تقبل الله الضحايا

منذ 2024-06-17

قال تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}

عند التأمل بقوله تعالى في كتابه العزيز {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}  [الحج:37].

وعَنْ عَائِشَةَ(رضي الله عنها)، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».

هذا يجعل كل من يريد أن يضحي أن يحرص أشد الحرص على أن يطبق أحكام شرع الله تعالى فهي من أعلام دين الله عزوجل في أضحيته حتى يتقبلها الرحمن الرحيم منه بقبول حسن خاصة أنها من أحب الأعمال إلى الله عزوجل.

ويسن لمن أراد التضحية أن لا يقص أو يزيل شعره، أو يقص أضافره فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ(رضي الله عنها)، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ».

والأضحية يجب أن تكون من النعم وتتمثل: الإبل، أو البقر أو الغنم، ولا تجزئ غيرها لقوله تعالى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}  [الحج:34].

 

الأضحية المُسنة:

ويشترط لإجزاء الأضحية المُسنة، وهي من الإبل ما أتمت خمس سنوات، ودخلت في السادسة، ومن البقر والغنم، ما أتمت سنتين ودخلت في الثالثة، ورخص بالجزعة من الضأن (وهي التي ألقت سنها قبل تمام السنة) فعن جابرٍ، قال: قالَ رسولُ الله (صلَّى الله عليه وسلم): «لا تَذْبَحوا إلا مُسِنَّةً، إلا أن يَعسُرَ عليكم فتذبَحوا جَذَعةً من الضَّأن».

ويسن استسمان الأضحية واستحسانها، لقول الله تعالى {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}  [الحج:32].

ويشترط في الأضحية السلامة من العيوب التي تنتقص اللحم، فلا تجزئ العجفاء التي ذهب مخ عظمها، ولا المجنونة (التولاء) التي تدور في المرعى وتخطىء أماكن العشب والكلأ فتهزل، ولا المريضة التي لا تُنقى، ولا العوراء البين عورها؛ لأنها تتخلف عن إخوتها في الرعي فتضعف وتهزل، ولا العمياء بالأولى، ولا ذات الجرب، ولا العرجاء البين عرجها، ولا الكسحاء بالأولى؛ لأن عجرها يُخلفها عن موطن الكلأ، ولا مقطوعة الأذن؛ لنقص لحمها، ولا خرقاء الأذن وهي مثقوبة الأذن.

وتكره التضحية بالشرقاء (مشقوقة الأذن)، ولا تجزئ العضباء (وهي مكسورة القرن)، وهذا مصروف إلى التي كسر قرنها، أو عضب من أصله حتى يرى الدماغ، لا دون ذلك فيكره فقط ولا يمنع الإجزاء. ولا يضر فقد قرن خلقة، وتسمى الجلحاء، ولا يضر الكسر اليسير الذي لا يضر.
 

وقت التضحية:

ويدخل وقت التضحية إذا ارتفعت الشمس قدر رمح، أو بأن يمضي قدر ركعتين خفيفتين، وخطبتين خفيفتين اعتبارًا بصلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) وأيام النحر هي يوم الأضحى وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.

وعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ».
 

الاشتراك في الأضحية:

تجزئ التضحية بسبع بدنة أو بقرة؛ فإن كلا من البدنة والبقرة تجزئ عن سبعة فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.

وتجوز الشراكة سواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا؛ كما قصد بعضهم التضحية، وبعضهم الهدي أو العقيقة، وكذلك لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية.

وتجزئ الشاة عن الواحد، ولو ذبحها عنه وعن أهله جاز؛ فهي سنة على الكفاية تدرك بواحد من أهل البيت فعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا مِمَّنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ» ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ: «هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا».
 

جواز الأكل والإطعام والادخار:

وحول الأكل من الأضحية فإنه يستحب أن يأكل المضحي من أضحيته، ويطعم القريب والصديق، ولو كان غنيًا، لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}  [الحج:36].

 ويجوز الادخار منها، فعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ، فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا».

ويشترط في اللحم أن يكون نيئًا؛ لأن حق الفقير في تملكه لا في أكله، حتى يتمكن من توجيهه بحسب ما ينفعه، فإن شاء أكله وإن شاء باعه. والأفضل التصدق بأكثر الأضحية؛ لأن في ذلك أقرب للتقوى.

وفيما يتعلق بجلد الأضحية فإنه يجوز للمضحي الانتفاع من جلدها إلا أن التصدق فيه أفضل، ولا يجوز بيعه، ولا يجوز إعطاء الجزار الجلد بدل أجرة الذبح. لكن إن كانت الأضحية منذورة فوجب التصدق بجلدها والقرن كالجلد في الحكم.

الإمام يبادر بالذبح:

ويستحب للإمام أو الرجل القدوة أن يبادر بذبح أضحيته في المصلى بعد تمام الصلاة والخطبة؛ ليشاهد الناس صفة ذبحه، ويعلموا وقت الذبح، فيذبحوا على هدى وبصيرة.

ويستحب للمضحي أن يضحي بنفسه؛ اقتداءً بالنبي (صلى الله عليه وسلم) فكان يذبح أضحيته بنفسه.

وإن عجز المضحي أن يذبح بنفسه لخوف أو ضعف فلا حرج أن يذبح عنه غيره، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يذبح عن أزاوجه (رضوان الله عليهن).

ومن الإحسان أن يحد شفرته، ويريح ذبيحته فإن كانت الأضحية من الغنم أو البقر أضجعها مستقبلة القبلة ببطنها، وقوائمها، ويجعل رأسها عن شمالها، وسائر بدنها عن يمينه، ويضع رجله على صفحتها، ويأخذ أسفل رأسها بشماله ثم يذبح حتى يقطع أوداجها، وإن كانت الأضحية بدنه ذبحها قائمة.

ويستحب أن توجيه الأضحية إلى القبلة؛ لأنها أشرف الجهات، ويجب عليه تسمية الله تعالى عند الذبح لقوله تعالى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}  [الحج:36] حيث يقول المضحي:بسم الله، والله أكبر، اللهم منك وإليك.

ويشترط النية في للتضحية عند ذبح الأضحية في الأصح، ولا يكفي تعيينها؛ لأن التضحية عبادة فلا تصح العبادة إلا بالنية.

رحم الله قارئا دعا لي ولوالدي بالعفو والمغفرة {َاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].

__________________________________

المصادر:

*مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني.

*المهذب في فقه الإمام الشافعي لإبراهيم الشيرازي.

*بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين الكاساني.

*أحكام الأضحية للأستاذ الدكتور سلمان الداية.

_____________________________________________________
الكاتب:  ريما محمد عمر زنادة