{وإذا مرضت فهو يشفين}

منذ 2024-07-09

المرض هو رسالةُ خيرٍ لنا يذكِّرنا بضعفنا وحاجتنا الدائمة لخالقنا، ويذكرنا بقدرة الله علينا، كلما دَعَتْنا قدرتنا إلى الإساءة للآخرين

من منا لم يُداهِمْهُ المرض؟ ومن منا لم يعانِ في يوم من أيام حياته من السقم وشدته؟ أرأيت ذلك الشعور بالضعف، والعجز، وقلة الحيلة، وأنت تصارع مرضًا ألمَّ بك، وتحاول جاهدًا أن تدفعه عنك بكل ما لديك من أدوية وعقاقير؟

ومع زيادة وطأة المرض على جسدك تضيق عليك الدنيا بما رحبت، وتُظلِم الحياة في عينك، لا سيما عندما يقعدك المرض عن خدمة نفسك، وتحتاج لمن حولك حتى في أبسط الأشياء التي كنت تفعلها بمفردك في ثوانٍ، وشعورك المؤلم بنظرات الشفقة والرحمة في عيون بعض من يزورك، ولو خيَّروك بين ملذات الدنيا كلها، فلن تطلب إلا الصحة والعافية

وفي حالة ضعفك هذه تبدأ بتذكر شريط أعمالك، وتحزن أشد الحزن على ما فيه من ذنوب وتقصير في حق الله، وفي حق عباده، وتتمنى لو تعود لك صحتك لتبادر بالتوبة لربك والرجوع له، وتعاهد نفسك على ذلك، وربما تصرح به لمن حولك: لئن عافاني الله، فلن أفعل كذا، وسأتوب إلى الله من كذا، و... ثم ما إن تعُدْ لك الصحة والنشاط، وتشرق الحياة أمامك، تنسَ ما عاهدت نفسك عليه.

 

إن المرض وإن كان عارضًا بسيطًا هو رسالةُ خيرٍ لنا يذكِّرنا بضعفنا وحاجتنا الدائمة لخالقنا، ويذكرنا بقدرة الله علينا، كلما دَعَتْنا قدرتنا إلى الإساءة للآخرين، المرض رحمة وإن بدا لنا العكس، فكم من مرض رفع صاحبه درجاتٍ لصبره عليه، ورضاه بقدر ربه، وحظِيَ بمعية الله {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]! وكم من مرض قطع حبائلنا من الخلق وزادنا وصلًا بخالقنا: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]! وكم من مرض كُفِّرت به السيئات، ورُفعت به الدرجات! قال صلى الله عليه وسلم:  «ما من مسلم يُصيبه أذًى من مرض، فما سواه، إلا حطَّ الله به سيئاته، كما تحطُّ الشجرة ورقها»؛ (متفق عليه).

ما دمتَ في الدنيا، وما دمت تُبتلى، فأنت على خير؛ قال صلى الله عليه وسلم:  «إذا أراد الله بعبده خيرًا، عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشرَّ، أمسك عنه بذنبه، حتى يوافيَ به يوم القيامة»؛ (رواه الترمذي)، يا من يعاني من مرض أو عدة أمراض، اصبر ولا تَشْكُ آلامك لغير خالقك، وأبْشِرْ بحسن الجزاء من الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: "إذا حمِد المريض اللهَ، ثم أخبر بعلته، لم يكن شكوى منه، وإن أخبر بها تبرمًا وتسخطًا، كان شكوى منه".

________________________________________
الكاتب: بدرية بنت حمد المحيميد