عبث صحفي أم عقيدة؟!
منذ 2012-01-08
نشر الأقوال الفقهية الشاذة والتركيز على الآراء المخالفة لما يُفتى به في بلادنا ويُعمل هي من السياسات التي ينتهجها إعلامنا ويسير عليها!
نشر الأقوال الفقهية الشاذة والتركيز على الآراء المخالفة لما يُفتى به في بلادنا ويُعمل هي من السياسات التي ينتهجها إعلامنا ويسير عليها! والسؤال هنا: هل هي مجرد عبث صحفي وإعلامي، أم أنها تنطلق من عقيدة يؤمن بها الكثير من رواد إعلامنا المحلي وقادته؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نقف وقفة تأمل للقضية وأصحابها، فإذا علمنا أن معظم قادة إعلامنا درسوا في الجامعات الأمريكية والأوروبية، وقضوا جزءاً من حياتهم هناك، وتأثروا بحياة الغرب وثقافاتهم لدرجة أنهم بعد عودتهم إلى أوطانهم أخذوا يبشرون بحضارة الغرب المزعومة ويدعون الناس إليها، ومنهم من تأثر بثقافة الغرب عن طريق كتبهم ومقالاتهم، كذلك الكتب والمقالات العربية التي شرب أصحابها من ثقافة الغرب، هذه ليست تهمة تفتقر إلى الدليل لإثباتها، بل هي واقع لا ينفونه هم عن أنفسهم.
فإذا علمنا هذا، فما الرابط بين إثارة الأقوال الفقهية الشاذة والتأثر بثقافة الغرب؟! النظرية النسبية هي من أسس الثقافة الغربية الحديثة، يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله واصفاً سطوة النسبية على المجتمع الأمريكي وهيمنتها عليه: "إن النسبية قد فرغت الإنسان الأمريكي من الداخل وتركته في مهب الريح" (1).
النسبية تعني ببساطة أن الحقيقة أمر نسبي لا يمكن لأحد أن يدعي ملكيتها، فكل شيء قابل للقبول والرفض، والأخذ والرد، حتى الأمور التي تتناقض مع الفطرة السوية، فقبولها ورفضها أمر نسبي!! فمثلاً: من يرفض الشذوذ -أجلكم الله- لا يحق له أن يعترض على من يفعل هذا؛ لأنه لا يملك الحقيقة وحده، فما كان حقاً عندك، ليس ضرورياً أن يكون حقاً عند الآخر!! وبهذا فإن النسبية تنزع القداسة عن كل شيء، فليس في العالم أمر يقيني، ولا أخلاق سيئة وأخرى حسنة يجمع عليها الناس، ولا دستور ثابت يحتكم إليه الجميع، ويعرفون به الخير من الشر، ويفرقون بين الحق والباطل!! يقول الدكتور المسيري رحمه الله: "وفي محاولة تفسير هذه الظاهرة -ظاهرة غياب الحرية الفردية والقدرة على الاختيار في المجتمعات الغربية-، وجدت أن النسبية المعرفية والأخلاقية التي كان من المفروض فيها أنها ستحرر الإنسان وتفسح له المجال لتأكيد فرديته، أدت إلى العكس.
فالنسبية تنزع القداسة عن العالم (الإنسان والطبيعة) وتجعل كل الأمور متساوية، ومن هنا فالظلم مثل العدل، والعدل مثل الظلم (.....)، فيصبح من العسير للغاية، بل من المستحيل على الإنسان الفرد أن يتخذ أي قرارات بشأن أي شيء، ويصبح من السهل اتخاذ القرارات بالنيابة عنه والهيمنة عليه سياسياً، فالنسبية قوضت الإنسان الفرد من الداخل وجعلت منه شخصية هشة غير قادرة على اتخاذ أي قرار وإن كانت، في الوقت ذاته، قادرة على تسويغ أي شيء، وكل شيء!! (2).
وإذا أردنا أن نعرف الرابط بين النسبية وقضيتنا هذه فعلينا أن ننظر في نتائج إثارة الأقوال الفقهية الشاذة والآراء المخالفة لاختيارات علماء الأمة وأئمة الدين، بل والمخالفة لإجماع السلف والخلف، في اعتقادي أن النتيجة واضحة: إسقاط هيبة ورثة الأنبياء وزعزعة ثقة الناس بهم وبأقوالهم، وأن أقوالهم قابلة للقبول والرفض، حتى ولو كانت هذه الأقوال مستمدة من نصوص الشريعة الصحيحة الصريحة؛ فيترتب على هذا نزع قداسة النصوص الدينية حتى ولو كانت من القرآن والسنة!! فخلاصة هذه النتيجة إذن: تعدد الحقيقة والحق، ونزع القداسة، وهذه هي مرتكزات وأصول النظرية النسبية!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رحلتي الفكرية، عبد الوهاب المسيري، ص147.
(2) المرجع السابق، ص147.
عبد الله بن خالد اليمني
fadia.ghunaim@gmail.com
- التصنيف: