"مجتمعات التعلم": رحلة نحو التنمية الشاملة والتماسك الاجتماعي
تتحقق التنمية الشاملة في أي مجتمع عندما يتحول المجتمع بأسره إلى "مجتمع تعلّم وتربية".
تتحقق التنمية الشاملة في أي مجتمع عندما يتحول المجتمع بأسره إلى "مجتمع تعلّم وتربية".
فعندما يتشارك الجميع، من دور العبادة والأسواق إلى المنصات الاجتماعية والإعلامية إلى وسائل المواصلات، إلى دور التسلية والترفيه...، مسؤولية التعليم والتربية مع المدارس والأسر، تصبح عملية التعلّم شاملة وتشمل جميع جوانب الحياة، وتحترم منظومة القيم التي يتبناها المجتمع، وتشكل سياج قويا يحمي أفراد المجتمع من الانزواء والتطرف.
ويتحقق ذلك عندما يقبل أبنائنا على مؤسساتهم التعليمية بشغف، وعندما نراهم يتقمصون القدوات الصالحة في المجتمع، وعندما نشعر بازدرائهم للتافهين والمترفين الذين صنعتهم سنوات الضعف والهوان التي مرت بها الأمة، حينئذ سيجبر الجميع في المجتمع على احترام قيم المجتمع وتوجهاته، والمشاركة في دعم هذا التوجه، وستختفي تماما الممارسات الإعلامية الهابطة، ومجالس اللغو والثرثرة.
ومن الجدير بالذكر أن هذا النهج ليس جديدًا، بل كان سائدًا في العصور الإسلامية الزاهرة، حيث كانت المساجد والمدارس والبيوتات والأسواق مراكز للتعلم والمعرفة والتربية. ونرى أيضاً في العصر الحديث بعض الأمثلة على مجتمعات تحولت إلى "مجتمعات تعلّم وتربية" مثل قرية "سوبي" في الهند، حيث نجحت في تحقيق محو الأمية وتحسين مستوى التعليم من خلال مشاركة جميع أفراد المجتمع.
مزايا تحول المجتمع إلى "مجتمع تعلّم":
إثارة الدوافع وتفجير القدرات: حشد الجهود الداعمة للرؤية التربوية الاجتماعية يحفز الأفراد على تبنيها وبذل الجهود في تحقيقها، وبذلك تختفي الجريمة والتباغض والتحاسد ويظهر الإحسان والبر.
نشر المعرفة بشكل أوسع: يضمن مشاركة جميع أفراد المجتمع في عملية التعليم وصول المعرفة إلى جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفيتهم أو قدراتهم.
تعزيز التعلم مدى الحياة: عندما يصبح التعلم جزءًا من ثقافة المجتمع، يصبح من الطبيعي أن يستمر الأفراد في التعلم طوال حياتهم.
خلق مجتمع أكثر ابتكارًا: تُحفز مجتمعات التعلم على التفكير الإبداعي وحل المشكلات، مما يؤدي إلى مجتمع أكثر ابتكارًا وتقدمًا.
تعزيز التماسك الاجتماعي: عندما يتشارك الجميع في التعلم، فإنه يخلق شعورًا بالانتماء والمشاركة، مما يعزز التماسك الاجتماعي.
تكافوء الفرص: عندما تتاح فرص التعلم أما الجميع، وكل إنسان ينهل منه بما يتفق وميوله وتخصصه، يحدث تكافوء للفرص، وتختفي المحسوبيات.
كيف يمكننا تحويل مجتمعاتنا إلى "مجتمعات تعلّم"؟
تشجيع التعلم مدى الحياة: يجب أن نُشجع على التعلم المستمر من خلال توفير فرص تعليمية متنوعة تناسب جميع الأعمار والاهتمامات.
استخدام التكنولوجيا: يمكن استخدام التكنولوجيا لجعل التعلم أكثر سهولة ووصولاً، مثل استخدام منصات التعلم الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي.
إشراك جميع أفراد المجتمع: يجب أن نُشرك جميع أفراد المجتمع في عملية التخطيط والتنفيذ لمبادرات التعلم.
جعل التعلم ممتعًا: يجب أن نجعل التعلم تجربة ممتعة وجذابة من خلال استخدام أساليب تعليمية تفاعلية ومبتكرة.
إنّ تحويل مجتمعاتنا إلى "مجتمعات تعلّم" هو مسؤولية تقع على عاتق الجميع. من خلال العمل معًا، يمكننا خلق مجتمعات أكثر معرفة وابتكارًا وتماسكًا.
محمد سلامة الغنيمي
باحث بالأزهر الشريف
- التصنيف: