بعض من مقتضيات لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله

منذ 2024-06-04

إنها ليست مجرد كلمة تنطق باللسان، إنما هي يقين يملأ القلب وقول وعمل؛ كما قال السلف الصالح: الإيمان قول وعمل، عمل بمقتضيات لا إله إلا الله في الواقع المنشود.

 

 

إبراهيم بن أحمد الشريف

 

لؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله)، كلمة قليلة الألفاظ، ولكنها تحوي الدين كله، فهي نظام شامل متكامل، يظلل جميع مناحي الحياة، فالأنظمة الحياتية التي تنظم حياة البشر تنبثق من لؤلؤة التوحيد، فإذا اتَّبع المجتمع ما تحويه هذه الكلمة وألزم نفسه بها قولًا وعملًا وتطبيقًا دون الرجوع إلى الأنظمة الأخرى التي هي من صنع البشر، سعد أفراده وهدأَ بالُهم، واطمأنَّت نفوسهم، وساد العدل والنظام الجميع، بفضل تمسُّك الأفراد بلؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله.

فمن لوازم لؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله): غرس القيم والأخلاق والمبادئ والتعاليم الإسلامية الصحيحة، والعقيدة النقية الصافية في قلوب النشء المسلم؛ حتى يرتبط بالله في كل مراحله التعليمية، ومن ثم يصبح جيلًا قرآنيًّا مرتبطًا بكتاب الله؛ لأن الله هو سبحانه المشرع الذي يعلم سبحانه وتعالى ما يصلح الفرد:  {﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾}  [النمل: 60].

ومن لوازم لؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله): النظام الاجتماعي، فهو منبثق من لؤلؤة التوحيد، فالبيت المسلم هو نواة المجتمع الإسلامي، وهو المجتمع الصغير الذي ينشأ فيه الصغار ويرتبطون بالكبار، يرتبطون برباط الأبناء بآبائهم، ورباط القيم والأخلاق والتقاليد، ورباط الألفة والمودة، ورباط الاستقرار النفسي والعاطفي، وكلها معان مستمدة من الدين؛ قال تعالى:  {﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾}  [الروم: 21].

أما في المجتمعات الوضعية البعيدة عن دين الله تعالى، فتفكَّكت فيها الأسرة، وأصبح السهر خارج البيت سمةً من سمات المجتمع الجديد، فتفككت روابط البيت التقليدية، ونشأ الجيل مفككًا ليس فيهم الألفة والمودة؛ كما يقول الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منَّا *** على ما كان عوَّده أبوه

ومن لوازم لؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله): المناهج التعليمية يجب أن تكون وَفق معايير دينية سليمة، ويشرف عليها علماء تربويون متخصصون أُمناء على النشء الذي يقوم بحمل الأمانة؛ حتى يقيم دين الله، وأن تكون منظومة تربوية دينية توافق الشرع الحنيف، فالتعليم بكل مراحله يجب ألا يكون مختلطًا، بل يجب الفصل بين البنين والبنات في جميع المراحل، وتقوم نساء صالحات متعلمات وملتزمات بهذا الدين بتدريس جميع المواد للبنات، وغرس خلق الحياء والفضيلة في نفوسهن، قال الشيخ بكر عبدالله أبوزيد: إن أهل الإسلام لا عهد لهم باختلاط نسائهم بالرجال الأجانب عنهن، وإنما حصلت أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال المدارس الاستعمارية الأجنبية العالمية التي فُتحت أول ما فُتحت في بلاد الإسلام في لبنان كما عرف تاريخيًّا أن التبذل والاختلاط من أعظم أسباب انهيار الحضارات، وزوال الدول، كما حدث في حضارة اليونان والرومان[1]، وينصح الشيخ بكر عبدالله أبوزيد - رحمه الله تعالى- كل أب أو ابن، أو أخ أو زوج، أو سلطان بالمحافظة على النساء؛ لأن المرأة في الإسلام هي الأم والأخت والزوجة والبنت، والخالة والعمة، فهي نصف المجتمع، بل هي المجتمع كله، فهي عندنا لؤلؤة مصونة ودرة مكنونة؛ قال - رحمه الله -: فعلى مَن بسَط الله يده إصدار الأوامر الحاسمة للمحافظة على الفضيلة من عاديات التبرج والسفور والاختلاط، وكف أقلام الرعاع السفوريين عن الكتابة في هذه المطالب، حمايةً للأمة من شرورهم، وإحالة مَن يسخر من الحجاب إلى القضاء الشرعي، ليطبق عليهم ما يقضي به الشرع من عقاب، وإلحاق العقاب بالمتبرجات؛ لأنهن شراك للافتتان، وهن أَولى بالعقاب من الشاب الذي يتعرَّض لهنَّ؛ إذ هي التي أغرتْه فجرَّته إلى نفسها.

على العلماء وطلاب العلم بذل النصح والتحذير من قالةِ السوء، وتثبيت نساء المؤمنين على ما هنَّ عليه من الفضيلة، وحراستها من المعتدين عليها، والرحمة بهن بالتحذير من دعة السوء عبيد الهوى، فالأمة بحاجة إلى نصائح العلماء الربانيين المخلصين، فهم السراج المضيء الذي ينير الطريق للسالكين فيه، فلولا العلماء لضل الناس، واختلطت المفاهيم، ولم يُعرَفْ غَثُّها من سمينها، فأسال الله العلي القدير أن يبارك لنا في علمائنا، وأن يسدد خطاهم، وأن يوفقهم إلى ما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

على كل من ولَّاه الله أمرَ امرأة من الآباء والأبناء والأزواج وغيرهم، أن يتقوا الله فيما وُلُّوا من أمر النساء، وأن يعملوا الأسباب لحفظهنَّ من السفور والتبرج والاختلاط، والأسباب الداعية إليها، ومن دعاة السوء، وليعلموا أن فساد النساء سببه الأول تساهل الرجال.

على نساء المؤمنين أن يتَّقين الله في أنفسهن، ومن تحت أيديهن من الذراري، بلزوم الفضيلة، والتزام اللباس الشرعي والحجاب بلُبس العباءة والخمار، وألا يمشين وراء دعاة الفتنة وعشاق الرذيلة.

ننصح هؤلاء الكتاب بالتوبة النصوح، وألا يكونوا باب سوء على أهليهم وأُمتهم، وليتقوا سخط الله ومَقته وأليم عقابه.

على كل مسلم الحذر من إشاعة الفاحشة ونشرها وتكثيفها[2]، يتضح لنا أن لؤلؤة التوحيد ينبثق منها النظام الاجتماعي الذي يحافظ على كيان الأسرة، ومن ثم المجتمع كله.

وكذلك المعلمين الرجال يُنتقَى منهم من يخاف الله ويتقيه، فمثل هؤلاء على عاتقهم أمانةُ تربية وإعداد وتكوين جيل رباني يخشى الله ويتقيه، ولقد ركَّز أعداء الله على إفساد الأمة بإخراج جيل من المعلمين قادرٍ على أن يسير بالأمة الإسلامية إلى ما يريدون، وكانوا في غاية الدهاء والمكر عندما بدأت معركتهم ضد المسلمين من المدرسة، وعن طريق برامج التعليم.

ولؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله): ينبثق منها هذا النظام السياسي المحكَم الذي ينظِّم علاقات الناس بعضهم ببعض، ويوافق طبيعتهم، ولا يتعارض مع طبائعهم؛ حتى يرتفعوا بهذا الدين وتسموا أخلاقهم، ويهدأ بالُهم، ولكن أعداء الله يريدون لهذا النظام أن ينزوي ويبعُد، ويرددون كلام أسيادهم: ما دخل الدين بالسياسة؟ ما دخل الدين بالحكم والرئاسة؟! لا تَزجوا بالدين في هذه الأمور؛ حتى لا يفقد رونقه، الدين يكون في المساجد فقط! يريدون للدين أن يكون مجرد شعائر باهتة عفا الزمن عليها محصورة في المساجد والكتاتيب، والقائمون عليه هم كبار السن والذين تقاعدوا عن العمل؛ حتى يستقر في حس الناشئ أن الدين مرتبط بكبار السن، ولا يساير روح العصر والتقدم، ولكن الدين نظام كامل شامل يساير روح العصر ويواكبه، فهو شعيرة وشريعة وسيف ومصحف، ودين ودولة، فعندما تكون السياسة مستمدة من الشرع، تصبح عبادة لله، السياسة عبادة حين تكون تطبيقًا لشريعة الله، وتطبيقًا للعدل الرباني في واقع الأرض، وتنمية للخير في نفوس الناس، وتعبيدًا للناس لربهم وحده.

إن لؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله): منهج حياة متكامل شامل يظلل حياة الناس، فجميع الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية، والإعلامية والفكرية والأخلاقية والسلوكية والحربية، هذه الأنظمة منبثقة من لؤلؤة التوحيد، فهي ليست مجرد كلمة، ولكنها منهج حياة شامل.

قال الشيخ محمد الصالح العثيمين - رحمه الله -: وإنك لترى هذا القرآن العظيم قد بيَّن الله تعالى فيه أصول الدين وفروع الدين، فبيَّن التوحيد بجميع أنواعه، وبيَّن حتى آداب المجالس والاستئذان، حتى آداب اللباس، إن هذا الدين شامل كامل لا يحتاج إلى زيادة، كما أنه لا يجوز فيه النقص، ولهذا قال الله تعالى في وصف القرآن: { ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾}  [النحل: 89]، فما من شيء يحتاج الناس إليه في معادهم ومعاشهم، إلا بيَّنه الله تعالى في كتابه إما نصًّا أو إيماءً، وإما منطوقًا وإما مفهومًا، فالله بيَّن ما تحتاجه الأمة في جميع شؤونها حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: "ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم طائرًا يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا".

وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه: علَّمكم نبيُّكم حتى الخراءة - آداب قضاء الحاجة - قال: نعم[3]، ولهذا قال تعالى: { ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ﴾ } [الشورى: 13].

فالله عز وجل هو وحده المعبود التي تجب له العبادة، هو وحده المشرع الذي يحل ويحرم.

هو الله وحدة سبحانه المقرر الذي يقرِّر منهج الحياة ومصدر التلقي في قضايا الحياة الكبرى، فجميع الأنظمة الحياتية التي تحدد معالم البشر لا بد أن تنبثق من لؤلؤة التوحيد.

فلؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله): لها القدرة العجيبة التي أودعها الله في هذه الكلمة في تجدُّد الأمة، وأن ترجع الأمة إلى مجدها الأول، فيتغير الواقع المنحرف، وينشأ الواقع المنشود الذي تُظله لا إله إلا الله.

إنها ليست مجرد كلمة تنطق باللسان، إنما هي يقين يملأ القلب وقول وعمل؛ كما قال السلف الصالح: الإيمان قول وعمل، عمل بمقتضيات لا إله إلا الله في الواقع المنشود.

 


[1] حراسة الفضيلة؛ بكر بن عبدالله أبو زيد ( ص 82 )، الناشر دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة المكرمة.

[2] حراسة الفضيلة(ص: 150،149) بكر عبدالله أبوزيد.

[3] سلسلة العقد الثمين من محاضرات الشيخ ابن عثيمين، الرسالة الثانية: الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع (ص:4-5-6)، بدون ناشر.