فالحمد لله رب العالمين.

فعليكم بالصبر على ما أصابكم والاحتساب،؛ فإن ذلك يخفف المصيبة ويجزل لكم عند ربكم الثواب،؛ ألا وإن الجزع يزيد في المصيبة ويحبط الأجر ويوجب العقاب،؛ فيا سعادة مَن رضي بالله ربًا،؛ فتمشى مع أقداره،؛ بطمأنينة قلب وسكون،؛ وعلم أن الله أرحم به من والديه فلجأ إليه وأنزل به جميع الحوائج والشؤون { ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ.... ﴾} ] (155) إلى آخر الآيات.

وهذا الحديث فيه دليل على أن المرض النفسي كالمرض البدني في تكفير السيئات؛ لأنه قال في الحديث: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب)، والنصب هو التعب، والوصب: هو المرض وهذه أشياء بدنية، ثم قال: (ولا هم ولا حزن... ولا غم) وهذه أشياء نفسية، فإذن من رحمة الله حتى الهموم والأحزان والغموم، وهي أشياء نفسية يكفر الله بها من الخطايا.

وليعلم أنه لن يسلم أحد من الحزن، يقول ابن القيم رحمه الله كما في "زاد المعاد":

"الناس كلهم مصابون – لا تظن أن أحدا بمعزل عن المصائب – الناس كلهم مصابون إما بفوات محبوب أو بحصول مكروه"

فهو من قدر الله عز وجل:  {﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ ﴾ يعني من أمراض، من أوجاع، من هموم ﴿ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ﴾}

من أراد أن يذهب عنه الحزن "

فليكن ولياً لله جل وعلا، أولياء الله يصيبهم الحزن، ولكن هم لا يستسلمون له، ثم بفضل من الله جل وعلا لما وفقهم إلى الولاية يذهب عنهم هذا الحزن، وإن وقع صار هذا الحزن خفيفا، قال تعالى:  {﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾}  من هم ؟  {﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾} [ يونس63] .

ما المزايا ؟ {﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾}   [يونس 64] .

مِمَّا يُستفاد من الحديث:

1- المؤذيات التي تصيب المؤمن تطهره من الذنوب. · أقل ما يصيب العبد من بلاء الدنيا كان كفارة له.

2- ينبغي على العبد أن لا يجمع على نفسه بين الأذى وتفويت الثواب.

3- المصاب مَن حُرم الثواب.

4- الحزن "يختلف عن الهم وعن الغم، فما أصابك مما لا يلائمك فيما مضى فهو الحزن.

5- ما أصابك مما لا يلائمك ولا يوافقك في الحاضر فهذا هو " الغم "

6- ما تخشى مما سيقع في المستقبل هذا يسمى " بالهم ".

7- الحزن هو من قدر الله عز وجل "

8- الحزن إذا استسلم له العبد يكفي أن من أعظم أضراره أنه قد يودي بصحة الإنسان.

9- الحزن لن تخلو منه هذه الدنيا ".

10- لو سلم أحد من الأحزان لسلمت منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذلك لما يدخل أهل الجنة الجنة ماذا يقولون؟

{﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾} [فاطر34] لم ؟

11- إحزانك هو أعظم ما يفرح به الشيطان يقظة ومناماً، لماذا يحب الشيطان أن يحزن ابن آدم ؟ لأنه يعرف أنه متى ما وقع الحزن في قلبه ضعف عن طاعة الله.

12- الحزن كان يستعيذ منه النبي صلى الله عليه وسلم "كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: وانتبه معي إلى جمل هذه التعويذات (كثيرا ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال).

13- الحزن إذا أردت أن يذهب عنك فكن قريبا من الله.

14- إن الله ما ابتلاك إلا ليرفع درجاتك ويكفر ذنوبك وافرح فما ابتلائك إلا هو باب خير فتح لك كيف ذلك ؟؟ فكلما أحسست بالهم والغم وتوضأت وصليت فهذه طاعة لك أجر بها ، تؤجر على مصابك وتؤجر على طاعتك.

15- أعلم أيها المبتلى إنه ما ابتلاك إلا لـيسمع صوتك بالدعاء فالدعاء هو العبادة ، وكذلك لعله أصابك بهذا المصاب ورفع عنك مصاب آخر أشد.

16- اعلم أيها المبتلى إن بلاءك ومصائبك تدل على عظم أجرك عند الله، إن أنت صبرت على مرضك وقابلت قضاء الله وقدر بالتسليم والرضا لا بالجزع و التسخط وماذا يفيدك الجزع والتسخط والتشكي؟! إن ذلك لن يفيدك شيئاً، بل هو يزيد عليك الألم والضعف والتعب أضعاف أضعاف ما لو كنت صابراً محتسباً.

17- من فوائد المرض والبلاء أنه يبين للإنسان كم هو ضعيف مهما بلغت قوته،.

18- من فوائد المرض والبلاء أنه يريك نعم الله عليك كما لم ترها من قبل، ففي حال المرض يشعر الإنسان شعوراً حقيقياً بنعمة الصحة، ويشعر أيضاً بتفريطه في هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه سنين طوالاً، وهو مع ذلك لم يؤد حق الشكر فيها، ومن ثم يعاهد ربه فيما يستقبل من أمره أن يكون شاكراً على النعماء، صابراً على البلاء.

19- الشدائد فيها رفعه في الدرجات إن خالطها الصبر، فلنحمد الله على كل حال فمن زاد في دينه زيد له في بلاءه.

20- ينبغي للإنسان إذا أصيب ولو بشوكة، فليتذكر الاحتساب من الله على هذه المصيبة.

21- مَن علم أن الله عزيز حكيم، وأن المصائب بتقدير الرؤوف الرحيم، أذعن للرضى ورضي الله عنه وهدى الله قلبه للإيمان والتسليم.

22- الفرق بين النصَب والوصَب هو أن النصب: هو التعب، والوصب: هو الوجع الدائم أو المرض، فالتعب قد لا يكون مرضاً، يمشي الإنسان مسافة ويتعب، يحمل أمتعة ويتعب، يبني جداراً ويتعب، يشتري من السوق ويزاول بعض الأعمال ويتعب، لكنه ما هو مريض، أما الوصب فإنه المرض.

23- الوصب والنصب يصيب غالباً البدن، وأما الهم والحزن فهو يصيب النفس.

24- هناك ما هو أعظم من الشوكة، كالجراح، والمسمار، وكي النار، فكيف لو صار له حادث؟ هذا ليس مثل الشوكة، هذا أعظم، كيف لو مرض مرضاً خطيراً مثل السرطان -أعاذنا الله وإياكم- أو الفشل الكلوي، أو الصرع، أو البرص، أو الجذام، أو أصابه مرض من الأمراض الفاتكة؟!.

25- أن الشوكة أو غير الشوكة لا تكفر جميع الذنوب، وإنما يكفر ذلك بعضَ الذنوب، لكن هناك ذنوب لا تكفرها لا الشوكة ولا الطاعون وهي حقوق الخلق، هذه لابد أن ترد إليهم سواء كانت حقوقاً معنوية أو حسية.

والله أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.